نيويورك تايمز: القدس والعرب.. هل تغير رد الفعل عن الشجب والإدانة؟
كتبت - إيمان محمود:
على مدى عقود كانت فكرة قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، بمثابة صرخة استثنائية وقوية جمعت بين العالم العربي؛ حيث نادى بها الملوك والديكتاتوريون، وصلّى من أجلها الكهنة والأئمة، وقُتل الجهاديين والمتظاهرين من أجلها، وأقامت الجماعات المسلحة والأحزاب السياسية حملات من أجل هذا الهدف، كما تمت تسمية محطات تليفزيونية وشوارع باسم القدس.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تقرير إن اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "رسميًا" بالقدس عاصمة لإسرائيل، مساء الأربعاء، والذي اعتبره كثيرون ضربة قاضية لهذه التطلعات، وانتصارًا كبيرًا لإسرائيل في الصراع الدائم بين اليهود والعرب للسيطرة على الأرض المقدسة.
لكن في الوقت الذي أدان فيه القادة العرب والإسلاميون هذا القرار، تساءل آخرون في جميع أنحاء الشرق الأوسط عما إذا كان قد تغير الكثير في السنوات الأخيرة أن الرد العربي الرسمي على هذا القرار لن يزيد عن مجرب شجب وإدانة، بحسب الصحيفة.
وفي الوقت الذي واصل فيه القادة العرب الدفع بالقضية الفلسطينية، فقد تراجعت أهميتها بعد انتفاضات الربيع العربي، والحروب القائمة في العراق وسوريا واليمن، وتهديدات تنظيم داعش الإرهابي، والصراعات بين المملكة العربية السعودية وإيران لفرض الهيمنة الإقليمية.
وأكدت الصحيفة أن دول الخليج العربي، خاصة السعودية، أصبحت أكثر قلقًا بشأن "تنافسها" مع إيران، وهو ما جعل مصالحها تتداخل مع مصالح إسرائيل.
وقالت نيويورك تايمز إن القادة العرب طالما استخدموا دعم القضية الفلسطينية باعتبارها وسيلة موثوقة لكسب تأييد شعوبهم، كما أنهم استخدموها أحيانًا "لإلهاء الشعب عن المشاكل الداخلية، بما في ذلك كبت الحرية السياسية والأزمات الاقتصادية".
وأضافت "شغف العرب بالقضية الفلسطينية يُعد شغفًا حقيقيًا، لكن السلطة استخدمتها لأهداف خاصة".
وعندما قام حزب الله اللبناني، بإرسال مقاتليه لمساندة الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا، قال زعيم حزب الله حسن نصر الله إن الطريق إلى القدس يأتي من خلال عدد من المدن السورية، منهم حلب.
لقد تعلّم القادة الفلسطينيون أن إعلان أشقاءهم العرب بدعم القضية الفلسطينية لا يتحقق إلا في بعض الأحيان، كما لاحظ الكثيرون أن العالم العربي لم يتخذ خطوة ضد احتلال إسرائيل للقدس الشرقية عام 1967، سوى بإصدار مذكرات الاحتجاج، ليصبح هذا الجزء من المدينة التي كانت تحت إدارة الأردن، تابع لإسرائيل باعتراف معظم دول العالم.
وأشارت الصحيفة إلى أن مصر كانت في السابق تمثل صوتًا عربيًا غاضبًا للقضية الفلسطينية، حيث اندلعت احتجاجات ضد إسرائيل بشكل مستمر خلال فترة التسعينات وفي بداية الألفية الجديدة، لكن الوضع الآن اختلف بسبب الأزمات الداخلية والإقليمية.
ونقلت الصحيفة عن الصحفي المصري حسام بهجت، أن الناس ما زالوا يهتمون بالقضية الفلسطينية، ولكن الشارع العربي الذي يعبر عنه "اختفى قسريا."
وأكدت الصحيفة أنه مع تراجع دمشق والقاهرة وبغداد –المركز الثلاث للقوة العربية- سعت المملكة العربية السعودية إلى تأكيد نفسها.
وبينما كان أفراد العائلة المالكة السعودية يتحدثون في كثير من الأحيان عن القضية الفلسطينية، فإن ولي عهد السعودية الامير محمد بن سلمان، الذي يحكم المملكة بشكل فعلي، لم يعالج القضية علنا، بل اعتبر أن القضية الفلسطينية ليست أولوية بالمقارنة مع مواجهة إيران ومواصلة الإصلاحات الداخلية في بلاده.
اعتبرت الصحيفة أن الملك سلمان من بين أكبر مؤيدي ترامب في العالم العربي، لكن قرار الرئيس الأمريكي بشأن القدس وضع حلفائه في موقف غير مريح، حيث وجدوا أنفسهم مضطرين للقبول به، على الأقل شفهيًا.
ووصف الملك سلمان إعلان ترامب بشأن القدس بأنه "خطوة خطيرة من شأنها أن تثير غضب المسلمين في جميع أنحاء العالم".
وقال مكتب السيسي إنه تحدث مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأن كلاهما أعربا عن أسفهما لقرار "يتجاهل الوضع الخاص للقدس بالنسبة للعرب والمسلمين".
فيما حذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من القرار، معتبرًا أنه سيكون له "انعكاسات خطيرة على استقرار المنطقة وأمنها".
ولفتت الصحيفة إلى بعض ردود الفعل على القرار الأمريكي كتغريدة وزير الداخلية اللبناني نهاد المشوق التي تضمنت مقطعا من أغنية فيروز عن القدس، ووصفت نيويورك تايمز هذا النوع من الرد بأنه تعبيرًا عن الرؤية القاتمة للمستقبل الفلسطيني.
واستطردت "الشعب العربي يرى منذ فترة طويلة أن الولايات المتحدة متحيزة بشدة تجاه إسرائيل وآمال قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة تتلاشى"، لكن الإعلان الأمريكي يثير الشك في أهم أمل فلسطيني كان لا يزال ينظر إليه على أنه قابل للتحقيق: "عاصمة في القدس الشرقية".
ونقلت الصحيفة عن مستشار سابق في وزارة الخارجية الأمريكية، بارنيت آر. روبين، قوله إن القدس بالنسبة للفلسطينيين والعرب والمسلمين كالقدس بالنسبة لليهود، وبالتالي فإن القرار يؤثر على الطرفين بنفس الدرجة.
وأضافت أن هذه الخطوة "تؤكد الرواية القائلة بأن الولايات المتحدة في حرب مع الإسلام ولا تحترم المسلمين ولا وجهات النظر العربية".
ومن المرجح أن يؤدي هذا التصور إلى الإضرار بمكانة الولايات المتحدة في المنطقة.
وقال وزير الخارجية السابق نبيل فهمي إن "هذا الأمر سيؤدي إلى أضرار هائلة لصورة ومصالح أمريكا في المنطقة". وأضاف فهمي أن خطوة ترامب ستسهل العنف وتدعم الإرهابيين.
ولفتت الصحيفة أن الخطوة من شأنها أيضا أن ستعزز سلوك إيران، مما يعيدها إلى عباءة المقاومة التي فقدتها منذ بدأت تدعم الحكومة السورية ضد المعارضة.
فيديو قد يعجبك: