إقليم كتالونيا ومعضلة الجهاديين
برلين (دويتشه فيله)
في برشلونة ينشط الإسلامويون الراديكاليون بشكل كبير، لا يوجد له مثيل في إسبانيا سوى في مدن أخرى قليلة. وأسباب ذلك تعود إلى سياسة حكومة الإقليم من جهة، ومن جهة أخرى بسبب الطبيعة المعقدة لهذه المدينة.
"حالة الخطر واضحة جدا في كتالونيا". بهذه الكلمات الواضحة أشار تقرير سري لوزارة الخارجية الأمريكية عام 2010 إلى الخطر الكامن بسبب شباب إسلامويين في كتالونيا.
هذا التقرير كشفه موقع ويكيليكس. وبرشلونة، بحسب التقرير، تعتبر "ملتقى لتحركات مثيرة للقلق". فهناك عدد كبير من السكان المسلمين، وجزء صغير منهم مستعد للانخراط في العمل الجهادي. تدفق المهاجرين من شمال إفريقيا وباكستان وبنغلاديش حوّل الإقليم إلى "مغناطيس للتجنيد الجهادي".
ورغم خبرتها الطويلة في محاربة الإرهاب، فشلت اسبانيا هذا الأسبوع في منع وقوع اعتداءين داميين في كتاالونيا التي تعد نقطة جذب رئيسية للسياح وفي الوقت نفسه اكثر منطقة اسبانية تشكل أرضا خصبة للتطرف، بحسب محللين.
واستخدم أشخاص يشتبه بأنهم جهاديون مركبات لدهس المارة في برشلونة الخميس، وفي منتجع كامبريلس الشاطئي القريب، بعيد منتصف ليل الخميس الجمعة، ما تسبب بمقتل 14 شخصا وإصابة 140 في الهجومين اللذين تبناهما تنظيم "الدولة الإسلامية".
ولدى إسبانيا خمسة عقود من الخبرة في محاربة انفاصليي الباسك من منظمة "ايتا"، التي قتلت أكثر من 800 شخص إلى أن أعلنت وقف إطلاق النار عام 2011. إلا أنها وجدت نفسها في مواجهة من جديد، بعد إرهاب عام 2004، عندما كانت ضحية أسوأ اعتداء ينفذه إسلامويون متطرفون في أوروبا. ففي ساعة الذروة في 11 مارس من ذلك العام، انفجرت قنابل تحوي مسامير على متن أربعة قطارات ركاب كانت متوجهة إلى مدريد، ما أسفر عن مقتل 191 شخصا وإصابة ألفين آخرين بجروح.
وفي أعقاب العملية، أدخلت مدريد إصلاحات على قواتها الأمنية. ويؤكد ميغيل بويزا، الخبير في مجال الإرهاب من "جامعة كومبلوتينز" في مدريد، أن إسبانيا عززت أجهزة شرطتها واستخباراتها عبر إجراء تعيينات جديدة واستخدام مترجمين وتكثيف تعاونها مع جارتيها فرنسا والمغرب. وأضاف أن السلطات بدأت كذلك باعتقال مشتبه بهم بشكل دوري كإجراء احترازي.
"الأندلس" كهدف
وأصبح التطرف عبر الإنترنت بهدف شن اعتداء إلى جريمة عام 2015، وهو ما سهل عملية إجراء اعتقالات في وقت مبكر. ومع أن بعض المحامين أشاروا إلى أن الإجراء لا يحترم دائما حقوق الإنسان، يحسب له أنه نجح في تجنيب إسبانيا الاعتداءات الإرهابية التي ضربت جيرانها الأوروبيين.
وبشواطئها التي تمتد على طول خمسة آلاف كيلومتر وسمائها التي تكاد لا تغيب عنها الشمس، جذبت إسبانيا السياح الذين فضلوها على وجهات تشهد اضطرابات، على غرار تونس ومصر. لكن التهديد الجهادي ازداد منذ العام 2016، عندما أدرجت مواقع إسلامية "الأندلس" كهدف، وهو الاسم الذي عرفت به الأراضي الإسبانية التي أدارها المسلمون حتى العام 1492.
ويخشى الخبراء تحديدا من تركز الجهاديين في كتالونيا، حيث توجد أعلى نسبة من المسلمين في إسبانيا. ويبلغ عدد المسلمين 1.9 مليون في البلد الذي يقدر عدد سكانه بـ47 مليون، أي ما يعادل حوالي أربعة بالمئة من السكان، بحسب اتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا.
أما في كتالونيا فيعيش نصف مليون مسلم، بحسب إحصائيات عام 2015. ويتحدر معظمهم من شمال إفريقيا، وتحديدا المغرب.
وسبب وجود عدد كبير من المسلمين في كتالونيا يعود إلى الازدهار الاقتصادي في الإقليم، وبالتالي هناك فرص عمل وبحث عن العمالة بأجور متدنية نسبيا. وافتتحت حكومة كتالونيا عام 2003 مكتبا في الدار البيضاء بهدف جذب العمالة، بعد عدة محاولات غير ناجحة في بولندا.
"موطن الإرهاب الجهادي في إسبانيا"
وبما أن العديد منهم قادمون جدد، اعتبر خطر تطرفهم حتى الآن أقل من دول أوروبية أخرى، حيث تبنى مهاجرون مهمشون من الجيلين الثاني والثالث الفكر المتطرف، بحسب المتخصص في قضايا مكافحة الإرهاب، خافيير زاراغوزا.
وقالت كارولا غارسيا-كالفو، من معهد أبحاث "ريال انستيتيوتو إلكانو"، إن عدد من غادروا إسبانيا للانضمام إلى جماعات جهادية مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" بقي قليلا نسبيا، إذ لم يلتحق سوى 214 شخصا بصفوف المقاتلين المتطرفين في العراق وسوريا. وهذا جزء صغير فقط من أكثر من ألف شخص غادروا فرنسا للانضمام إلى صفوف الجهاديين منذ 2012. لكن معهد الأبحاث حذر كذلك من أن "منطقة برشلونة المتنوعة هي موطن الإرهاب الجهادي في إسبانيا".
وأشارت غارسيا-كالفو إلى أن "تحليلنا الأخير المنشور بداية آب/ أغسطس يظهر أن 25 بالمئة من الأشخاص الذين اعتقلوا لارتباطهم بالإرهاب الإسلاموي قدموا من قطاع برشلونة". وأضافت أن المنطقة جغرافيا "هي المركز الرئيسي للنشاط الجهادي".
تاريخ طويل
لكتالونيا في الواقع تاريخ طويل مع النشاط الجهادي. وتم الكشف عن أول جهادي في إسبانيا عضو في الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية عام 1995. وكان محمد عطا، الذي خطف طائرة الركاب التي يقودها لتصطدم بأحد برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر عام 2001، قد أمضى بعض الوقت في كتالونيا قبل الهجمات بفترة وجيزة.
وفي عام 2008، تم إحباط خطة لاستهداف قطارات في برشلونة، عندما كانت في مراحل متقدمة. وأفادت صحيفة "فانغارديا"، نقلا عن مصادر أمنية العام الماضي، أن كتالونيا تشكل أرضا خصبة لأماكن الصلاة السلفية التي يبلغ عددها في المنطقة 50 وفقا لآخر إحصاء. وتحولت المقاطعة إلى موطن لعدد كبير من المهاجرين من الجيل الثاني.
وبين هؤلاء، مجموعة من الشباب يعتقد أنهم شنوا الهجمات الأخيرة. وكان معظمهم أبناء مهاجرين مغاربة ترعرعوا في مدينة ريبول الصغيرة على سفوح سلسلة جبال البيرينيه. وكثيرا ما يتردد السياح على المدينة التي تعد نسبة البطالة فيها منخفضة نسبيا، فيما وصف الجيران المشتبه بهم بأنهم مكدون في عملهم وجديون.
إلا أن الشرطة حذرت من أنهم قد يكونوا تطرفوا خلال فترة قصيرة للغاية قد لا تتجاوز عدة أشهر. وبالنسبة للقوى الأمنية، يعد ذلك مصدر القلق الأكبر، إذ أنه وخلافا للعائدين من مناطق الحرب في الشرق الأوسط، يصعب الكشف عن جهاديين محتملين من هذا النوع.
فيديو قد يعجبك: