مصر وحماس.. تاريخ من التوترات وتقارب مشروط - تقرير
كتب - علاء المطيري:
بعد تولي إسماعيل هنية رئاسة المكتب السياسي لحماس؛ خلفًا لخالد مشعل، وانفصال الحركة عن الإخوان وفقًا لوثيقتها الجديدة؛ وزيارة رئيسها في غزة يحيى السنوار إلى القاهرة التي اختتمها، الاثنين الماضي؛ مازالت هناك العديد من التساؤلات حول علاقة حماس بمصر ومطالب القاهرة من قيادتها الجديدة حتى يمكن أن تكون هناك علاقة جيدة.
تاريخ من التوترات
عقب وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة قامت مصر بإغلاق معبر رفح، وتدمير عشرات الأنفاق التي كانت تمثل الطريق التجاري شبه الوحيد إلى قطاع غزة؛ اتهمت القاهرة حماس بدعم نظام مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وفقًا لـ"بي بي سي".
القويسني: حماس لن تتقارب مع منظمة التحرير الفلسطينية وفكرها لن يتغير
وفي مارس 2014؛ قضت محكمة الأمور المستعجلة في القاهرة بحظر نشاط حركة "حماس" في مصر والتحفظ على أموالها وغلق جميع مقارها في البلاد؛ وهو الحكم الذي اعتبرته الحركة جائر وظالم ويخدم الاحتلال الإسرائيلي، وفقًا لـ"دويتشه فيله".
وفي فبراير 2015؛ صدر حكم قضائي بحظر كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس واعتبارها منظمة إرهابية بناءً على دعوى رفعها محام مصري جاء فيها أن كتائب القسام متورّطة في العمليات الإرهابية داخل مصر، وأنّها استغلت الأنفاق الممتدة عبر الحدود لدخول مصر وتهريب الأسلحة المستخدمة للفتك بالجيش والشرطة وترهيب المواطنين، وفقًا لـ"بي بي سي" التي أشارت إلى حادث إطلاق الجيش المصري النار على موقعين يتبعان لقوات الأمن الوطني الفلسطيني على الحدود بين مصر وقطاع غزة.
وأوردت وكالة رويترز للأنباء عن مصادر أمنية مصرية - في ذلك التوقيت - اتهامها حماس بالمسؤولية عن انفجار عبوة ناسفة زرعت من الجانب الفلسطيني استهدفت، حسب المصادر نفسها، عددًا من ناقلات الجند قرب نقطة صلاح الدين الحدودية.
لكن تلك العلاقات شهدت تحسنًا في الفترة الأخيرة، وكان أبرز مظاهر التحسن فتح معبر رفح بين الحين والآخر.
وفي يناير 2017؛ أجرى وفد من حماس محادثات ناجحة ولقاءات مثمرة مع مسؤولين مصريين بينهم وزير المخابرات خالد فوزي، وقال إسماعيل هنية - نائب رئيس المكتب السياسي للحركة - في ذلك الحين - إن العلاقات مع القاهرة في تحسن، وأضاف: "حماس ستستمر في تحسين العلاقات وتطويرها"، وفقًا لـ"بي بي سي".
وخلال الأشهر الثلاثة الماضية شهدت الحركة تغيرات عدة كان أبرزها إجراء انتخابات أدت إلى تولي يحي السنوار رئاسة الحركة في قطاع غزة، وإسماعيل هنية رئيسًا للمكتب السياسي وأعلنت وثيقتها الجديدة التي كانت بمثابة إعلان انفصالها عن الإخوان.
واختتم، الاثنين الماضي، وفد الحركة برئاسة يحيى السنوار، زيارة لمصر استمرت أيام، وسط توقعات بإمكانية حدوث تحسن للعلاقات بين القاهرة وحماس إذا التزمت الأخيرة بمطالب تعتبرها القاهرة شرطًا لإنهاء أزمة الثقة التي شهدتها العلاقات المشتركة خلال السنوات الماضية.
ورصد دبلوماسيون سابقون وخبراء أمنيون بعض المطالب المصرية التي يجب على القيادة الجديدة لحركة حماس أن تلبيها وتحدثوا أيضًا عن علاقة الحركة بمنظمة التحرير الفلسطينية وتأثيرها على علاقاتها بدول المنطقة وفي مقدمتها مصر، معتبرين أنه يجب على حماس أن تقف إلى جانب دعم الأمن القومي المصري لا أن تكون عنصر تهديد لأن مستقبل القضية الفلسطينية مرهون بأمن مصر واستقرارها.
بيومي: تحسن العلاقات مرتبط بتلبية المطالب المصرية
حماس وأمن مصر
يقول السفير أحمد القويسني، مساعد وزير الخارجية الأسبق: "لابد أن نعرف أن ما حدث في 25 يناير 2011 من مشاركة تنظيمات فلسطينية في اقتحام السجون والإفراج عن بعض منتسبيهم أحدث شرخًا في العلاقات بين مصر وقطاع غزة والتنظيمات الإسلامية التي تسيطر على القطاع.
وتابع لمصراوي: "حماس استخدمت الأنفاق التي تقبلتها مصر على مضضّ - لتفهمها تبعات الحصار الإسرائيلي على القطاع - في اختراق الأمن المصري"، مضيفًا: "المطلوب من قطاع غزة هو مساعدة مصر في إحكام سيطرتها على الحدود المصرية مع القطاع وألا تستغل الأنفاق في تهريب سلاح ومؤمن وأفراد إلى الداخل المصري وألا يتواطأ مقاتلين قادمين من القطاع مع المسلحين الموجودين في سيناء".
وأضاف: "يجب أن تتعاون الأجهزة الاستخباراتية في القطاع مع الاستخبارات المصرية في السيطرة على المعابر والأنفاق، وتابع: "حتى هذه اللحظة لم تستجب النخبة الحاكمة في غزة للمطالب المصرية على الإطلاق".
وهو ما يؤكده اللواء جمال مظلوم، الخبير الاستراتيجي - في تصريح لمصراوي - عن التعاون الأمني بين مصر وحماس: "نتمنى أن تقف حماس في الجانب الذي يدعم أمن مصر، مشيرًا إلى أن هذا الموقف سيكون أولى لها من أن تقف إلى جوار أي طرف آخر لا يقدم لها سوى وعود لا تتحقق. وأضاف: "مستقبل القضية الفلسطينية مرهون بأمن مصر وبدون مصر لن تكون هناك قضية فلسطينية".
وتابع مظلوم: "إذا كان هناك أي مطلوبين في قطاع غزة يجب على حماس أن تسلمهم إلى مصر".
حماس وسيناء
ولفت القويسني إلى وجود قناعة لدى الأمن المصري بأن الحمساويين لهم صلات بالإرهاب الحادث في سيناء، وهناك أزمة ثقة، مضيفة: "التحكم في فتح وإغلاق المعابر يمثل ورقة ضغط من مصر على حماس رغم إدراكها لاحتياجات أهالي القطاع الماسة للمعبر".
من جهته قال مظلوم أن مطالب مصر من حماس هي إغلاق الأنفاق ومنع تسلل الأفراد إلى سيناء والتوقف عن مدهم بالمفرقعات، مضيفًا: "مصر لا تريد من حماس أن تكون شريكًا في أي عمل يهدد أمنها القومي".
وتابع: "لدينا ثقة أن كل المساعدات التي يحصل عليها الإرهابيين في سيناء تأتيهم من قطاع غزة"، وهو ما أكده السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، لمصراوي بالقول: "حماس تسمح بتسلل عناصر إرهابية إلى سيناء".
ويوافقهم الرأي اللواء زكريا حسين، رئيس أكاديمية ناصر الأسبق، الذي أوضح أن حماس لها سجل طويل من التعديات على أرض مصر وحدودها؛ وكل قيادات الحركة تعكس سياسة واحدة ولا يمكن التعويل على القيادات الجديدة"، لأن لها سجلًا طويلًا من دعم الإخوان وهناك حتى الآن تهريب سلاح وحفر أنفاق ودعم لمتطرفين في سيناء.
أزمة ثقة
وعن وثيقة حماس الجديدة وموقفها من الإخوان قال القويسني: "لا أعتقد أن وثيقة حماس الجديدة بها تغييرًا كبيرًا عن مواقفها السابقة، مشيرًا إلى أنها مناورة، وموقفها الأخير يمثل الدخول في هدنة طويلة حتى يتغير ميزان القوى على الأرض".
وقال مساعد وزير الخارجية السابق: "حماس لن تتقارب مع منظمة التحرير الفلسطينية وفكرها لن يتغير".
مظلوم: مصر لا تريد من حماس أن تكون شريكًا في أي عمل يهدد أمنها القومي
وتابع: "مصر رحبت بهنية رئيسًا للمكتب السياسي لحركة حماس بناء على معرفة سابقة وكبديل أفضل من غيره لكن ذلك لا يمثل نقلة نوعية في العلاقات بين مصر وحماس"، مضيفًا: "الطريق الوحيد لقبول حماس في مصر والمنطقة هو أن تزيل الخلافات بينها وبين وفتح وتشكل حكومة وحدة وطنية وتستعيد الصف الفلسطيني للتفاوض إن كان هناك تفاوض مع إسرائيل".
وأضاف: "هم يعرفون الطريق جيدًا وطالما ظل هناك خلاف مع حركة فتح فلن تقبلهم مصر، وهناك مطالب أساسية طلبتها مصر من حماس أبرزها تسليم المطلوبين لديها"، مشيرًا إلى أن الزيارة الأخيرة لوفد حماس برئاسة يحيى السنوار لم تكن إيجابية ولم يكن هناك استجابة لمطالب مصر.
وتابع: "هناك مناورات سياسية من حماس بدافع الحرص على مصلحتهم في استمرار إمداد مصر لهم بموارد بترولية وانتظام وزيادة طاقة الخط الكهربائي من مصر إلى غزة، لكن مصر لا تستطيع أن تتقبل اكتشاف أنفاق جديدة كل يوم.
من جهته أوضح السفير جمال بيومي أن مصر تحافظ على علاقات جيدة مع الفلسطينيين بكافة أطيافهم، وهناك مشكلة داخلية بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية؛ مضيفًا: "حماس دخلت الانتخابات تحت مظلة منظمة التحرير، وفعلت ما فعله الإخوان في مصر والجزائر".
وتابع: "في رأيي؛ حماس تمثل سلطة غير شرعية في غزة، وهم لا يقومون بشيء من أجل القضية الفلسطينية ولم يفعلوا مجهود في المفاوضات أو حتى في الحرب"، مضيفًا: "بعد نجاح حماس في أول انتخابات وحصولها على مظلة الشرعية تخلت عن الديمقراطية".
وهو ما أكد عليه اللواء زكريا حسين، خبير عسكري - في تصريح لمصراوي: "مصر لا تثق في أي شيء مما تقوله حماس، وهناك أحاديث كثيرة لكن الرهان على الأفعال، وما تريده مصر من الحركة تحارب من أجله منذ سنوات وهو منع تهريب السلاح واستخدام الأنفاق".
وعن المطلوبين الأمنيين الذين تطالب مصر حركة حماس بتسليمهم قال رئيس أكاديمية ناصر السابق إن هذا الأمر يعتمد على صدق النوايا، مؤكدًا وجود فارق كبير بين ما تقوله حماس وما يجب أن تفعله.
وأضاف: "إن صدقت حماس لن يكون هناك أنفاق ولا تهريب سلاح ولا دعم للمتطرفين الذين يحاربون مصر"، مشيرًا إلى أن حدوث هذه الأمور سيؤدي إلى وجود علاقات طيبة وحسنة بين حماس ومصر، لكننا نقول عن وعود حماس: "أفلح إن صدق".
وتابع: "لكن هذه الأمور لم تتضح حتى الآن ولا توجد أي بوادر لذلك"، مضيفًا: "مصر لا تثق في أي شيء مما تقوله حماس لأنه صدرت تصريحات كثيرة في الماضي ولم تنتهي إلى شيء
تقارب ومطالب
وعن زيارة السنوار قال السفير جمال بيومي: "يبدو من زيارة السنوار أن هناك بعض التقارب لكن هناك مطالب مصرية محدد؛ وتحسن العلاقات مرتبط بتحويل تلك الوعود إلى أفعال"، وهو ما أكده اللواء جمال مظلوم: "يجب أن ننتظر ما ستقدمه حماس لمصر في ظل قيادتها الجديدة"، مضيفًا: "مصر تقدم التضحيات للقضية الفلسطينية منذ 70 عامًا وآن الأوان لأن يكون لهم دور في دعم الأمن القومي المصري وليس عنصر تهديد له".
وأضاف: "نتمنى أن تركز حماس في تسوية العلاقات المشتركة مع السلطة الفلسطينية حتى تكون هناك جهود مشتركة لتركيز الجهود بصورة تخدم القضية الفلسطينية لا أن تترك القضية الفلسطينية وتتوجه إلى مصر". وتابع: "مصر مازالت تتحمل الكثير من حماس".
وبعدما أصبح إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة؛ يبدو أنه يحاول أن يحسن علاقته بمصر، لكن يظل السؤال القائم "ما الذي سيفعله لتحسين العلاقات مع مصر وخاصة فيما يخص العناصر التي تطالب مصر بتسليمها"، يقول مظلوم.
وتابع: "مصر ترى في إسماعيل هنية وجهًا جديدًا وبديلاً عن سابقه خالد مشعل الذي كان يرتمي في حضن قطر التي أوهمته بالوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية دون أن يكون هناك دعم حقيقي، مضيفًا: "نتمنى أن يركز هنية على القضية الفلسطينية بصورة تخدم الشعب الفلسطيني".
فيديو قد يعجبك: