هل بمقدور ميركل تحريك الاتحاد الأوروبي لسياسة جديدة تجاه تركيا؟
برلين (دويتشه فيله)
يبدو واضحا في وسط الحملة الانتخابية أنه لا أحد بين السياسيين الألمان المرموقين يريد التفاوض حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. والوضع نفسه سائد في بروكسل. بيرند ريغرت يتحدث في تقريره التالي عن الأسباب والتأثيرات.
الكثيرون يعتقدون أن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي قد فشل، والآن أوضح المرشحان للمستشارية أنهما يتطلعان إلى وقف للمفاوضات. تراجع دولة القانون في تركيا خلال الأشهر الاثني عشر الأخيرة منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة أدت أولا في صفوف الاشتراكيين الديمقراطيين إلى مراجعة في المواقف.
ففي أبريل الماضي عبر وزير الخارجية زيغمار غابريل عن الأمل في أن تبقى تركيا مرشحة للانضمام. لكن بعد الانتكاسات القوية من أنقرة في أغسطس الماضي تخلى غابريل عن جميع الجهود للحفاظ على أفق الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى تركيا.
والمرشح لمنصب المستشارية مارتين شولتس الذي يعد مدافعا شغوفا عن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي قام بالخطوة، وأعلن خلال المناظرة التلفزيونية الأحد مع المستشارة أنغيلا ميركل مطالبته بوقف مفاوضات الانضمام مع الرئيس العنيد اردوغان.
وبعد تردد قصير تبنت المستشارة هذا المطلب، لتتحدث لأول مرة عما كان جليا منذ شهور: انضمام تركيا لا يمكن أن يحصل.
نهاية المفاوضات في أفق منظور
والقرار حول ذلك يبقى من اختصاص الاتحاد الأوروبي الذي تزداد فيه المطالبة بنفس التوجه. ففي يوليو الماضي خلال اللقاء الأخير لوزير الخارجية التركي مع مندوبة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية فريديريكا موغيريني في بروكسل اتضح أنه لم يعد هناك تقدم.
وفي الثلاثاء من الأسبوع المنصرم لاحظ رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في خطاب في بروكسل أن تركيا تبتعد بخطى كبيرة عن أوروبا، وحذر من أن اردوغان يحصل بذلك على ذريعة لتحميل الاتحاد الأوروبي مسؤولية الفشل.
ويمكن نظريا لمجلس وزراء الاتحاد الأوروبي خلال لقاء وزراء الخارجية في نهاية الأسبوع أو خلال لقاء القمة نهاية أكتوبر أن يقرر ما لا يمكن تفاديه: أي أنه بعد 12 عاما يغلق الاتحاد الأوروبي مجددا الباب في وجه تركيا.
وسيكون ممكنا شطب الإعانات التي تحصل عليها تركيا بموجب تقاربها من الاتحاد الأوروبي. وهذا الأمر لم يكن ممكنا لأسباب قانونية، مع الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يدفع منذ 2013 إلا جزءا صغيرا من تلك المستحقات.
لا وجود لمحاولات جادة
تتطور الأمور إلى هذا المستوى لم يفاجئ أحدا: فتركيا لم تستوفي أبدا شروط الانضمام المدونة في الاتفاقيات الأوروبية. كما ليس لها الفرصة في المستقبل المنظور في تحقيق تلك الشروط. فتغيير الدولة التركية إلى نظام استبدادي تقرر بعد الاستفتاء على الدستور في أبريل يجعل من المستحيل الانضمام إلى المجموعة الأوروبية. فوقف محادثات الانضمام من جانب الاتحاد الأوروبي الذي سيكون شيئا جديدا في التاريخ لن يكون إلا خطوة رمزية، لأن المفاوضات من الناحية العملية مجمدة منذ ديسمبر الماضي عندما قرر مجلس الوزراء عدم فتح ملفات جديدة للتفاوض.
والمفاوضات لم تؤدي في الحقيقة في الأشهر الاثني عشر الأخيرة لأية نتيجة، ولم يتم إتمام فصل تفاوضي واحد، لأن تركيا رفضت طوال اثني عشر عاما الاعتراف بعضو الاتحاد الأوروبي قبرص التي تحتل شطرها الشمالي عسكريا.
آمال خائبة
في 2005 كان زعماء حكومات اشتراكية ديمقراطية متفائلين بإمكانية ضم رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الذي كان حينها ينهج سياسة إيجابية نحو أوروبا إلى النادي الأوروبي. وعندما تولت أنغيلا ميركل في نوفمبر 2005 منصب المستشارية من سلفها غرهارد شرودر، تلقت إرث مفاوضات الانضمام مع تركيا. وكزعيمة معارضة عارضت الانضمام، وحزبها ابتكر لتركيا "الشراكة المميزة".
ليس نهاية السياسة
لكن حتى مع نهاية مفاوضات الانضمام سيبقى الاتحاد الأوروبي وتركيا مرتبطين سياسيا واقتصاديا. فالاتحاد الأوروبي يريد على كل حال مواصلة تطبيق اتفاقية اللاجئين مع تركيا. وحتى الحكومة الألمانية تحتاج إلى قنوات تحادث مع أنقرة فقط للاعتناء بخمسين مواطنا ألمانيا يقبعون في السجون التركية.
وتركيا تريد من جهتها الحفاظ على الاتحاد الجمركي المهم بالنسبة إليها مع أوروبا. وحتى في القضايا الأمنية ـ مثلا في مكافحة الإرهاب وضمن حلف شمال الأطلسي ـ يريد بل يجب على الدول الأوروبية وتركيا التعاون.
لكن تركيا تبحث منذ مدة عن بدائل مثلا في السياسة الأمنية: فالروس يمكن أن يزودوا تركيا إلى جانب الطاقة بالأسلحة مثل أنظمة الدفاع الصاروخي، كما يخشى خبراء في بروكسل. اردوغان لم يدخل أي تعديل على عضوية بلاده في حلف شمال الأطلسي، إلا أن علاقته مع حكومة ترامب في واشنطن متوترة.
فالتخلي عن مباحثات الانضمام مع الاتحاد الأوروبي لا يعني نهاية سياسة تركيا، بل فقط تراجعا مؤلما. والواضح الآن هو أن تركيا ليست دولة أوروبية طبقا للمادة 49 في اتفاقية الاتحاد الأوروبي. والموقف الصارم تجاه تركيا قد يشكل عبرة بالنسبة إلى دول أخرى في البلقان مرشحة للانضمام. فإذا لم تتقيد البوسنة والهرسك ومقدونيا وصربيا أو كوسوفو بالقواعد، فإن عملية اقترابها من الاتحاد الأوروبي قابلة للتوقف.
فيديو قد يعجبك: