مقاتلون سابقون في داعش يحاربون مع الحشد الشعبي في العراق
كتب - هشام عبد الخالق:
تجمّع الحرب في العراق أطرافًا غريبة معًا، وقد يكون آخر تلك الفرق المتجمعة معًا هو أغربها على الإطلاق، حيث بدأت قوات الحشد الشعبي المتكونة من أغلبية شيعية، في التحالف مع بعض مقاتلي تنظيم داعش السابقين، وقد تبدو فكرة تحالف هذين العدوين السابقين معًا غريبة، ولكن هناك منافع أكيدة لكلا الطرفين، حيث ستسمح لفصائل الحشد الشعبي بالسيطرة على بعض المناطق السُنية، في الوقت الذي سيستطيع مقاتلو داعش السابقون دخول العراق مرة أخرى.
مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، ذكرت في تقرير لها الإثنين، أن نتائج تحالف العدوين السابقين ستكون بلا شك سيئة للعراق.
وتقول المجلة: "كان الحشد الشعبي عنصرًا رئيسيًا في الحرب ضد تنظيم داعش في العراق التي بدأت في 2014، ويتكون الحشد من مقاتلين شيعيين، وكان ينظر إلى بعض هؤلاء المقاتلون على أنهم موالون لإيران، وكان من الصعب عليهم دخول المناطق التي يسيطر عليها السُنة، وجعلوا من الصعب على شركاء الحكومة العراقية مثل الولايات المتحدة أن يضموهم تحت ألويتهم لمحاربة داعش".
وعلى الرغم من ذلك، كما تقول المجلة، صمدت قوات الحشد الشعبي، وهي اليوم مسؤولة عن الأمن في بعض البلدات التي كان يحتلها تنظيم داعش، كما أنها تشكل قوة سياسية رئيسية في البلاد، وفي الانتخابات العراقية الأخيرة، فازت تحالف من الحشد الشعبي يُدعى "تحالف فتح" بـ 48 مقعدًا في البرلمان العراقي المكون من 329 مقعدًا.
- مد رقعة السيطرة:
وتضيف المجلة، أن الحشد الشعبي سيحاول مد رقعة المناطق التي يسيطر عليها أكثر وأكثر، ولكي يقوم بهذا، أحدث تغييرًا جذريًا في استراتيجية التوظيف الخاصة به، حيث يقوم الآن بتجنيد أعضاء تنظيم داعش الآن بالإضافة إلى شباب الشيعة.
وأكد مسؤولون حكوميون عراقيون هذا المسعى الذي تتجه إليه قوات الحشد الشعبي، مشددين على أن "منظمة بدر" إحدى أكبر منظمات قوات الحشد الشعبي، جندت ما يقرب من 30 مقاتلًا سابقًا لتنظيم داعش في مدينة جلولاء العراقية فقط، بالإضافة إلى ذلك، جندت منظمة "عصائب أهل الحق" وهي إحدى أكثر جماعات الحشد الشعبي تطرفًا، ما يقرب من 40 عنصرًا سابقًا لتنظيم داعش في نفس المنطقة، التي تم تقسيم حكمها ما بين الحكومة المركزية العراقية والأكراد.
ويقول خليل خداداد، مسؤول كردي في مدينة جلولاء العراقية، للمجلة: "بعد هزيمة تنظيم داعش في المنطقة أواخر 2014، لم يتمكن أعضاء داعش المحليين من العودة إلى جلولاء، حيث اتجهوا إلى مناطق أخرى انضموا فيها لقوات الحشد الشعبي، ولكنهم عادوا الآن تحت مسمى جديد وبزيّ جديد".
أعضاء قوات الحشد الشعبي أنفسهم تضاربت آرائهم حول تضمين مقاتلي داعش السابقين بينهم، وأنكر أحد المسؤولين من "عصائب أهل الحق" أن يكون لديهم في المجموعة أي أعضاء سابقين لداعش، واعترف أن مجموعته كانت مهتمة بضم بعض السُنيين إليهم ولكن بشرط أن يكونوا من "المحليين الذين ليسوا على أي صلة بتنظيم داعش".
وقال شيخ أبو أحمد، قائد كتيبة في شمال ديالى: "عندما بدأنا التجنيد، انضم بعض أعضاء داعش، ولكننا بعد ذلك قمنا بإجراء فحوصات للهوية وطردنا جميع المشبوهين".
الجانب الآخر من المعادلة، أو مقاتلي داعش السابقين السُنيين، سيكون الأمر غريبًا بالنظر لتحمسهم للانضمام لقوات الحشد الشعبي الشيعية التي قاتلوها مؤخرًا، ولكن يبدو أن لديهم أسباب جيدة لهذا.
- الأموال:
بالنسبة لبعض مقاتلي داعش السابقين، فالأمر اقتصاديّ بحت، حيث لم ينضم هؤلاء إلى داعش بسبب حماستهم الدينية، بل لأنهم كانوا بحاجة إلى رواتب، وعندما هُزم التنظيم الإرهابي ووجدوا أنفسهم بلا وظيفة كان هذا وقت البحث عن عمل آخر، وبالنظر إلى كونهم لا يعرفون مهارات سوى القتال، كان الانضمام لجماعة أخرى أمرًا عقلانيًا.
وبما أن العراق، مثل العديد من المجتمعات التي دمرها الصراع، ليس لديه سياسات رسمية لإعادة دمج المقاتلين، فإن هؤلاء الرجال لا يستطيعون الانضمام إلى قوات الأمن العراقية الرسمية، لذا بدأوا يبحثون عن بدائل أقل رسمية، وفي البداية، لجأ الكثيرون إلى قوات الحشد القبلية السُنية التي تدعمها الولايات المتحدة، والمضادة لقوات الحشد الشيعية، ودفعت القوات السُنية 400 دولار. ومع ذلك، لم يتمكن سوى قلة منهم من الانضمام، وكان البديل أمام هؤلاء المقاتلين الانضمام لقوات الحشد الشعبي الشيعية، وتبين أن قوات الحشد كانت أكثر قابلية للسماح لأعضاء داعش السابقين بالانضمام إلى صفوفها.
وكان انضمام مقاتلي داعش السابقين إلى قوات الحشد الشعبي، بالإضافة إلى الأموال الجيدة التي يحصلون عليها، فرصة جيدة لهم لمحو تاريخهم السيء، وأصبح بإمكانهم المرور عبر نقاط التفتيش المنتشرة في كل مكان بالعراق باستخدام بطاقة التعريف الخاصة بقوات الحشد الشعبي.
لماذا ينضم مقاتلو داعش إلى قوات الحشد الشعبي؟
من الأسباب الرئيسية لانضمام المقاتلين السُنة التابعين لداعش إلى القوات الشيعية هو الهروب من عمليات الإعدام لمقاتلي داعش السابقين، ولكن هذا لا يفسر سبب قيام قوات الحشد الشعبي الشيعية بتجنيدهم، خاصة بعد أن حظيت باحترام المدنيين لمقاتلتهم تنظيم داعش.
وتقول المجلة، إنه "من الناحية السياسية، يريد الحشد الشعبي زيادة تأثيره في المناطق التي يسيطر عليها السُنة، ولذلك يحتاج أعضاء يتبعون الطريقة السُنية، وعلى ما يبدو أن أفضل طريقة أمامهم كانت تجنيد مقاتلي داعش السابقين لتحقيق هذا الهدف".
وذكر أحد رجال الشرطة المحليين في الموصل، أن "بعد هزيمة داعش في المدينة، تم احتجاز العديد من مقاتلي داعش السابقين، الذين كان لديهم أوراق رسمية تثبت انتمائهم لقوات الحشد الشعبي".
ومن الناحية العسكرية، تقول المجلة، إن قوات الحشد الشعبي ربما تكون أسوأ من مقاتلي تنظيم داعش السابقين، فبعد أربع سنوات من الحرب، أغلب مقاتليها لديهم خبرات عسكرية كبيرة، كما أنهم مفيدون للغاية أيضًا في عملية تصفية وضبط مقاتلي داعش السابقين الذين لم ينضموا لقوات الحشد الشعبي، ولكن، بحسب المجلة، لا ينبغي لقوات الحشد الاعتماد على ولائهم.
وهناك بالطبع، الفساد والعجز في قوات الحشد الشعبي أنفسهم، فبعض مقاتليها قد يغادرونها إذا ما وجدوا سعرًا أعلى، ووفقًا لسكان محليين في الموصل، يتراوح سعر بطاقة التعريفية التابعة لقوات الحشد الشعبي من 500 دولار، مقابل بطاقة الهوية فقط، إلى عدة آلاف من الدولارات، من أجل بطاقة الهوية والتسجيل في قائمة عضوية منظمة بدر.
أين المشكلة؟
يشكل تحالف مقاتلي داعش السابقين مع منظمات الحشد الشعبي مشكلة أمنية للعراق، وليس من المؤكد إذا ما كان جميع القادمين الجدد يشكلون خطرًا، وفي العديد من البلدان التي خرجت من الصراع مؤخرًا، فإن إعادة دمج المقاتلين السابقين أمر شائع.
ومع ذلك، بحسب المجلة، تحتاج بغداد إلى أن تكون قادرة على مراقبة أعضاء داعش السابقين الذين انضموا إلى قوات الحشد الشعبي، وسيكون من الصعب عليهم القيام بذلك في الوقت الحالي.
والأكثر من ذلك، بالنظر إلى علاقة قوات الحشد الشعبي المحتملة بإيران، فأن توسعها في تجنيد المقاتلين السُنة يُقلق الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وطالما أن أمن العراق محميّ بواسطة ميليشيات مسلحة متنوعة، فستواجه بغداد صعوبة كبيرة في إنهاء سنوات الصراع.
وتقول المجلة، إن تجنيد هؤلاء المقاتلين أمر سيء أيضًا بالنسبة للمجتمعات السُنية الذين دمرتهم الحرب مع تنظيم داعش، وطبقًا لأحد أعضاء مجتمع جلولاء السُنيين: "في المناطق العربية الكردية المختلطة، يوجد الكثير من العرب الذين يقدرون الاستقرار والأمن الذي كان قائمًا عندما كان يحكم أشخاص سُنة من العرب لهم صلات بالأحزاب السياسية الكردية".
فيديو قد يعجبك: