مقتل ريجيني.. الحقيقة الغائبة منذ 18 شهرا
كتب - محمد الصباغ:
18 شهرًا على مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجني في مصر، بعد أن عُثر على جثته وعليها آثار تعذيب في الجيزة بعد اختفاء دام لأيام، توترت على إثره العلاقات بين مصر وإيطاليا، ولكن يبدو أن تطورًا جديدًا طرأ على القضية بعد إعلان القاهرة وروما أمس الاثنين عودة السفراء وكذلك تسلم الأخيرة "أوراقا مهمة تتعلق بالقضية".
ومنذ اختفاء طالب الدكتوراه بجامعة كامبريدج، شهدت تصريحات مختلفة الحدة والدوافع من الجانب الإيطالي، وانتهت بالإعلان رسميًا عن عودة سفير إيطالي جديد إلى مصر بعد أشهر من سحبه بسبب التطورات في قضية ريجيني.
وعبّرت عائلة جوليو ريجيني عن استيائها من قرار إيطاليا بعودة العلاقات الدبلوماسية إلى طبيعتها بين البلدين رغم عدم التوصل بعد إلى حقيقة مقتل ابنهم. وترى العائلة وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء الإيطالية (أنسا) أن قضية ابنهم البالغ من العمر 28 عامًا حين قُتل، لم تشهد تحولًا حقيقيًا ولا تزال الحقيقة مفقودة بشأن الأسباب والجناة.
اختفاء وتعذيب وإنكار
بعد يوم الخامس والعشرين من يناير عام 2016 لم يظهر جوليو ريجيني مرة أخرى إلا جثة هامدة في الثالث من فبراير على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي وعلى جثمانه آثار تعذيب استمر لأيام.
ووسط مزاعم في وسائل إعلامية مصرية حول أن ريجيني كان جاسوسًا للمخابرات الإيطالية في مصر، خرجت وزارة الداخلية لتنفي في الخامس من فبراير عام 2016 وجود علاقة بينها وبين الباحث. وقالت في بيان لها إن أي ربط بين ريجيني بالاستخبارات الإيطالية غير صحيح.
كما خرجت روايات أخرى مثل التي جاءت على لسان الرائد أحمد أبو بكر، مؤسس ما يعرف باسم "الجيش الإلكتروني" (صفحة على موقع فيسبوك)، والذي قال إن جوليو ريجيني كان جاسوسًا للمخابرات البريطانية زرعته وسط منظمات المجتمع المدني المصري لنقل معلومات، ثم قتلته بعد إنهاء مهمته في مصر.
لكن هذا التصريح تضارب مع تصريحات قيادات بوزارة الداخلية في التاسع من فبراير أي بعد أيام من اكتشاف جثة الباحث الإيطالي، ورجحت أن عملية القتل ربما كانت بدافع السرقة وأن منفذي الجريمة استدرجوا ريجيني وقتلوه أثناء عملية السرقة.
وفحصت السلطات الإيطالية جثة ريجيني بعد تسلمها في الرابع من فبراير، وأعلن بعدها المدعي العام في إيطاليا، خلال شهر مارس، أن الباحث تعرض إلى "تعذيب وحشي" وتشير العلامات على جثته إلى تعرضه لانتهاكات أخطر كثيرًا من التي كشفت عنها تقرير الطب الشرعي في مصر.
المواجهة
بمرور الأيام، بات واضحًا أن جوليو ريجيني تعرض للتعذيب والقتل، وتحدثت صحف إيطالية وغربية عن تورط شخصيات أمنية مصرية في الجريمة وهو ما نفته مصر مرارًا وتكرارًا.
وفي نهاية شهر فبراير عقدت لجنة الاستخبارات والأمن القومي بالبرلمان الإيطالي جلسة لمناقشة الأزمة، وقالت إن "مصر تحاول إخفاء الحقيقة في قضية مقتل وتعذيب ريجيني."
وأشارت وكالة الأنباء الإيطالية (أنسا) آنذاك إلى أن وزارة الداخلية المصرية قالت إن القتل ربما يكون "انتقامًا لأسباب شخصية"، رغم أن مسؤولين في الشرطة المصرية ذكروا في بداية الأمر أن الشاب لقي مصرعه نتيجة حادث طريق، وذلك بجانب اقتراحات أخرى بينها أنه كان جاسوسًا.
وفي بداية شهر مارس أطلقت والدة الضحية، باولا ريجيني، تصريحاتها القوية الأولى في القضية وقالت في مؤتمر صحفي إن ابنها قُتل تحت التعذيب، وكما يقول بعض أصدقاءه المصريين "قتلوه كما لو كان مصريًا". وأضافت أنه لم يكن صحفيًا أو جاسوسًا.
وطالب الاتحاد الأوروبي بالكشف عن الحقيقة في القضية، وفي بداية فبراير 2016 صرحت مسؤولة العلاقات الخارجية بالاتحاد فيدريكا موجريني، بأن الاتحاد الأوروبي يقف إلى جوار إيطاليا في محاولاتها للوصول إلى قاتل الباحث الإيطالي في القاهرة. وقالت إن القضية كانت "صادمة لنا جميعًا، ليس كإيطاليين بل كأوروبيين".
وفي شهر مارس أقر البرلمان الأوروبي في جلسة له قرارًا يطالب القاهرة بمساعدة إيطاليا في الوصول للحقيقة في مقتل ريجيني. وأدان القرار التعذيب والقتل للمواطن الأوروبي، كما طالب القاهرة بتزويد السلطات الإيطالية بالوثائق والمعلومات اللازمة. واعتبرت أن الحاث ليس منعزلًا أو فرديًا.
وفي 25 مارس من العام الماضي كانت نقطة تحول أخرى في القضية حينما أعلنت وزارة الداخلية المصرية مقتل 4 أشخاص أثناء "تبادل لإطلاق النار" قالت إنهم كونوا تشكيلا عصابيًا تخصص في اختطاف الأجانب والسرقة بالإكراه.
وأضافت أن التشكيل العصابي المزعوم هو المسؤول عن قتل ريجيني ثم نشرت صورًا بعد أيام لمتعلقات الباحث الإيطالي قالت إنها عثرت عليها في أحد منازل "أفراد العصابة".
وآنذاك صرح وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني بأن بلاده لن تقبل إلا ب"أجوبة مرضية" في القضية، وحذر أيضًا من أنهم لن يقبلوا ب"حقيقة مفبركة"، حسب تعبيره.
وبعد زيارات متبادلة بين وفود للتحقيق في القضية قررت إيطاليا في الثامن من أبريل 2016 سحب سفيرها ماوريسيو ماتساري من القاهرة، مشيرة إلى أن السبب في ذلك هو "فشل" مصر في إظهار الحقيقة في قضية ريجيني.
حديث السيسي
حمّل الرئيس عبدالفتاح السيسي مسؤولية تفاقم أزمة جوليو ريجيني إلى طريقة تعامل الإعلام مع الأزمة؛ حيث قال الرئيس في أبريل 2016، إن المشكلة في قضية ريجيني كانت في نشر "الأكاذيب" في وسائل الإعلام.
وأضاف أن "علينا الحذر فيما يخص الكذب والاتهامات الموجهة للأشخاص من حولنا". ونفى أن يكون لأي جهاز أمني في مصر علاقة بتعذيب وقتل ريجيني.
وعادت عائلة ريجيني لتطالب إيطاليا وأوروبا أمام لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي بالضغط على مصر من أجل تحقيق شفاف في مقتل ريجيني، وطالبت باولا وكلاوديو ريجيني من الدول الأعضاء بالاتحاد بإعلان أن مصر "دولة غير آمنة".
وفي يوليو من نفس العام قالت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب برئاسة السفير محمد العرابي، إن إيطاليا علّقت تزويد مصر بقطع غيار لطائرات إف-16 بسبب قضية ريجيني، وهو ما اعتبره العرابي "تصعيد غير مبرر" ويقوض العلاقات الثنائية.
وقال العرابي أيضًا إن "دور مصر في الحرب على الإرهاب معروف للجميع وإن إضعاف إمكانياتها سيكون له تأثير سلبي على أمن الدول الأوروبية".
نقيب الباعة الجائلين
وفي مطلع العام الجديد أذاعت القناة الأولى في التلفزيون المصري تسجيلًا مسربًا لنقيب الباعة الجائلين، محمد عبدالله، مع جوليو ريجيني، دار بينهما حوارًا حول مطالب مادية للنقيب يريد ريجيني أن يأتي بها إليه، ودار بينهما الحديث حول قدرة ريجيني على السعي في تقدم عبدالله للحصول على منحة مالية يستخدمها في أنشطة نقابية.
غير أن صحيفة "كورييري دي لا سييرا" الإيطالية قالت إن التلفزيون المصري اجتزء الحوار، وبثت مقطعا يقول فيه ريجيني بشكل واضح لعبدالله إنه لا يمكن أن يحاول الحصول على المنحة من مؤسسة "أنتيبود" البريطانية قبل الخامس والعشرين من يناير.
وذكرت الصحيفة أن اللقاء تم تسجيله في 6 يناير 2016 أي قبل اختفاء ريجيني بحوالي 19 يومًا.
ثم أقرّ نقيب الباعة الجائلين في 24 يناير 2017 بأنه سجل المقطع لريجيني وسلمه للشرطة مؤكدًا أن ريجيني كان "جاسوسًا" وقال إنه حاول إيهامه بأن ابنته مريضة وزوجته مصابة بالسرطان كي يقنعه بمساعدته في الحصول على المنحة.
تطورات جديدة
وفي فبراير الماضي قال وزير الخارجية الإيطالي، أنجيلينو ألفانو إن بلاده تقيّم جميع التطورات القانونية المتعلقة بقضية ريجيني وبصورة خاصة التعاون القضائي المصري، مشيرًا إلى أن الاستمرار بمستوى معين من العلاقات مع القاهرة يعتمد على تعاون السلطات القضائية المصرية.
بعد نحو ستة أشهر من تلك التصريحات أعلنت وكالة الأنباء الإيطالية الرسمية تسلم روما أوراقًا تخص القضية كانت القاهرة ترفض في البداية تسليمها.
ونقلت عن مصادر قضائية، قولها إن ملفات القضية احتوت على تحقيقات مع مسؤولين من رجال الأمن المصريين أجروا تحريات عن ريجيني قبل مقتله قالوا أنهم لم يجدوا أي شيء يدينه فأوقفوا تلك التحريات.
وأصدر النائب العام المصري بيانًا أمس الاثنين أكد فيه أن دفعة جديد من أوراق القضية وصلت إلى الجانب الإيطالي، وأشاد بالتعاون المبذول من الطرفين.
بالتزامن مع ذلك، أعلنت مصر وإيطاليا عودة سفير جديد لروما إلى القاهرة ورشحت وزارة الخارجية السفير هشام بدر ليكون أعلى دبلوماسييها في إيطاليا، ولكن مازالت قضية مقتل ريجيني قيد التحقيقات.
فيديو قد يعجبك: