غزة.. أوجاع اللاجئين تكبر مع سنوات الحصار
غزة - الأناضول:
وحدّها كلمة ''اللاجئ'' كافية لأن تنطّق حروفها بمعاناة أصحاب المخيمات ووجعهم اليومي، غير أن هذه المفرّدة وأمام ألم حصار غزة الخانق والمفروض على قرابة مليوني مواطن منذ ستة أعوام، تبدو أكثر قسوة ومرارة.
ومع دخول الحصار عامه السابع، تشكو مخيمات اللاجئين في قطاع غزة من تدهور حاد أصاب كافة قطاعات الحياة بشلل وصفه خبراء بـ''الكارثة'' التي سترمي باللاجئين نحو متاهات العدم.
ولم تتوقف صيحات التحذير الدولية في الأيام القليلة الماضية من أن غزة لن تكون مكانا قابلا للحياة في حال استمر الحصار لقادم الأعوام.
وفي تصريح له، مطلع الأسبوع الجاري، حذر مقرر الأمم المتحدة الخاص بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ريتشارد فولك من أن قطاع غزة، لن يكون صالحاً للسكن بعد 3 سنوات من الآن في حال استمر الحصار الإسرائيلي.
وكانت الأيام الأولى لحصار غزة قد بدأت عندّما قامت إسرائيل بفرضه على القطاع إثر نجاح حركة ''حماس'' في الانتخابات التشريعية في العام 2006.
ثم عززت إسرائيل الحصار في منتصف يونيو 2007 بعد سيطرة حركة ''حماس'' على القطاع.
وأشارت تقارير الأمم المتحدة إلى أن اللاجئين في القطاع يواجهون معاناة خاصة على مختلف القطاعات الخدمية وشبكات المياه والكهرباء والبنى التحتية.
ووفقا لـ''روبرت تيرنر'' مدير عمليات الأونروا بغزة فإن 70% من سكان القطاع هم من اللاجئين، وأن'' هناك ما يزيد عن 1.2 مليون لاجئ موجود بغزة تحت رعاية منظمة غوث اللاجئين الأونروا، وأن هذا الرقم سيزيد إلى 1.6 مليون في العام 2020 .
وفي ثمانية مخيمات بقطاع غزة (الشاطئ، البريج، دير البلح، خانيونس، المغازي، النصيرات، رفح ،جباليا) يعيش اللاجئون ظروفا غاية في القسوة والمرارة، وتعد مخيمات اللاجئين بغزة واحدة من أكثر الأماكن في العالم اكتظاظا بالسكان.
ولا يمكن حصر معاناة اللاجئين في وجع واحد ، كما يؤكد ''عدنان أبو حسنة'' المتحدث باسم ''الأونروا'' في غزة، والذي قال في حديثه لـ''الأناضول'' إن الحصار شوه كافة تفاصيل الحياة في مخيمات اللاجئين.
وأكد ''أبو حسنة'' أن المياه في المخيمات غير صالحة للشرب وأن هناك نقصا حادا في المياه التي يستهلكها الفرد يوميا ، مشيراً إلى أن الأونروا وقبل أن تصل الأزمة إلى طريق مسدود تحاول أن تقدم العلاج المتمثل بخطط إستراتيجية في مقدمتها إنشاء أكثر من محطة تحلية لمياه البحر في مناطق متفرقة في القطاع.
وتشكو مخيمات اللاجئين في غزة من سوء المياه وعدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي نظرا لتسرب الأملاح والمياه العادمة إلى المياه الجوفية بشكل كبير، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على المواطنين بسبب الأمراض التي قد تنتج عن المياه الملوثة.
وأمام أرقام تتوقع أن يزيد عدد اللاجئين من 1.2 مليون لاجئ في قطاع غزة إلى 1.6 مليون، وأن يرتفع معدل البطالة من 33% إلى 48% أكد ''أبو حسنة'' أن احتياجات اللاجئين في ازدياد وهو ما دفع ''الأونروا'' لإعداد برامج لتطوير خدماتها المقدمة للاجئين بقطاع غزة .
ووفقا لأرقام ''الأونروا'' فقد زاد تقديم خدمات فرص العمل للاجئين في البطالة التي وصلت ذروتها في عام 2010 إذ بلغت 43 ألف فرصة عمل، وفي الربع الأول لعام 2013 بلغت 15 ألف فرصة عمل، إضافة إلى 7500 فرصة عمل غير مباشرة في مشاريع الإسكان وغيرها من المشاريع التي تشرف على إنشائها ''الأونروا'' في غزة والخاصة باللاجئين.
وكما لسعت أزمة الكهرباء القطاع فإنها كانت على المخيمات المتلاصقة بيوتها كعلب السردين أكثر وجعا وألما .
وتشير تقارير الأونروا إلى أن المخيمات باتت عبارة عن كتل بشرية وسكنية تفتقر إلى سبل المعيشة الصحية من حيث التهوية والمنافع العامة والشوارع الضيقة، والأسواق المختلطة والملتصقة بالمساكن وانعدام أماكن اللعب للأطفال والأرصفة الضيقة التي تمثّل في مجملها مخاطر حقيقية على المستوى الصحي والنفسي للسكان اللاجئين.
وبدأت أزمة الكهرباء في القطاع عندما قصفت طائرات الاحتلال محطة توليد الكهرباء الوحيدة فى صيف عام 2006.
ولم تتوقف الأزمة التي أخذت تكبر عاما بعد عام حيث يقطع التيار يوميا عن ثماني ساعات عن كل بيت، وقد تمتد ساعات القطع لأكثر من 12 ساعة .
وتسببّ الحصار في تدهور القطاع الصحي في مخيمات اللاجئين، وزاد من حدته عدم وجود مختبرات وأجهزة حديثة، وعدم كفاءة المؤسسات الصحية القائمة، وعدم الفحص بفاعلية بسبب الأعداد المتزايدة من المرضى المراجعين.
ولدّى الأونروا 21 مركزا صحيا موزعة في محافظات القطاع، لا تكفي لتلبية احتياجات اللاجئين الصحية وهو ما دفع الوكالة للتأكيد بأن اللاجئين يحتاجون إلى 4 مراكز صحية جديدة في قادم الأعوام.
وتريد الوكالة أمام حصار تكبر أعوامه أن تعمل على إنشاء 100 مدرسة جديدة في القطاع تتكفل بتخفيف حدة الازدحام في المدارس.
ويتجه أبناء المخيمات في قطاع غزة نحو التعليم بكثافة، وتشرف ''الأونروا'' على التعليم الابتدائي والإعدادي للاجئين في المخيمات وخارجها, فيما يقتصر التعليم الثانوي على المدارس الرسمية، ذلك أن الوكالة لا تغطي هذه المرحلة من التعليم.
وتشغّل الأونروا نحو 816 مدرسة ابتدائية وإعدادية في قطاع غزة، وهو العدد الأكبر الثاني بعد الأردن، وتوفّر فرص التعليم لنحو 160 ألف طالب وطالبة.
ونتيجة لزيادة عدد التلاميذ، زادت حدة الاكتظاظ في مدارس الأونروا في القطاع، حيث ارتفع معدل عدد التلاميذ، في الصف الواحد من 47 إلى 50 تلميذاً، وهي أعلى نسبة من نوعها في الأقاليم الخمسة لعمليات الأونروا.
وأثر الحصار على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي للمخيمات ووقف عائقا في وجه عمليات البناء والترميم بتأكيد ''عصام عدوان '' رئيس دائرة شئون اللاجئين في غـزة والذي كشف في حديثه لـ''الأناضول'' أن ما يقارب ثلث اللاجئين، يعيشون تحت خط الفقر المدقع وغير قادرين على تلبية احتياجاتهم اليومية .
وسيعني استمرار الحصار على القطاع أن تتضاعف أوجاع اللاجئين وهمومهم، وما من حل كما يرى ''عدوان'' سوى إنهاء كل أشكال هذا الحصار الذي رسم لوحة قاتمة لحياة المخيمات.
وفي مخيم الشاطئ حيث يعيش ما يزيد عن 82 ألف لاجئ على مساحة هي أقل من كيلومتر مربع واحد، جلست ''أم خالد سالم'' ''42 عاما'' تراقب أطفالها الذين انضموا لصغار الحارة الهاربين من حر البيوت .
وهي تشير بيدها إلى بيتها المتلاصق مع بيوت جيرانها دونما فواصل ولا مسافات تعدد ''أم خالد'' في حديثها لـ''الأناضول'' ما تعانيه المخيمات من مشاكل في مقدمتها الاكتظاظ السكاني وضيق المسكن والانقطاع المتكرر لمياه الشرب والكهرباء، وتستدرك بأسى :'' وهذه الأزمات تزداد خلال فصل الصيف، الحصار جعل حياتنا بائسة ومؤلمة، والمأساة تكبر يوما بعد يوم ''
ويصف الحاج الستيني ''أبو نائل عياش'' الحصار بالوحش الذي غرس أنيابه في أجساد الجميع الصغار والكبار وأشار بيده إلى عشرات الشباب، وأضاف في حديثه لـ''الأناضول'' :'' هؤلاء أقعدهم الحصار على أرصفة البطالة والفقر.''
فيديو قد يعجبك: