بعد المقابلة.. يبقى السؤال مُعلقًا: هل الحريري حر أم "رهينة"؟
كتب – سامي مجدي:
لا يزال الشرق الأوسط وأجزاء كثيرة من العالم مأخوذة بالدراما المثيرة التي تتمحور حول مصير رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي لم تنجح المقابلة التي أجراها على الهواء مباشرة على شبكته التلفزيونية "المستقبل"، تماما في تبديد الغموض الذي يلف استقالته المفاجئة في زمانها ومكانها. في خطاب استقالته الذي جاء بعد استدعاءه إلى الرياض في الرابع من نوفمبر، أشار إلى مخاوف من تعرضه للاغتيال وشن هجوما ضاريا على حزب الله، شريكه في الحكومة التي يترأسها، واتهم إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية.
ّفي أعقاب بث الاستقالة المسجلة، مكث الحريري، الذي يحمل الجنسية السعودية أيضا، في المملكة ولم يعد إلى بيروت. فعلى مدى ثمانية أيام احتل رئيس الوزراء المستقيل موقع الصدارة على شاشات التلفزة وصفحات الجرائد حول العالم. خلال تلك الأيام التزم الرجل الصمت ما زاد من نظريات المؤامرة التي تغذت على توترات إقليمية متصاعدة، ومخاوف من اندلاع حرب.
وحد غياب الحريري أغلب القوى السياسية اللبنانية. فالرئيس المسيحي ميشال عون رفض استقالته. كما أن الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله قال يوم الجمعة إن "الاستقالة المعلنة غير دستورية وغير شرعية لأنها وقعت تحت الإكراه والضغط ولا تعبر عن إرادته." وأعرب الكثير من السياسيين من الطوائف اللبنانية التسعة عشر عن تشككها في ملابسات استقالة رئيس الحكومة.
وكان مارثون بيروت، الذي أقيم يوم الأحد بمثابة مسيرة تطالب بحرية الحريري؛ فآلاف المشاركين من الطوائف المحتفلة حملوا لافتات "كلنا ناطرينك"، و"أركض لسعد." ومن المعروف أن الحريري كان يشارك بشكل شبه منتظم في هذا المارثون الذي يقام سنويا في العاصمة اللبنانية.
لم تقتصر الدراما على منطقة الشرق الأوسط الملتهبة فحسب؛ فالقوى الغربية على رأسها الولايات المتحدة أصدرت بيانات تدعم الحريري وتدعو للنأي بلبنان عن الصراعات الإقليمية وعدم استخدامه ساحة حروب بالوكالة بين القوتين الإقليميتين المتنافستين: السعودية السنية وإيران الشيعية. وكان بيان وزارة الخارجية الأمريكية وبعدها بيان البيت الأبيض الذي جاء خلال جولة يقوم بها الرئيس دونالد ترامب في اسيا، الأشد وضوحا في دعم الحريري. وصف المكتب البيضاوي رئيس الحكومة اللبنانية "بالشريك الموثوق به"، ودعا "كل الدول والأطراف إلى احترام سيادة واستقلال والعملية الدستورية في لبنان."
فسر البعض البيانين الأمريكيين على أنهما توبيخ للملكة العربية السعودية، أحد أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وبؤرة سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط، حتى مع ذكر بيان البيت الأبيض مليشيات لم يسمها تعمل على "تقويض المؤسسات اللبنانية أو تستخدم لبنان كقاعدة لتهديد اخرين في المنطقة،" في إشارة إلى حزب الله. يستند هذا التفسير إلى أنه لو أن الولايات المتحدة كان تقصد إيران فقط فحسب لذكرتها حصرا في بياناتها، لكن ذكر "الدول والأطراف" دون تحديد يشير بطبيعة الحال إلى السعودية حيث أنها طرف رئيس في الأزمة الأخيرة.
ما زاد من الالتباس في الأمر، أن توقيت الاستقالة جاء في خضم حملة يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان استهدفت أمراء ووزراء سابقين وحاليين. يتحدث بعض المراقبين الغربيين عن أن الحملة في ظاهرها فساد وفي باطنها سعي من الأمير الشاب، 32 سنة، لتعزيز قبضته على السلطة في المملكة الغنية بالنفط. كما أنها جاءت مباشرة بعد الصاروخ الذي أطلقه المتمردون الحوثيون من اليمن على العاصمة السعودية الرياض، مع جعل المملكة تصعد من خطابها تجاه إيران، خصمها الإقليمي.
ورغم تعدد ساحات المواجهة بين إيران والسعودية، يبقى لبنان ذو خصوصية بالنظر إلى تنوعه وانفتاحه وتعدد طوائفه، ووجود إسرائيل على حدوده الجنوبية الأمر الذي يشكل باستمرار ضغطا على أي حكومة تتولى إدارته. فمع انهيار التسوية السياسية التي جاءت بميشال عون رئيسا للجمهورية وبالحريري رئيسا لحكومة يشارك فيها حزب الله، تتصاعد احتماليات اندلاع عرب بين الحزب المدعوم من إيران وإسرائيل.
ولا يزال الغموض يلف موقف الحريري ومصيره رغم ظهوره في العاصمة الإمارتية، أبو ظبي، واستقباله للملك سلمان بن عبد العزيز عند عودته من المدينة المنورة قبل يومين. وكان يُنتظر أن تبدد المقابلة التلفزيونية هذا الغموض وتجيب على الكثير من التساؤلات، إلا أنها أثارت الأسئلة أكثر مما أجابت.
خلال المقابلة التي استمرت أكثر من ساعة وبُثت من منزله في الرياض، كان الحريري يُغالب دموعه، وتناول كوب المياه الذي كان أمامه أكثر من مرة. وحاولت المذيعة بولا يعقوبيان مرارًا التطلع إلى هاتفها وتنقل أخبار حية لتظهر لمشاهديها أن المقابلة على الهواء مباشرة وليست مُسجلة، سألته المذيعة عن ساعته الذكية ولماذا لا يرتديها فرد بأنها موجودة. لم تأت إجابات الحريري مقنعة على كثير مما طرح عليه، بل إنه كان مرتبكًا في بعض الأحيان، حتى أنه طلب إنهاء المقابلة بحجة أنه متعب.
قال الحريري إن استقالته بهذه الطريقة جاءت لإحداث "صدمة إيجابية" في لبنان، وإنه "حر" وسيعود إلى بيروت "قريبا جدا... في غضون أيام." وأضاف أن لديه عائلة ولا يريدها أن تجرب ما جربه هو إبان اغتيال أبيه رفيق الحريري في تفجير سيارة مفخخة في بيروت في 2005. وقال إنه التزم الصمت طوال تلك الفترة حتى تحدث "الصدمة الإيجابية" أثرها... وإننا في "عين العاصفة."
بعد المقابلة، ظهر الرئيس اللبناني على تويتر مغردا: "سررت بإعلان الرئيس الحريري عن قرب عودته إلى لبنان، وعندها سنطّلع منه على كافة الظروف والمواضيع والهواجس التي تحتاج إلى معالجة." والاثنين توجه البطريرك الماروني اللبناني بشارة الراعي إلى المملكة العربية السعودية في زيارة مقررة سلفًا تستغرق يومين، حيث يُتوقع أن يلتقي مع الحريري. ويترأس الراعي الطائفة المارونية، أكبر طائفة مسيحية في لبنان وأكبر كنيسة كاثوليكية بالشرق الأوسط والتي تتمتع بتأثير ونفوذ واسع في البلاد. ويُنتظر أن ترفع زيارة البطريرك الراعي بعض الغموض المحيط بتلك الاستقالة وبمصير رئيس الوزراء اللبناني، ومصير البلد القابع في خضم أزمات الإقليم وصراعاته.
فيديو قد يعجبك: