فرنسا وألمانيا وبريطانيا نموذجا.. كيف ستواجه أوروبا "الأخبار المزيفة"؟
كتب - هشام عبد الخالق:
قالت مجلة "كولومبيا جورناليزم ريفيو" الأمريكية، إن عدة دول أوروبية تحاول اتخاذ خطوات ضد مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك، تويتر، ويوتيوب"، بسبب معلوماتها المضللة، وخطاب الكراهية والمضايقات الإلكترونية المنتشرة على مثل تلك الساحات، ولكن يعتقد الكثيرون أن تلك الخطوات سوف تؤدي إلى خنق حرية التعبير، ووضع قيود خطيرة على حرية الصحافة.
وتابعت المجلة في تقرير لها على موقعها الإلكتروني اليوم الخميس، تقوم كلًا من فرنسا، ألمانيا، والمملكة المتحدة بخطوات من مطالبة وسائل التواصل الاجتماعي بمنع وإزالة المحتويات التي تحرض على الكراهية أو المضايقات وكذلك "الأخبار المزيفة".
وتقول جيليان يورك، مدير حرية التعبير في مؤسسة الحدود الإلكترونية والمقيمة في برلين: "المخاوف الحقيقية هنا أن تعطي السيطرة لأشخاص غير مسؤولين، فتلك الخيارات الجوفاء سوف تفشل في محاسبة المسؤولين عن مثل هذه النوعية من الخطابات، ولذلك فهي غير مؤهلة للقيام بتلك الوظيفة".
وعلى سبيل المثال، يقوم فيسبوك بشكل دوري بحذف محتويات وإيقاف حسابات دون أن يفسر السبب، وحتى لو تم استعادة الحسابات لا تفسر الشركة - سوى نادرًا - لماذا قامت بحذف أو إيقاف الحسابات.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلن في خطاب للصحفيين الأسبوع الماضي، أنه يفكر في تشريع جديد سيطالب المنصات الاجتماعية مثل فيسبوك، بأن تكون أكثر شفافية في من يدفع للمحتوى المُموّل، وأيضًا في إعطاء جهاز تنظيم وسائل الإعلام الفرنسية قوة أكثر لحذف "الأخبار الكاذبة".
وقال ماكرون، إذا أردنا حماية الحريات الديمقراطية، يجب أن نكون أقوياء ولدينا قواعد واضحة، مضيفًا أن جهاز مراقبة الإعلام الفرنسي سوف يكون لديه القدرة على المحاربة ضد "أي محاولة لزعزعة الاستقرار"، تقوم بها وسائل الإعلام التي تتحكم فيها دول غربية، مثل شبكة التلفزيون الروسية المرتبطة بالكرملين "روسيا اليوم".
ويرى المراقبون أن الرئيس الفرنسي مهتم بالأخبار المزيفة، لأنه يرى نفسه ضحية تلك الأخبار التي انتشرت أثناء الانتخابات الأخيرة، ومن ضمنها إشاعات أنه تم تمويله من قبل السعودية، وأنه لديه حسابات بنكية خارج البلاد، وأنه متورط في علاقة مثلية جنسية.
ويعتقد النقاد أن التشريع الذي سيقدمه ماكرون لن يحل المشكلة، وقال خبير القانون الفرنسي ألبرتو أليمانو في مقال لمجلة بوليتيكو: "يركز القانون على الشجر وليس الغابة - يعني أنه يركز على أشياء فرعية وليس الأشياء الأساسية - ولذلك فسوف يظل غير ذي صلة، وستبقى جذور تلك الأشجار في تغذية ظاهرة الأخبار الكاذبة".
في ألمانيا، يتم التركيز على خطاب الكراهية، والحكومة على وشك تطبيق قوانين جديدة حول هذا الموضوع أكثر من أي دولة أوروبية أخرى، وطبّقت الدولة قانونًا جديدًا يلزم شبكات التواصل الاجتماعي بحذف بعض المحتويات المعينة وإلا مواجهة غرامات قد تصل لـ 60 مليون دولار.
وقد يؤدي مثل هذا القانون إلى رد فعل عكسي، بعد أن طبّقت ألمانيا القانون وألزمت تويتر بإزالة حساب ينتمي لمجلة ساخرة تُدعى "تايتانك"، لنشرها تغريدات صُممت لتظهر مشاعر المسلمين بشكل ساخر.
وبسبب تلك الحادثة، تراقب الدول الأوروبية وخاصة فرنسا وبريطانيا، ألمانيا باهتمام بالغ، ويفكرون في اتباعها بتنفيذ قوانين تهدف فرض السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي في فرض الرقابة على المحتوى الذي يقدمونه.
وتقول أليسون لانجلي، صحفية حرة وأستاذ مساعد بجامعة وبستر في جنيف، إن تلك الحركات التي تقوم بها كلًا من فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا تأتي في وقت تزداد فيه المخاطر من تصاعد دور الحكومة الروسية في القيام بحرب مضللة على الإنترنت، وهو الشيء الذي فعلته مسبقًا في الانتخابات الأمريكية.
وتضيف لانجلي، "حارب الاتحاد الأوروبي من أجل هذه التشريعات لبعض الوقت، وحتى حلف الناتو قلق من تأثير التشريعات على دول البلطيق وأوكرانيا، فمشكلة المعلومات المُضللة أنها أكثر تطورًا مما يراه الناس في الولايات المتحدة، وعندما يتعلق الأمر بخطب الكراهية فإن المتطرفين أثّروا في أوروبا بالفعل، لذلك تشعر القارة أنها بحاجة لمحاربة تلك المشكلة في نفس الوقت الذي تحافظ فيه على حرية التعبير".
ويتابع التقرير، من الصعب الحفاظ على الأمرين معًا في بعض الحالات، فبعد أيام من تطبيق قانون محاربة خطابات الكراهية في ألمانيا، أوقف "فيسبوك" و"تويتر" حسابات بياتريكس فون ستورخ على كلا الشبكتين، وستورخ هي نائب رئيس الحزب اليميني "البديل من أجل ألمانيا"، وذلك بسبب تعليقاتها العنصرية عن المسلمين.
وبينما تقلق فرنسا من الأخبار المزيفة، وألمانيا من خطابات الكراهية، فإن بريطانيا تضغط على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثارت إمكانية تطبيق قانون مثل ألمانيا، لأنها تعتقد أن التحرش الإلكتروني الذي يستهدف السياسيين والشخصيات العامة الأخرى يعرض الديمقراطية للخطر.
ووبخ تقرير للجنة معايير الحياة العامة، كلًا من تويتر، فيسبوك، ويوتيوب، لمساعدتهم وتحريضهم على المضايقات التي يتعرض لها السياسيون.
وقال كاتبو التقرير، إن منصات التواصل الاجتماعي يمكن أن تؤدي إلى انتشار سريع للأفكار والمعلومات، ولكن يمكن أيضًا استخدامها في تسهيل مضايقات الأشخاص لدفع أفرادًا محددين خارج الدوائر السياسية والعامة، وابتعد بعض أعضاء البرلمان تمامًا عن منصات التواصل الاجتماعي بعد تعرضهم للتخويف.
وبينما تواجه الولايات المتحدة أمرًا مختلفًا، حيث يمنح الدستور الأمريكي وخاصة التعديل الأول، حماية كبيرة لحرية الخطابات حتى لو كانت مليئة بالكراهية، فإن عديدًا من الدول الأوروبية تحاول الموازنة بين حرية التعبير والنظام الاجتماعي، ولكن هذا يصعب الأمور عليهم أكثر في معرفة الخط الفاصل بين الاثنين.
فيديو قد يعجبك: