الإيكونوميست: على العالم دعم بن سلمان لإصلاح السعودية لا تدميرها
كتبت- هدى الشيمي:
قالت مجلة الإيكونوميست البريطانية إن التغييرات الكبيرة التي شهدتها السعودية مؤخرا، "مُذهلة"، في مملكة لم يعهد العالم فيها التغيير إلا ببطء، مضيفة أن على العالم دفع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لإصلاح المملكة "لا تدميرها."
وأشارت المجلة، في تقرير على موقعها الإلكتروني، إلى أن السلطات السعودية احتجزت العديد من الأمراء والوزراء والمسؤولين السابقين والحاليين في حملة لمكافحة الفساد، ووضعت بعضهم في فندق ريتز-كارلتون الفخم في العاصمة، ثم جمدت حسابتهم المصرفية.
وأعلن النائب العام السعودي القبض على 208 متهم في إطار حملة مكافحة الفساد، أفرج عن 7 منهم في وقت لاحق، مضيفا أن 100 مليار دولار على الأقل أسيء استخدامها من خلال الفساد الممنهج والاختلاس في العقود الأخيرة.
جاءت الاعتقالات بعد إعلان العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، تشكيل لجنة لمكافحة الفساد. ومن بين المعتقلين الأمير متعب بن عبدالله، رئيس الحرس الوطني السابق، والملياردير الأمير الوليد بن طلال، والشيخ صالح كامل.
وتشكلت اللجنة برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة.
تزامُنًا مع الإعلان عن الحملة، أطلق المتمردون الحوثيون الشيعة صاروخا باليستيا على مطار الملك خالد في العاصمة الرياض، اعترضته السعودية التي اتهمت إيران بالمساعدة في إطلاقه ووصفت ذلك بأنه عمل من أعمال الحرب.
"قلق وتوتر"
واعتبرت المجلة أن "الاضطرابات في الداخل السعودي، والتهديد بشن حرب في الخارج، خلق حالة من القلق والتوتر في بلدِ ظل قائما في ظل موجات الانهيار العنيفة التي أصابت الشرق الأوسط".
وأضافت أن العالم لن يتحمل اضطرابات في السعودية، أكبر مُصدّر للنفط، التي تأوي أقدس الأماكن الإسلامية في العالم.
ورأت المجلة أن "هذه الفوضى يقف في خضمها الأمير محمد بن سلمان الذي قام بما أطلقت عليه انقلابا في القصر، أو ربما انقلابا مضادا ضد هؤلاء الذين يرغبون في عرقلة عملية التغيير الجذري الذي يقوده في المملكة"، وفقا لتعبير الإيكونوميست.
واعتبرت أن محمد بن سلمان، 32 سنة، بات أقوى رجل في المملكة منذ مؤسس السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود.
وقالت إن "هذه الأحداث قد تكون مقدمة لإصلاحات كبيرة تحتاجها المملكة. إلا أن خطورتها تتمثل في أنها ستقود إلى ظهور ديكتاتورية عربية جديدة يحكمها رجل واحد".
ونوهت المجلة إلى أن محمد بن سلمان يُدرك ضرورة إعادة تطوير بلاده للتكيف مع الأوضاع الجديدة بعد انتهاء عصر النفط، والتعامل مع ظروف مواطنيها، والتصدي لتصاعد الأيدولوجية الوهابية، لافتة إلى أن ولي العهد لديه العديد من الخطط لإصلاح البلاد، بالاعتماد على القطاع الخاص، وإيجاد مصادر دخل جديدة للبلاد بعيدا عن النفط.
وألمحت "الإيكونوميست" إلى أن الأمير الشاب خفّف العديد من القيود الاجتماعية، منها السماح للنساء بالقيادة وتقييد الشرطة الدينية، فضلًا عن أنه دائم التحدّث عن الإسلام المعتدل، والانفتاح على العالم وعلى كل الأديان.
وترى المجلة أن كل هذا جيد، ولكن الطريقة التي ينفذ بها الأمير الشاب التغيير هي ما تدعو إلى القلق، متوقعة أن يدفع به طموحه إلى التهور في بعض الأحيان، لاسيما وأنه قاد تحالف عربي في "حرب خاسرة" في اليمن ضد الحوثيين، ما تسبب في أزمة انسانية هناك.
وتقود السعودية حملة عسكرية ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن منذ أكثر من عامين ونصف، لدعم الحكومة الشرعية برئاسة عبدربه منصور هادي. جاءت الحملة بعد أن اجتاح الحوثيون وحلفاءهم العاصمة صنعاء وطردوا الحكومة الشرعية إلى مدينة عدن الساحلية في أواخر 2014.
وفي الوقت نفسه، اعتبرت المجلة أن أزمة قطع السعودية والإمارات ومصر والبحرين علاقاتها مع قطر في يونيو الماضي بسبب دعمها للإرهاب وقربها من إيران، دفعت بالدوحة نحو طهران أكثر.
لبنان
وقالت الإيكونوميست إن محمد بن سلمان يتحدى إيران في اليمن ولبنان، الذي أعلن رئيس وزراءه سعد الحريري، في الرابع من نوفمبر، استقالته من السعودية في خطوة مفاجئة في توقيتها ومكان إعلانها.
واستقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، السبت قبل الماضي، من السعودية في خطاب متلفز وجه فيه انتقادات حادة واتهامات لإيران وحزب الله.
أثارت الاستقالة الكثير من الجدل وسط اتهامات للسعودية بإخضاع الحريري الذي يحمل الجنسية السعودية أيضا للإقامة الجبرية ضمن حملة احتجزت فيها الرياض عشرات الأمراء والوزراء السابقين والحاليين، تلك الحملة التي جاءت في إطار ما وصفته بالحرب ضد الفساد.
تقول المجلة البريطانية إن لا أحد يعرف حتى الآن نية السعودية تجاه لبنان، وسط مخاوف من اندلاع حرب جديدة بين حزب الله وإسرائيل، في البلد الذي عانى حروبًا وأزمات طيلة 15 سنة.
اقتصاديا، توضح المجلة أن خطة محمد بن سلمان للتغيير الاقتصادي في المملكة تعتمد في جزء منها على جذب المستثمرين الأجانب، إلا أن هذا قد يكون أصعب بعد احتجاز الأمير الوليد بن طلال، أحد أكثر الرجال ثراءً في العالم.
ركائز الحكم في المملكة
وترى المجلة أن هناك سبب آخر يدعو إلى القلق، وهو استقرار المملكة، والتي استند الحكم فيها على مدار العقود الماضية على ركائز أساسية: التوافق، والتوزان في القوى بين أفراد العائلة المالكة المتشعبة، وموافقة ودعم رجال الدين الوهابيين.
وقالت إن محمد بن سلمان يعمل على إضعاف تلك الركائز من خلال حصوله على مزيد من السلطة، والدفع نحو تحقيق حرية اجتماعية، وتطبيق سياسات التقشف والخصخصة.
وحذرت المجلة من "فوضى تؤدي إلى تصدع المملكة وضياع ثرواتها وزيادة النفوذ الإيراني في المنطقة واكتساب الجهاديين فرصة للحياة مرة أخرى". وقالت إن ذلك سيكون مدعاة لتدخل القوى الأجنبية.
وأشارت إلى أن العالم يأمل أن ينجح محمد بن سلمان في عمل إصلاحاته، وفي نفس الوقت يدعوه إلى ضبط النفس والسيطرة على اندفاعه، لافتة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان مُخطئا عندما أشاد بعملية التطهير التي حدثت في السعودية الأسبوع الماضي.
ودعت الإيكونوميست، في ختام تقريرها، الغرب إلى مطالبة الأمير الشاب التصرف بحذر، وتجنب تصعيد الأمور مع إيران، وتخفيف القيود عن الحياة السياسية في بلاده.
فيديو قد يعجبك: