إعلان

إعمار الموصل.. ماذا تحتاج المدينة بعد 3 سنوات من التدمير؟

04:24 م الأربعاء 19 يوليه 2017

الدمار في الموصل- 9 يونيو (أ ف ب)

كتبت- هدى الشيمي:
منذ 3 أعوام كانت الموصل ثاني أهم مدينة عراقية، نابضة بالحياة، منبرا للعلم والثقافة والتجارة، يتردد على جامعتها طلاب من كل حدب وصوب، وضمت مكاتبها العديد من المخطوطات التاريخية، بالإضافة إلى الآثار والمعابد التي تعود إلى آلاف السنين.

إلا أن الحال اختلف، فبعد استيلاء تنظيم داعش على المدينة لم يبق شيء على حاله، فحل الدمار والخراب، واضطر المواطنون إلى النزوح تاركين ورائهم ذكريات تحولت إلى ركام وحجارة متناثرة.

وبعد إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تحرير المدينة منذ أيام، وبدء تطهيرها من مقاتلي داعش، بعد عشرة أشهر من قتال متواصل زاد من حجم الخسائر في المدنيين والبنية التحتية، تبدأ مرحلة إعادة إعمار الموصل.

مراحل الإعمار

قدّر المهندس عبدالستّار الحبو، رئيس بلدية الموصل، تكلفة عملية إعادة الإعمار بحوالي 20 مليار دولار تقريبا، لإعادة البنية التحتية والمؤسسات.
وكانت الأمم المتحدة قد قدّرت تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية الأساسية للموصل، بأكثر من مليار دولار.

وقالت منسقة شؤون الإنسانية للأمم المتحدة في العراق، ليز جراند، لوكالة "رويترز" إن المدينة تحتاج لإصلاحات كبيرة في شبكات المياه والمجاري، والكهرباء، وإعادة فتح المدارس والمستشفيات.

المدينة القديمة (1)

وأشارت جراند إلى أن التكلفة قد تتجاوز التقديرات الأولية بأكثر من ضعفين، موضحة أن حجم الدمار في الجانب الأيمن بالذات لا يُقارن بالدمار في أي منطقة أخرى بالعراق.
وأعلن وزير التخطيط العراقي، سلمان الجميلي، في 24 من مايو الماضي، خطة إعادة إعمار الموصل بعد تطهيرها من تنظيم داعش، مشيرا إلى أنها ستتكلف ما يزيد على 100 مليار دولار، على مدار 10 أعوام.

وبحسب الجميلي، فإن الخطة تنقسم إلى مرحلتين، الأولى تبدأ من عام 2018 وحتى 2022، والثانية تبدأ من عام 2023 وحتى 2028، وتعتمد بشكل أساسي على الإيرادات المحلية، والقروض، والمنح الدولية.

عناصر أساسية

ويرى عباس البياتي، العضو في مجلس النواب العراقي، أن عملية الإعمار تحتاج إلى 3 عناصر أساسية، أولها صندوق إعمار يمكن أن تساهم به دول ومنظمات، وكذلك فعاليات عراقية، بالإضافة إلى دول خارجية تخصص واردات الصندوق وريعها من أجل إعمار الموصل.

وقال البياتي، لمصراوي، إن المدينة تحتاج إلى الأمان والاستقرار، بما يستوجب بقاء القوات بداخلها حتى لا تتشكل حواضن جديدة ومنظمات إرهابية متطرفة.
وثالثا، الإعادة التدريجية للمهجرين، وأن يتم إشراكهم في العمل، وبذلك سيتم القضاء على البطالة وزرع الانتماء في نفوس المواطنين.

المدينة القديمة (3)

وقدرت مصادر عراقية نسبة الدمار في الموصل بنحو 80%، وقالت مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية إن الدمار في المدينة تجاوز الخراب الذي حل بأي مدينة عراقية أخرى، منذ استيلاء داعش على مساحات من الأراضي.

ويقول حسن الجنابي، عضو مجلس النواب العراقي وممثل العراق لدى البرلمان العربي، إن عملية إعادة الإعمار تحتاج لخلو المنطقة من العمليات العسكرية، والقضاء تماما على عناصر داعش.
وأوضح الجنابي، لمصراوي، أن رئيس لجنة الإعمار مصطفى الهيتي، لديه المبالغ المرصودة واللازمة لإطلاق العملية، ولكنه لا يستطيع استخدامها نظرا للمشاكل السياسية والعسكرية.

المدينة القديمة (2)

وبحسب وسائل إعلام عراقية، فقد تم تدمير ما يزيد عن 63 دار عبادة -مساجد وكنائس- من بينها الجامع النوري الذي أعلن داعش خلافته المزعومة منه، و308 مدارس، و12 معهدا، وجامعة الموصل وكلياتها، بالإضافة إلى سرقة وتهريب الآثار القديمة التي تعود إلى فترة حكم الآشوريين.

وأفادت منظمات مجتمع مدني بتدمير ما يزيد عن 11 ألف منزل، وكان مقاتلو داعش يجبرون أصحاب المنازل لعمل فتحات كبيرة بين البيوت حتى يتمكنوا من الانتقال بسهولة من بناية إلى أخرى.

ولم تسلم المنشآت الأخرى من الدمار، فأشارت السلطات العراقية إلى تدمير 4 محطات كهرباء، و6 محطات مياه، و212 معملا وورشة، و29 فندقا، ومعامل للغزل والنسيج والكبريت والأسمنت والحديد، ودائرة البريد والاتصالات.

وفي ظل المعارك المتواصلة بين القوات والمليشيات المتطرفة، حل الدمار بـ9 مستشفيات، و76 مركزا صحيا، ومعامل أدوية.

صورة 4

دمار كامل

ووسط حالة الدمار التي خيمت على المدينة، شهدت المدينة القديمة أضرارا بالغة، ويقول عبدالستّار الحبو إن نسبة التدمير في المدينة وصلت إلى 100%.
وقال لمصراوي إنه يمكن إعادة تعمير أجزاء من المدينة القديمة، للحفاظ على هويتها، وللحفاظ على التراث.

وفي هذا السياق، يقول البياتي إن المدينة القديمة قد تحتاج إلى وقت أطول من غيرها من المناطق، وستحتاج إلى تفتيش وتطهير الجانب الأيمن من العبوات والأشخاص المختبئين في السراديب، ورفع الأنقاض ثم بدء عملية الإعمار بما تسمح به الظروف.

صورة 5

"معوقات"

وكانت "ذي أتلانتيك" قد أشارت إلى أن عدم إطلاق عملية إعادة الإعمار فورا سيتسبب في حدوث المزيد من الخسائر، ويعرقل الجهود المبذولة لإعادة المدينة كما كانت من قبل، إلا أن هناك العديد من العقبات التي تقف أمام المسؤولين عن إعادة الإعمار، والتي أجمع المحللون والسياسيون على أن أولها وأهمها التمويل المادي.

ونوّه البياتي إلى أن البلاد تحتاج إلى دراسات سريعة وجمع معلومات يتم بناء عليها رصد الموازنة، لأننا لا نعلم بالضبط حجم الدمار ولا بد أن يكون هناك مسح ميداني سريع لمعرفة الأماكن، وتأهيل البنية التحتية الخدمية قبل إعادة المهجرين والمهاجرين.

وأردف "سيبقى المال عقبة وعائق لأن المبالغ التي يتم التحدث عنها ضئيلة جدا مقابل حجم الخسائر، فمثلا التحالف الدولي في اجتماعه الأخير في واشنطن رصد ١١٩ مليون دولار للجوانب الإنسانية (المخيمات والنازحين)، ولكن الإعمار والبنية التحتية يحتاج إلى مليارات الدولارات".

نازحات

ويشكل "فلول داعش" وغيره من المليشيات الإرهابية المتطرفة المختبئة في السراديب والشبكات الموجودة تحت الأرض في العراق، عقبة كبيرة أمام عملية الإعمار.

فأشار البياتي إلى أن الإرهابيين سيعملون على عرقلة الإعمار، وهذا عن طريق العبوات الناسفة وتفجير المباني والبيوت والسيارات المفخخة، ولذلك نحتاج إلى التمشيط والعمل على التأكد والطمأنينة من أن المدينة أصبحت خالية من كل الأعمال الإرهابية.

الإنسان أولا

ويؤكد البياتي أن الإعمار يبدأ بالمواطنين، ويوضح "نحتاج إلى إعادة دمج المواطن الموصلي في المجتمع، من حيث الوعي والولاء والارتباط، من خلال بث القيم والمعايير والمفردات، ومراجعة المناهج حتى لا تكون هذه المناهج أساسا في المرحلة المقبلة، وعليه يجب تفتيش المساجد والمكتبات، والمدارس، وتطهير أي مكان حاول داعش استغلاله في نشر وترويج أفكاره".

وخلال السنوات التي فرض فيها داعش سيطرته على المدينة، وغيرها من المناطق في العراق وسوريا، غيّر المناهج الدراسية، ومنع تدريس بعض المواد مثل الفلسفة والمنطق، والموسيقى والرسم، ومنع ممارسة بعض الفنون مثل النحت، وقضى على أي شيء يتعارض مع أيديولوجيته.

7

عانى سكان الموصل، خلال السنوات الثلاث الماضية، من عنف ووحشية مقاتلي التنظيم، الذين فرضوا عليهم قوانين متطرفة، وفرض عقوبات شديدة على بعض الممارسات العادية، مثل سماع الموسيقى أو عدم ارتداء النقاب، أو التدخين، بالإضافة إلى الرعب الذين عايشوه خلال تنفيذ عمليات الإعدام والرجم والجلد في المناطق العامة والشوارع.

وتسببت الحرب في نزوح مئات الآلاف، وبحسب وزير الهجرة والمهجرين العراقي، جاسم الجاف، فإن عدد نازحي الموصل تجاوز 945 ألف شخص منذ بداية العملية العسكرية لاستعادة البلاد.

وأكد الجنابي أن معاناة أهالي الموصل تعود إلى ما قبل داعش، ويقول "الموصليون يمرون بحالة من التدمير النفسي والمعنوي، من قبل داعش، تمارس الحكومة العراقية حملات على الأهالي، واعتقلت الآلاف منهم في سجون لا يصلح أن تُسجن فيها الحيوانات".

وأوضح أن الحكومة العراقية ارتكبت انتهاكات كبيرة في حق مواطني الموصل والأنبار والسنة بصفة عامة منذ عام ٢٠٠٧ و٢٠٠٨، باسم "مكافحة الإرهاب".
كما أشار الحبو إلى وجود الكثير من المشاكل الاجتماعية في الموصل، على رأسها الأطفال مجهولي النسب، الذين تزوّج مقاتلو داعش أمهاتهم ثم تركوهم.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان