لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من أفريقيا إلى أوروبا.. رحلة الألف كيلومتر تبدأ من مدينة الألف باب

10:23 ص السبت 09 ديسمبر 2017

أغاديز (د ب أ)

في ظلمة الليل، يقوم موسى ورجاله بتحميل الشاحنات. ويعمل المهربون بصمت، فهم يعرفون أن الشرطة يمكن أن تنقض عليهم في أي لحظة.

وعلى ظهر سيارتي موسى رباعيتي الدفع، يجلس 50 مهاجرا ينتظرون السفر عبر الصحراء إلى ليبيا، وتعكس عيونهم مزيجا من الخوف والأمل.

ومن مدينة أغاديز في النيجر، المعروفة باسم "مدينة الألف باب" تبدأ رحلة الألف كيلومتر تقريبا، التى تستغرق ثلاثة أيام الى أوروبا، وهي واحدة من أكثر الرحلات خطورة في العالم.

لقد خرج هؤلاء المهاجرون من دولهم بغرب أفريقيا متجهين إلى مدينة أغاديز في النيجر عند الطرف الجنوبي للصحراء، حيث يعتزمون مواصلة الرحلة المحفوفة بالمخاطر، أولا إلى ليبيا ثم إلى أوروبا.

وتشتهر مدينة أغاديز باسم "مدينة الألف باب".

وتتطلب هذه الرحلة قيام أحد الكشافة أولا باستطلاع المنطقة تحسبا لوجود دوريات للشرطة، وعندما يؤكد أن الطريق آمن، يتم فتح بوابة حديدية بمجمع غير واضح في منطقة مصراتة بمدينة أغاديز، وقد تمت تسمية المنطقة باسم مدينة مصراتة الساحلية الليبية على البحر المتوسط، والتي ينطلق منها آلاف المهاجرين في قوارب مكتظة إلى إيطاليا كل عام.

ومن أجل اتخاذ إجراءات احترازية لايتم إضاءة المصابيح الأمامية للشاحنتين، بينما يربط موسى ورجاله عماماتهم بإحكام حول رؤوسهم ووجوههم، ولا يتركون سوى فتحة صغيرة لعيونهم لرؤية الطريق.

وإمعانا في التمويه، تم إخفاء لون الشاحنتين البيضاوين بالطمي، وتغطية ضوء المكابح بشريط لاصق أسود. وتقدمتهما دراجة نارية تشق الطريق وسط ظلام دامس إلى حافة الصحراء، ويبدأ السائقان في زيادة السرعة.

النيجر

وبدأ مهربو البشر في العمل في الخفاء منذ أن فرضت النيجر- تحت ضغط من الاتحاد الأوروبي- حظرا على نقل الأشخاص عبر الصحراء في منتصف عام 2015.

وتعهد الاتحاد الأوروبي بمنح دولة النيجر الفقيرة، التي تقع في غرب إفريقيا 715 مليون دولار لإغلاق طريق الهجرة الرملي الشهير عبر أغاديز، وهي مدينة صحراوية، الذي تمر من خلاله السيارات، فضلا عن الحمير والجمال.

كانت أغاديز مركزا للتجارة والهجرة بين غرب وشمال أفريقيا على مدى عقود، لكن المدينة أصبحت بوابة رئيسة للهجرة، بعدما تسبب سقوط الحاكم المستبد معمر القذافي في عام 2011 في تحويل ليبيا، إلى لا دولة ينعدم فيها القانون، الأمر الي مهد الطريق إلى أوروبا.

ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، وصل أكثر من 360 ألف مهاجر إلى أوروبا عبر البحر المتوسط في العام الماضي. وتشير التقديرات إلى أن نصفهم تقريبا سافر عبر النيجر.

ولكن هذا العام، ومع بدء سريان الحظر بالكامل، تراجع عدد المهاجرين الذين سافروا عبر أغاديز إلى 40 ألف مهاجر، وفقا لمدير المنظمة الدولية للهجرة في النيجر جوزيبي لوبريت.

وفي المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو 120 ألف شخص، حددت حكومة النيجر ما يقرب من 7000 على أنهم "متورطون في نشاط الهجرة "بما في ذلك مهربون ووسطاء وسائقون وأصحاب أحياء منعزلة فقيرة يأوون المهاجرين، حسبما قال سفير الاتحاد الأوروبي الى النيجر، راؤول ماتيوس بولا لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) في العاصمة، نيامي.

وصادرت قوات الأمن أكثر من 100 مركبة واعتقلت العشرات من المهربين وسائقيهم، الذين يواجهون الآن عقوبة السجن لمدة تصل إلى 30 عاما، وفقا للسلطات المحلية.

ولكن بولا يعترف أن غياب رجال القانون المحترفين، وخاصة في مجال الادعاء العام، وضعف أجور رجال الشرطة، يجعلان تطبيق القانون أمرا صعبا.

"قصص الرعب"

في غضون ذلك، تنتظر فيمي اكينديلي من ولاية اويو جنوب غرب نيجيريا السفر على ظهر شاحنة موسى. وتأمل المرأة (27 عاما) في التوجه إلى مدينة ميونخ الألمانية، حيث فر صديقها إليها منذ ثلاث سنوات.

وأرجعت اكينديلي سبب اتخاذها قرار القيام بالرحلة الخطيرة، قائلة "أريد حياة أفضل".

وقالت إن الرحلة إلى أغاديز لم تكن صعبة حتى الآن، حيث وصلت إلى النيجر بعد ركوب عدة حافلات.

ولم يكن لدى أكينديلي سوى فكرة غامضة عن المخاطر التي قد تواجهها في الرحلة عبر الصحراء وليبيا، وعبر البحر وقالت: "سنشعر بالظمأ". كما اشترت قفازات لمواجهة الليالي الباردة في الصحراء.

ولكن المرأة لا تعرف شيئا عن قصص الرعب التي يسردها المهاجرون العائدون إلى النيجر، وهي الاغتصاب والابتزاز والتعذيب والقتل. وعندما سئلت عما إذا كانت تستطيع الإشارة إلى ألمانيا على الخريطة، هزت رأسها.

وقال موسى، الذي رفض الكشف عن لقبه، إنه لا يزال يقوم بنقل ما يصل إلى 80 شخصا في الأسبوع إلى ليبيا، على الرغم من الحظر.

ولا توجد إحصاءات عن عدد المهاجرين الذين لقوا حتفهم في الصحراء، لكن خبراء مثل بولا ولوبريت، يقدرون أن عدد الوفيات في الصحراء أعلى بكثير من عدد الوفيات غرقا في البحر المتوسط.

وفي هذا العام، توفي أكثر من 2900 مهاجر في الرحلة البحرية الخطيرة، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة.

يؤكد الخبيران أن حظر الاتجار جعل الرحلة عبر الصحراء، أكثر خطورة مما كانت عليه من قبل.

وبدلا من اتباع الطريق التجاري الذي يعود إلى قرون، أصبح مهربو البشر يسلكون طرقا صحراوية نائية.

وغالبا ما يسلكون طرق مهربي المخدرات والأسلحة، بعيدا عن الواحات، ويتعرضون لخطر كبير من هجمات الإسلاميين المسلحين أو قطاع الطرق.

وأوضح موسى "نحن نسلك طريقا مختلفا كل أسبوع، بمساعدة تطبيق تحديد المواقع الجغرافية، والهواتف المتصلة بالأقمار الصناعية"، وأضاف أن أغاديز هي "مدينة الألف باب".

وأعرب موسى، المسؤول عن أربع زوجات و17 طفلا، عن غضبه من الحظر، قائلا إن العشرات من الشاحنات كانت تتوجه رسميا الى ليبيا كل يوم اثنين بتصريح من رئيس البلدية وبرفقه حراس عسكريين.

وقال "كنت أمتلك وكالة سفر، شركة نقل عادية".

وبسبب الحظر، ضاعف موسى سعر الرحلة من أغاديز إلى الحدود الليبية لقرابة 900 دولار، معللا ذلك بتعرضه لخطر السجن، مع انخفاض عدد زبائنه.

وقد طور هو وغيره من المهربين نظاما معقدا لتجنب كشفهم، حيث يغيرون بطاقات تعريف هوية المشترك(إس أى إم)الخاصة بالهواتف المحمولة يوميا، ويسجلونهم بمساعدة وثائق هوية المهاجرين.

ويتم احتجاز المهاجرين، الذين ينتظرون نقلهم، في أحياء منعزلة متفرقة، غالبا لأسابيع أو شهور - خوفا من غارات الشرطة.

ولا يوجد في هذه الأحياء المنعزلة كهرباء ولا مياه جارية، ويتم بيع المياه المستخدمة في الشرب والطبخ والغسيل للمهاجرين بأسعار باهظة.

وينام المهاجرون على حصر رقيقة مفروشة على أرض قذرة، وغالبا ما يتم جمعهم في غرف مكتظة مثل علب السردين. كما يتم استخدام حفرة صغيرة في الأرض لاستخدامها كمرحاض.

ويضطر العديد من المهاجرين إلى بيع ما تبقى لهم من ممتلكات لشراء الطعام والشراب - وغالبا ما يبيعون هواتفهم المحمولة، مما يعني أنهم يفقدون الاتصال بالعالم الخارجي.

ولا أحد يعرف عدد الأحياء المنعزلة التي يختبئ بها المهاجرون في أغاديز، ولكن تماري إبراهيم، وهو أحد العاملين مع لجنة الإنقاذ الدولية، يعتقد أن هناك أكثر من مئة حي.

"أنا أفضل الموت على العودة"

وقال إبراهيم إن إقناع المهاجرين بوقف رحلتهم إلى أوروبا بسبب المخاطر أمر مستحيل عمليا.

وتابع أنهم يسمعون دائما نفس الجواب "أنا أفضل الموت على العودة.. بسبب الفقر".

وتوضح الرسائل التي يتركها المهاجرون المغادرون وراءهم على جدران الأحياء المنعزلة إيمانهم بالقضاء والقدر، فقد كتب أحدهم "المعاناة جزء من الحياة"، "الله سيقول الكلمة الأخيرة".

وكان هذا أيضا هو شعور سيلو توري (21 عاما) من غينيا، والذى عبر عنه وهو جالس بجانب اكينديلي على ظهر الشاحنة، حيث أن هذه هي محاولته الثانية للفرار إلى أوروبا.

وتذكر توري رحلته الأولى عبر الصحراء، قائلا "السائقون مسلحون وبلا قلب، في الليلة الأولى كانوا يغتصبون النساء".

وقال تورى: "إذا حاولت الاعتراض، فإنهم يطلقون النار عليك أو يتركونك في الصحراء"، وتذكر أن عددا من المهاجرين لقوا حتفهم أثناء الرحلة، قائلا إن السائقين ألقوا الجثث من السيارة.

وقال توري إنه قبل وقت قصير من الوصول إلى ليبيا، ألقت دورية عسكرية القبض على مجموعته، وهرب السائقون في السيارات وتخلوا عن المهاجرين.

وأعادهم الجنود إلى مدينة أغاديز وسلموهم إلى لجنة الصليب الأحمر.

وعلى الرغم من هذه التجربة المؤلمة، فإن الذهاب إلى غينيا بالنسبة لتوري يعد أمرا مستحيلا. فهو يريد الذهاب إلى ألمانيا أيضا، وتحديدا إلى مدينة ليفركوزن، حيث يوجد ناديه المفضل لكرة القدم.

ولا يرغب توري في التخلي عن حلمه، حيث يرغب في مواصلة دراسته في ألمانيا، وبمجرد نجاحه يعود ليصبح سياسيا في وطنه.

وأضاف "أريد أن أصنع شيئا مفيدا، مثل نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا".

هذا المحتوى من

Asha

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان