إعلان

التخريب واستهداف مدرسة يهودية.. احتجاجات تونس في قفص الاتهام

12:04 م الخميس 11 يناير 2018

موجة الاحتجاجات في تونس ضد قانون المالية

برلين (دويتشه فيله)
بدأت موجة الاحتجاجات في تونس ضد قانون المالية، لكن وقوع أعمال نهب وتخريب، ومحاولة إحراق مدرسة يهودية، فضلاً عن اعتقال تكفيرييْن، فتح النقاش حول تبعات هذه الاحتجاجات بما في ذلك تداعياتها على التعايش الديني في البلد.

بعد مرور 16 عاماً على آخر اعتداء بحق المزارات اليهودية الشهيرة في جزيرة جربة التونسية، اهتمت عدة عناوين صباح الأربعاء 10 يناير 2018 بخبر إلقاء مجهولين زجاجات المولوتوف الحارقة داخل بهو مدرسة يهودية في الحارة الكبيرة في الجزيرة، في محاولة لإحراقها، دون أن تنتج عن الهجوم أيّ إصابات. أما الأضراء فكانت خفيفة حسب ما جاء في تصريحات بيريز الطرابلسي، رئيس الجالية اليهودية في جربة، لـ DW عربية.

إلقاء زجاجات المولوتوف يأتي في أعقاب احتجاجات كبيرة تشهدها تونس منذ أيام ضد قانون المالية الجديد الذي يرفع أسعار بعض المنتجات والخدمات ويفرض ضرائب جديدة.

وقد وقعت في بعض المناطق أعمال تخريب ونهب للممتلكات، كما توترت الأوضاع بشكل أكبر بعد مقتل متظاهر إثر التدخل الأمني.

تزامن هذا التوتر مع الذكرى السابعة للثورة التونسية التي لم تنجح حتى الآن في مواجهة تحديات المطالب الاجتماعية، خاصة مع استمرار البطالة وزيادة العجز في الموازنة العامة وندرة الاستثمار.

جزيرة التعايش
تمثل اليهودية جزءاً رئيسياً في البناء الثقافي لجزيرة جربة التي تشكل أكبر نقطة لتجمع أتباع هذه الديانة في تونس.

يعيش اليهود داخل جربة في تسامح ثقافي وديني وفق تأكيدات أكثر من مسؤول يهودي بتونس، خاصة وأن الجزيرة حبلى بالمدارس التلمودية التي تدرّس صغار اليهود تعاليم دينهم وقواعد اللغة العبرية، كما يشارك يهود جربة في الحياة الاقتصادية، إذ يملكون عدة مشاريع في تجارة الذهب والمصوغات والمطاعم الشعبية.

يدافع بيريز الطرابلسي عن التعايش في جزيرة جربة: "نعيش كإخوة في هذا المكان، نتجول ونتبادل الزيارات ولدينا صداقات مع الجميع. لا يوجد فرق بين عربي أو يهودي بالنسبة لنا، نحن كلنا تونسيون وفقط".

ويضيف المتحدث أن من ألقوا زجاجات المولوتوف في ساحة المدرسة "ليسوا مسلمين حقيقيين، بل من الفاسدين الذين يريدون خلق فتنة بين المسلمين واليهود في البلد"، مردفاً: "التونسيون الحقيقيون لن يقوموا بمثل هذه الأمور أبداً، ومن رمى المولوتوف قد يكون تلّقى أوامر من جهات معينة".

ويتابع الطرابلسي أنه لم تقع في السنوات الماضية أيّ أحداث من هذا القبيل، ولم تقع أيّ اعتداءات على اليهود عند اندلاع الثورة التونسية.

وفي رده على الاحتجاجات الأخيرة، يقول الطرابلسي: "من يريد التنمية الحقيقية لا يقوم بالتخريب ولا يقوم بأفعال فاسدة. هناك من المحتجين من يريد تخريب البلاد".

ويبرز المتحدث ذاته أن السلطات التونسية تواصلت مع القيّمين على المدرسة اليهودية، وهو على ثقة أن ما جرى أمس لن يتكرر.

تصريحات بيريز تأتي في اليوم ذاته الذي أكدت فيه وزارة الداخلية التونسية أنه جرى اعتقال "تكفيريين خطيرين توّرطا في أعمال سرقة وسطو وتخريب" أثناء الاحتجاجات الأخيرة، إذ قاما بـ"حرق مبنى تابع لوزارة المالية ومستودع بلدي وسيارة إدارية وأخرى تابعة للشرطة"، حسب المصدر السابق، وقد وصل عدد المعتقلين، بتهم التخريب، إلى 281 عنصراً.

تعايش تخلّلته محطات عنف
يعود الوجود اليهودي في تونس إلى مئات السنين، وحسب بحث نشره الباحثان كلود سيتبون وروبرت أ.أتال، فإن الطائفة اليهودية موجودة في البلاد منذ ألفي سنة. وقد وصل عدد أفرادها في فترة ما قبل الاستقلال عن فرنسا، إلى ما يقارب مئة ألف نسمة، 70 ألفاً منهم كانوا من مواطني تونس، في حين كانت البقية من جنسيات أخرى، لكن العدد تضاءل كثيراً بعد ذلك، خصوصاً بعد هجرة الآلاف منهم إلى إسرائيل، وفق ما يؤكده المصدر السابق ذاته الذي قدّر رقم اليهود الذين يعيشون حالياً في تونس بـ 3 آلاف، فيما تقول مصادر إعلامية أخرى إنه لا يتجاوز 1500 أو حتى 1300 نسمة.

غير أن التاريخ الحديث لليهود في تونس لم يكن وردياً بالكامل، فإن كان هناك إجماعاً على غياب عمليات اضطهاد لليهود في هذا البلد، فقد سبق للطائفة اليهودية أن طلبت من "هيئة الحقيقة والكرامة" عام 2016 التحقيق في "انتهاكات" تعرّض لها مواطنون من اليهود التونسيين منذ عام 1956.

وقالت الطائفة في رسالة رسمية وجهتها إن العديد من اليهود "حُرموا من الجنسية التونسية دون سبب، كما انتزعت أراضيهم دون مبرر ودون تعويض".

كما أن المظاهرات التي شهدتها تونس خلال عام 1967، إسوة بجلّ الدول العربية، خلال حرب يونيو (حرب الستة أيام)، وقعت فيها أعمال عنف بحق اليهود، خاصة استهداف محلاتهم وإحراق الكنيس الأكبر بتونس، حسب ما يشير إليه الباحثان كلود سيتبون وروبرت أ.أتال؟، كما قُتل رجل دين يهودي وسط العاصمة عام 1971.

لكن هذه الأعمال بقيت جد معزولة ونادرة، حتى وإن قورنت بأحداث عنف مُنفصلة وقعت في تونس منذ استقلالها إلى الآن.

ويبقى أكبر اعتداء تعرّضت له المزارات اليهودية في تونس هو الاعتداء الذي تعرّض له في أبريل 2002 معبد الغريبة، أقدم معبد يهودي في إفريقيا، إذ يقول المشرفون عليه إنه يعود إلى 586 قبل الميلاد.

وقد تبنى الهجوم بشاحنة مفخخة على المعبد تنظيم القاعدة الإرهابي، وأسفر الاعتداء عن مقتل 21 شخصاً غالبيتهم من السياح الألمان.

كما تعرّض المعبد ذاته عام 1985 إلى اعتداء بالنيران نفذه رجل أمن مكلّف بالحراسة، ونجم عنه مصرع ثلاثة أشخاص، وبرّر الفاعل هجومه بالرّد على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس.

بين الاحتجاج والتخريب
غير أن الاعتداء على الكنيس اليهودي لا يمكن النظر إليه بمعزل عمّا يجري على كامل تراب تونس، فقد وقع نهب للأسواق وتم إحراق مؤسسات بنكية وممتلكات عامة، وهو ما يفسره الخبير الأمني التونسي، باسل ترجمان، بوجود عصابات لا علاقة لها بالاحتجاج، ترغب بـ"إعادة الفوضى التي عاشتها تونس بعد سقوط بن علي".

ويتحدث ترجمان لـDW عربية أن هناك "أطرافاً مشبوهة تسعى لخلق أزمة حقيقية في تونس، لأجل تحقيق مشاريع لديها علاقة بالتهريب والعصابات الإرهابية في غرب ليبيا"، مشيراً إلى أن اعتقال عدد من التكفيريين يؤكد هذا المسعى.

وفي الوقت الذي نددت فيه فعاليات حقوقية بموجة الاعتقالات في تونس، كالمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الذي قال إن "الإجراءات القمعية تجاه المتظاهرين تخالف الدستور التونسي وحقوق الإنسان"، متحدثاً عن وجود انتهاك لحق التجمع السلمي وعن وقوع اعتقالات بحق شباب سلميين، فإن ترجمان يتحدث عن أن التعاطف الشعبي مع الاحتجاجات "تراجع كثيراً" بسبب انتشار التخريب واستغلال عصابات للاحتجاجات، متحدثاً عن وجود تخوّف شعبي من عودة أجواء غياب الأمن التي شهدتها البلد في الأيام الأولى للثورة التونسية.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان