الزيمبابويون يستقبلون تحرك الجيش بمزيج من الفرح والقلق
هراري- (د ب أ):
ربما يكون ما يجري في زيمبابوي الآن انقلابا عسكريا، لكن حانة "الدولة المبنوذة" في ضاحية "افونديل" الراقية في العاصمة هراري لا تزال تعج بالشباب، الزيمبابوي للاستمتاع بمشروب نصف الأسبوع مساء الأربعاء.
في حانة "الدولة المنبوذة" الذي يحمل الاسم الذي يطلق على دولة ديكتاتورية تدخل في مشكلات مع جيرانها منذ سنوات عديدة، تطغى السياسة على حوارات الحضور.
يقول "أنيسو فوساني بانجيدزا" المحامي البالغ من العمر 34 عاما لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن ما يجري في البلاد هو "أخر شيء رأيته"، في إشارة إلى الأحداث التي شهدتها زيمبابوي قبل 24 ساعة من كلامه، عندما وضع الجيش الرئيس الزيمبابوي روبرت موجابي تحت الإقامة الجبرية وأثار حالة من الاضطراب السياسي في البلاد.
وقال الجيش إن الرئيس البالغ من العمر 93 عاما في "أمان" ويؤدي تمرينات الجمباز لكي يتجنب الإشارة إلى القيام بانقلاب عسكري. كما سيطر الجيش على مبنى البرلمان والمطار الرئيسي والإذاعة الحكومية.
يقول "تافادزوا" الذي يتشابه اسمه الثاني مع اسم موجابي وهو محام أيضا "أظن أنه تحرك ضروري".
كان الكثيريون من مواطني زيمبابوي يرغبون في رحيل موجابي المتهم بتزوير الانتخابات وانتهاك حقوق الإنسان والدفع بالاقتصاد، الذي كان في فترة من الفترات مزدهرا ، إلى الحضيض .
يأتي ذلك في وقت تتطلع فيه زوجة موجابي الحالية إلى خلافته في رئاسة البلاد، بعد أن أمضى الرجل الذي كان ينظر إليه باعتباره بطلا لتحرير زيمبابوي في السلطة أكثر من 35 عاما.
وتشتهر جريس موجابي زوجة الرئيس بولعها بالتسوق وأحيانا بالسلوكيات الخارجة عن المألوف . وقد تسببت مؤخرا في خلافات حادة داخل حزب زانو الحاكم. ويسخر منها المواطنون بإطلاق اسم "ديس جريس" وتعني باللغة الإنجليزية (العار أو الفضيحة).
وقد بدأت الجولة الأخيرة من أزمات زيمبابوي السياسية الأسبوع الماضي عندما أقال الرئيس نائبه المخضرم إيمرسون منانجاجوا والذي كان الكثيرون في الحزب الحاكم يعتبرونه المرشح الأمثل لخلافة موجابي في الرئاسة.
ويعتبر "منانجاجاوا" الذي يطلق عليه لقب "التمساح" سياسيا صلبا وخاض على مدى شهور صراعا ضاريا على السلطة مع السيدة الأولى للبلاد.
وقال المحامي "بانجيداز" إن قرار الرئيس الإطاحة بنائبه "كان خطأ"، مضيفا "الآن أصبح الحال في زيمبابوي هو أن عدو عدوي صديقي" في إشارة إلى أن خلاف السيدة الأولى مع "منانجاجوا" أدى إلى زيادة شعبية نائب الرئيس المقال.
واعترض المحامي الشاب على فكرة أن الجيش أو أي شخص يمكن أن يتم تنصيبه رئيسا خلفا لروبرت موجابي والذي غالبا ما سيكون "التمساح" لن يكون أفضل من الرئيس الحالي، وقال إن "رجال الجيش أذكياء ويدركون ضرورة التعامل مع المجتمع الدولي.. ومجرد التخلص من موجابي فإننا نستطيع البدء من جديد واللحاق بما فاتنا".
المفارقة أن المحامي وصديقه الموجودين في الحانة لم يريا في حياتهما سوى رئيس واحد للبلاد. فقد ولدا بعد انتهاء حركة التحرير والتخلص من نظام حكم الأقلية البيضاء وإعلان قيام دولة زيمبابوي عام 1980 ليصبح موجابي رئيسا لها منذ ذلك الوقت.
وبعد الاستقلال شجع موجابي التناغم العرقي في البلاد وطبق سياسيات صحية وتعليمية جيدة في زيمبابوي، التي كان يطلق عليها اسم "سلة خبز إفريقيا" بفضل إنتاجها الزراعي الكبير وحقول التبغ الشاسعة .
وفي أواخر تسعينيات القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين تراجعت شعبية موجابي وظهر لأول مرة حزب معارضة قوي وهو حركة التغيير الديمقراطي.
في ذلك الوقت أعلن موجابي تطبيق نظام جديد ومثير للجدل للإصلاح الزراعي حيث صادرت الحكومة المزارع المملوكة للمواطنين البيض وأعادت توزيعها على المواطنين السود من المشاركين في حرب التحرير وهو ما ألحق ضررا جسيما باقتصاد البلاد نتيجة انهيار القطاع الزراعي.
وفي وقت ما من عام 2008 وصل معدل التضخم إلى 231 مليون في المئة ولم تعد الورقة النقدية فئة 100 تريليون دولار زيمبابوي تكفي لشراء رغيف خبز. ومع المستويات المرتفعة للبطالة وانتشار الفقر، هاجرت أعداد كبيرة من المواطنين إلى جنوب إفريقيا المجاورة بحثا عن عمل.
يقول المحامي "بانجيدزا" إن ما يجري الآن هو "الانقلاب الثاني في زيمبابوي .. الانقلاب الأول كان عام 2008".
وبحسب العديد من المراقبين الدوليين، فإن مورجان تيسفينجراي الزعيم الشعبي لحزب حركة التغيير الديمقراطي كان الفائز في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة التي أجريت عام 2008، لكنه انسحب من جولة الإعادة بسبب أعمال العنف الواسعة التي تعرض لها أنصاره.
ومنذ ذلك الوقت أصيب الكثيرون بخيبة أمل في حزب حركة التغيير الديمقراطي بما في ذلك المحامي "تافادزو" في حانة "الدولة المنبوذة".
يقول "تافادزوا": "أيدت حركة التغيير الديمقراطي خلال الـ 17 عاما الماضية لكننا لم نجن منها شيئا.. ليس لدي خليفة مفضل" للرئيس موجابي.
وفي حين كان المحاميان يتحدثان بحذر، فإن كريس الذي يعمل كسائق عربة أجرة في العاصمة هراري يرى أن الأحداث الأخيرة تثير الفرح والبهجة.
فيديو قد يعجبك: