إعلان

هجمات إرهابية مستمرة.. ماذا يعني ذلك بالنسبة لنا؟

11:17 ص الخميس 08 يونيو 2017

هجمات إرهابية

لندن/برلين (د ب أ)
ما نلبث أن ننهض من النوم حتى نوجه أولى نظراتنا للهاتف المحمول لنعرف بوقوع هجوم إرهابي جديد.

كم مرة حدث ذلك في الآونة الأخيرة؟ تبدو الفوارق الزمنية بين هذه الهجمات أقصر فأقصر.

شيعت مدينة مانشستر الأحد الماضي قتلى الهجوم الذي استهدف إحدى الحفلات الموسيقية الخيرية في الثاني والعشرين من مايو الماضي، ولكن في وقت التأبين وقع هجوم إرهابي في لندن أدى لمقتل تسعة ضحايا جديدة.

هناك مثال يقول: "البرق لا يحدث مرتين في نفس المكان"، ولكن هذا المثال لم يعد ينسحب على الإرهاب الذي أصاب لندن مرتين خلال الأشهر الثلاثة الماضية وفي المرتين دهس الجناة جموعا بشرية على أحد الجسور ثم انهالوا ضربا بالسكاكين على ضحايا عشوائيين.

يتسبب تراكم هذه الهجمات في مناخ من الاستنفار الدائم جعل وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير يقول في معرض رد فعله على هجوم لندن: "يبدو أننا سنضطر للعيش وقتا طويلا مع الإرهاب" ولكنه أضاف: "لن نتعود عليه".

بالطبع ليس لنا أن نتعود على ذلك، ولكن: ألا نفعل ذلك فعلا؟.. بعد كل هجوم إرهابي يتصاعد مؤشر الإثارة العام ولكن تراجع حدة الإثارة يحدث بشكل أسرع

.حادث ستوكهولم، هل هناك من يتذكر ما حدث فيه على وجه الدقة؟


أصبحت الوسوم "هاشتاجات" التي تطلق على الإنترنت تعاطفا مع الضحايا وذويهم في أعقاب مثل هذه العمليات أكثر ندرة، تلك الوسوم من قبيل "صلواتنا من أجل الضحايا" "أنا شارلي"، ذلك الوسم الذي أطلق في أعقاب الهجوم على مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة، أصبحت هذه الوسوم أكثر ندرة، وإن وجدت فقد أصبحت تشبه الطقوس الروتينية. وبدأ بعضنا يلاحظ أنه لم يعد يتحدث في دائرة أصدقائه عن هذه الهجمات الإرهابية كما كان يفعل من قبل.

ولكن الأمر يختلف عندما يمس الأمر أحدنا بشكل شخصي.

فمن شاء له القدر أن يسير بسيارته بالقرب من كنيسة الذكرى في برلين ويرى أنه لا تزال هناك ورود ملقاة في سوق أعياد الميلاد الذي وقع فيه حادث الدهس فربما تحركت مشاعره بشكل صادق تجاه الضحايا ولو للحظة.

ويحدث الأمر نفسه عندما يكون لأحدنا صديقة في لندن كانت تمر بمنطقة وسط المدينة عندما وقع الهجوم الإرهابي.

كتبت هذه الصديقة لصديقتها تقول عبر تطبيق واتس اب: "كنت أجلس في مترو ولم أستطع مغادرته... لم يسمح لأحد بالنزول منه حتى تتأكد الشرطة أننا لم نعد في خطر".

سرعان ما يصبح الرعب أقرب من أحدنا عندما يقرأ ذلك.

ولكن وبشكل عام فإن وتيرة الهجمات الإرهابية التي يقوم بها متشددون تفوق قدرة أشد المتابعين للأخبار تحملا لها، تلك الوتيرة التي ربما جعلت أحدنا لا يستطيع الوفاء بمتطلبات الحياة اليومية.

ولكن الخبير النفسي الألماني بورفين بانديلوف رأى في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) أن ذلك "ليس من قبيل التبلد" وأنه "رد فعل دفاعي طبيعي".

ونصح الخبير الألماني بألا يعتبر أحدنا نفسه بلا مشاعر إذا لاحظ من نفسه أنه ينتقل لجدول الأعمال اليومي".

التوقف قليلا ثم مواصلة الحياة وكأن شيئا لم يحدث، هذا هو الأسلوب الذي يوصي به السياسيون وخبراء الإرهاب "الزم الهدوء واستمر"، وهذا هو ما تجيده لندن.

يطلق على ذلك "روح القصف" المستوحاة من المزيج المعروف عن الإنجليز بين البرود واحتقار الموت والذي أبداه سكان لندن أثناء القصف الألماني لمدينتهم في الحرب العالمية الثانية.

انتشر مقطع فيديو مطلع الأسبوع الجاري يظهر فيه رجل من لندن أثناء هروبه من منفذي الهجوم الإرهابي، حاملا معه كأسا ممتلئة حتى نصفها بالجعة. يبدو أن هذا الرجل تعمد ألا يتفضل على الإرهابيين بترك الكأس".

وفي المقابل أثار عنوان "هجمات إرهابية في قلب لندن تخلف ستة قتلى في أمة لا تزال مترنحة" لصحيفة نيويورك تايمز غضب البريطانيين.

أي حديث هنا عن الترنح؟ هذا ما دفع الكثير من البريطانيين لنشر أمثلة على أكثر ما يغضبهم، تعمدوا من خلالها أن يثبتوا أنهم غير عابئين بهذه الهجمات الإرهابية وأن الذي يغضبهم أكثر أشياء أخرى كثيرة ليس منها الإرهاب ولكن على سبيل المثال أشخاص يسخنون الشاي في المايكرويف أو جهاز تحميص شرائح الخبز الذي ليس كبيرا بشكل يحمص شريحة الخبز بشكل متساو.

هذه هي روح الفكاهة الإنجليزية، لا يسعنا هنا سوى إبداء الإعجاب بها.

ولكن ماذا عن أولئك الذين لم تترك فيهم هذه الاغتيالات روحا للدعابة؟ وليسوا متأكدين إطلاقا مما إذا كان عليهم أن يكيفوا سلوكهم مع هذه الهجمات؟ هل لم يعد من حق أحدنا أن يصرح بذلك خوفا من أن يتهم بأنه يفعل بذلك ما يريده الإرهابيون بالضبط؟

باستطاعة كل من يجتهد للعثور على أجوبة لهذه التساؤلات أن يقول لنفسه: ليست الأغلبية العظمى من الناس مفطورة على الانتقال فورا لجدول الأعمال اليومي، إنهم يحاولون خفض حجم الخطر إلى أقل قدر ممكن.

توقفت السياحة بشكل شبه تام بعد الحادث الإرهابي الذي وقع في أحد المنتجعات في تونس في يونيو عام 2015، وكانت الأحذية الخفيفة هي الأكثر مبيعا في محلات الأحذية في نيويورك في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 حيث تناقل الناس فيما بينهم أن الأحذية ذات الكعب العالي ليست جيدة في الجري هربا.

ولكن التجربة تعلم شيئا آخر ألا وهو أن حدة كل صدمة تتراجع مع الوقت.

توقع الكثيرون عقب تدمير مركز التجارة العالمي في نيويورك أن زمن ناطحات السحاب قد ولى ولكن الحقيقة هي أنه ومنذ ذلك الهجوم نشأت أبنية أكثر ارتفاعا.

عن ذلك قال الطبيب النفسي بانديلوف: "يستطيع الناس التكيف مع أسوأ مواقف الخطر.. انظر مثلا للناس الذين يعيشون في المناطق ذات معدلات الجريمة المرتفعة، إنهم يتعودون على هذه الجرائم ببساطة، أي أنه حتى وإن حدث الكثير لدينا في ألمانيا فلن تتراجع جودة حياتنا بشكل دائم، سيظل الناس يذهبون لمهرجان روك أم رينج الموسيقي".

هذا ما تشير إليه أيضا الحقائق التي توصل إليها معهد ألينسباخ الألماني حيث تبين لباحثي المعهد أن أغلبية الألمان، نحو ثلثيهم، لا يعتزمون تغيير سلوكهم، حسبما ذكرت مديرة المعهد ريناته كوشر العام الماضي في مقال لصحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج.

وأوضحت كوشر أن الجيل الشاب بشكل خاص عازم على الدفاع عن مساحات الحرية المتاحة له.

كما أظهرت الدراسة أنه وفي الوقت ذاته فإن المواطنين في ألمانيا ينتظرون من الدولة أن تفعل كل ما بوسعها لمكافحة الإرهاب "حيث يطالب 46 في المئة من الدولة بقوة أن تعزز جهودها ضد الإرهاب".

يعلم السياسيون ذلك. لذلك اعتادوا إظهار نشاط ملفت عقب أي هجوم حيث سارعت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لتقديم خطة من أربع نقاط لمكافحة الإرهاب، بعد أقل من 24 ساعة من هجوم لندن، من بين هذه النقاط مدد سجن أطول للمشتبه بهم بأنهم إرهابيون و تعزيز مراقبة الإنترنت.

هذا هو ما فعله رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير عقب هجمات مترو أنفاق لندن الشديدة عام 2005، بل إنه قدم خطة من 12 نقطة لتعزيز قوانين مكافحة الإرهاب.

قالت ماي إنها سوف "تقتلع" التطرف الإسلامي من المجتمع البريطاني وتدعم أسلوب الشرطة "أطلق النار لتقتل".

وبصرف النظر عما يقصد بذلك فإنها ليست لغة "حافظ على هدوئك".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان