"رايتنا بعيون خضراء".. كيف واجه الجولان محاولة إسرائيل شرعنة الاحتلال؟
كتب - محمد الصباغ:
وقف سكان الجولان في وجه دولة الاحتلال الإسرائيلي هاتفين "الجولان سورية عربية"، وذلك خلال انتخابات محلية حاولت تل أبيب فرضها لإضفاء صبغة شرعية على الاحتلال القائم منذ عقود.
وقف شيوخ الجولان بملابسهم التقليدية وأمامهم شباب ورجال ونساء يهتفون ضد المحتل، معلنين رفضهم التام لأي محاولات لـ"أسرلة" الجولان المحتلة.
احتلت إسرائيل عسكريًا منطقة الجولان السورية في عام 1967، ثم أعلنت "ضمها" إلى الدولة العبرية عام 1981، في خطوة رفضتها الأمم المتحدة، لتبدأ محاولة فرض الاحتلال الإداري أيضًا بالقوة، وإجبار المواطنين على انتخابات محلية تديرها تل أبيب.
لكن سكان الجولان احتجوا على الانتخابات الإسرائيلية وقرروا مواجهة الاحتلال بالإضراب والمقاطعة، وتهديد كل من يشارك في تلك العملية بالعزلة الاجتماعية لأنه بذلك يقف في صف محاولات الاحتلال لفرض أمر واقع على الأرض.
ويُذكَر ذلك بتجربة المدن المحتلة في فلسطين، حيث هناك انتخابات في القدس الشرقية المحتلة وهناك مشاركات من فلسطينيين، على الرغم من إلقاء البيض عليهم لأنهم يُطبّعون مع الاحتلال.
فقد ارتبطت الخدمات المقدمة للأهالي بالمرشحين في الانتخابات الإسرائيلية، وصارت هناك من هم مثل المرشح الفلسطيني رمضان دبش، الذي يرى أنه مقتنع بخوض غمار الانتخابات البلدية. ويعتبر، بحسب تصريحاته لفرانس برس، أن الدخول في غمار الانتخابات الإسرائيلية معناه أن "يكون للمقدسي الفلسطيني صوت يدافع عنه في البلدية" ويرعى مصالحه.
في الجولان الخوف قائم أيضًا رغم المقاومة، فنسبة السكان الذين يطلبون الحصول على الجنسية الإسرائيلية في ارتفاع، فوصل إلى حوالي 97 شخصًا في العام منذ 2014 حتى العام الجاري، بعدما كان لا يتجاوز العشرة أفراد سنويًا في الفترة من 2008 إلى 2013، بحسب إحصاءات رسمية إسرائيلية.
"رايتنا بعيون خضراء"
حمل سكان الجولان المحتل الأعلام السورية في المظاهرات التي انطلقت أمس احتجاجا على فرض الانتخابات البلدية الإسرائيلية. كما انسحب عدد ممن قرروا الترشح في الانتخابات بعد ضغوط محلية وقيادية في الجولان.
ومنذ فرض إسرائيل سيادتها على الجولان المحتل عام 1981، بات حقًا لمن يحملون المواطنة الإسرائيلية المنافسة في الانتخابات البلدية، ووصلت نسبة هؤلاء إلى 20% من سكان الجولان.
أعلنت دولة الاحتلال انطلاق الانتخابات المحلية في مناطق خمسة بالجولان، هي مجدل شمس وبقاعتا ومسعدة والغجر وعين قينيا، لكن الإقبال كان ضعيفًا وسط اعتصامات واتفاق بين قادة الجولان على عدم المشاركة في "شكر المحتل".
وأصدر الحراك الشبابي في الجولان بيانًا اعتبر فيه أن الانتخابات "محاولة للاستخفاف بالعقول" وأن التوقع بأن أهل الجولان المحتل سوف يقبلون بها هو "أمر مضحك. فهذه دولة احتلال وقوانينها قوانين احتلال تعبّر عن مشاريعه وهيمنته فقط".
أما في مجدل شمس، فقد أعلنت القيادات بالجولان في اجتماع بأنهم يرفضون الانتخابات ودعوا إلى اعتصام لأهالي البلدة ومحاصرة المدرسة المقرر إقامة الانتخابات بها.
وبالأمس رفع المحتجون الأعلام السورية وهتفوا ضد الاحتلال وضد الانتخابات وبأن الجولان سورية عربية.
حرّمت القيادات الدينية بالجولان أيضًا المشاركة في الانتخابات وهددت بمقاطعة اجتماعية لكل من يشارك فيها. واعتبروا أن "رؤساء وأعضاء هذه المجالس لا يمثلوننا بأي حال من الأحوال".
كما نص البيان الصادر من القيادات بالجولان على: "فرض المقاطعة الاجتماعية عليهم (المشاركين بالانتخابات) حيث لا يسمح لهم بالمشاركة لا في الأفراح ولا في الأتراح ولا تصلى جنائزهم عند وفاتهم إلا أن يعودوا إلى رشدهم ويترجعوا عن خطوتهم التي تمثل خدمة مباشرة للاحتلال".
وبعد هذا التهديد القوي، استقال تسعة مرشحين بالفعل بعد إعلان مشاركتهم، فانسحب ثلاثة مرشحين من أصل خمسة في مجدل شمس وثلاثة من أصل خمسة أيضًا في عين قينيا، وواحد من بين اثنين في بقاعتا، وانسحب كل المرشحين الثلاثة في مسعدة.
وشارك أيضًا بعض المنسحبين من الترشح في الاعتصام أمس في مجدل شمس، ومن بينهم طارق الصفدي الذي قال إنه انسحب حتى "لا يحدث ما لا يُحمد عقباه".
وكتب عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "إذا كانت هذه الانتخابات ستتسبب بمشكلة في المجتمع، وتتسبب بشرخ، فإني أسحب ترشيحي".
واحتفى كثيرون بهذه المقاطعة، فقال الكاتب علي أبو عواد على أحد المواقع المحلية ويحمل اسم "دليلك"، والذي كان ينشر الكثير من الصور ومقاطع الفيديو عن الحراك في الجولان، إن يوم أمس "لم يكن مثله يوم".
وقال: "روحي فداء للعلم أبو عيون خضر الذي رفرف عاليا كرمز سيادي في سماء الجولان بمواجهة المحتل... لمن نسي أو تناسى فإن هذا العلم (أبو عيون خضر) لُفّ فيه آلاف الشهداء في مواجهة الاحتلال".
ويقصد هنا العلم السوري بنجمتيه الخضراوين في المنتصف والذي حمله الجولانيون في المظاهرات ضد الانتخابات المحلية، وفي إثبات هويتهم السورية.
"وجه آخر"
مثل الفلسطيني رمضان دبش، نجد في الجولان سميرة رضا عمران، المرشحة عن بلدة عين قينيا والتي اتخذت "المساواة والتغيير والشفافية" شعارًا لها.
بمجرد الدخول على صفحتها الشخصية على موقع فيسبوك نجدها مليئة بالكلمات العبرية، وتنقل منشورات تهاجم الداعين لرفض الانتخابات الإسرائيلية وتصفهم بأنهم "خائفون من الحرية ومن المستقبل ومن الماضي".
ونقلت عبر صفحتها منشورًا أمس يعتبر هؤلاء الرافضون للانتخابات البلدية بأنهم يرفضون "التخلي عن الولاء الأعمى للماضي ويستميتون لإحيائه بعد أن أصبح هيكله ترابًا".
وظهرت أيضًا على القناة العاشرة العبرية في حوار للتشجيع على الانتخابات البلدية في الجولان المحتل، وقالت إنها تريد أن تكون أول حاكم منتخب لقريتها "عين قينيا"، لكنها تعاني بسبب التهديدات من القادة المحليين والدينيين.
القرية التي يقطنها حوالي 2300 شخصًا هددوا بمقاطعة سميرة رضا (46 عامًا)، وقالت الأخيرة في حوار مع صحيفة تايمز أوف إسرائيل: "هددوني بمعاقبتي بالاستبعاد من المجتمع".
تربت سميرة في قرية مجدل شمس، وهي أم لطفلين، وأضافت للصحيفة العبرية أنهم أخبروها أنها لن يُسمح لها المشاركة في الأفراح والمآتم، وحتى لو ماتت لن يشارك أحد من السكان في جنازتها.
ويعيش في القرى الدرزية في الجولان حوالي 26.500 نسمة، والقليل جدا منهم يوافق على الانتخابات المحلية، لكن العدد الأكبر قرر مواجهة "أسرلة" الدروز في الجولان المحتل.
ولا يعترف المجتمع الدولي بالاحتلال الإسرائيلي للجولان، وتعد أرض سورية، أكدت دمشق أنها سوف تستردها إن عاجلا أم آجلا وطالما طالبت سكانها بالمقاومة في وجه الاحتلال.
فيديو قد يعجبك: