كيف يعود استقلال كردستان العراق بالمنفعة على إسرائيل؟
كتبت - إيمان محمود:
تعجبت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تعجبه من توافق حكومات وأنظمة الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا والعراق وسوريا على نفس السياسة، الأمر الذي وصفته بأنه مستحيل، لكنه حدث لمرة واحدة، لتتوحد رؤيتهم حول حدث واحد يحدث بعد شهر من الآن، وهو استفتاء استقلال إقليم كردستان العراقي.
وقالت الصحيفة في تحليل نشرته في وقت متأخر الجمعة أن هذه الدول تحاول ببعض التهديدات أحيانًا، وقف حكومة إقليم كردستان -وهي الإدارة شبه المستقلة للمنطقة الكردية في شمال العراق- من إجراء استفتاء على استقلال الإقليم في 25 سبتمبر المقبل.
وقد أعلنت حكومة كردستان أن الاستفتاء سيكون "ملزمًا"، أو بعبارة أخرى أنه إذا اختار أغلبية الناخبين (وعددهم 5 مليون ناخب) الاستقلال عن العراق، فستبدأ عملية الانفصال، فيما أكدت الحكومة العراقية أنها لن تعترف بنتائج الاستفتاء إلا أنه من غير الواضح كيف يمكنهم منع الاستقلال الكردي.
ولفتت الصحيفة إلى أن الجيش العراقي لايزال ضعيفًا إلى حد ما، في ظل المعارك التي يخوضها مع تنظيم داعش، كما أنه ليس له أية قواعد في كردستان العراق حيث تسيطر قوات البيشمركة الكردية على الأمن والحدود في الإقليم، لكن العراق يمكنه الاعتماد على جيران أكثر قوة ونفوذ لمعارضة استقلال الأكراد، الأمر الذي سيكون صعبًا جدًا بالنسبة للطرفين.
في الأربعاء الماضي، قام رئيس أركان القوات المسلحة الايرانية الجنرال محمد حسين باقرى بزيارة نادرة للعاصمة التركية نقرة، وكان على جدول أعمال معارضة الطرفين سُبل التعاون ضد استقلال كردستان.
وتتقاسم الدولتان حدودهما مع كردستان العراق، كما يعيش فيهما نسبة كبيرة من الأكراد (حيث يعيش حوالي ثلاثة أرباع الأكراد في الشرق الأوسط يعيشون في تركيا وإيران) والتي يمكن أن تسعى إلى الانفصال والانضمام إلى كردستان المستقلة الجديدة.
ويتبع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -الذي أيد قبل سنوات قليلة اتفاق سلام مع الأكراد في بلاده- سياسة متشددة ضد الأكراد في الفترة الأخيرة، شملت اعتقال معظم أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي الحزب الكردي، وهو ما يجعل استقلال كردستان بمثابة دفعة للمواطنين الأكراد في تركيا.
وأشارت "هآرتس" إلى أن إيران أيضًا لديها أسبابها لمنع استقلال الأكراد، حيث يسيطر أكراد العراق على المناطق الحدودية الرئيسية مع إيران وسوريا، وهي المناطق التي تخطط إيران للسيطرة عليها لإنشاء ممر أرضي يبدأ من إيران إلى البحر المتوسط، مرورًا بالعراق وسوريا ولبنان، بحسب الصحيفة.
كان أردوغان يتحدث خلال الأيام الأخيرة عن تعاون تركي-إيراني ضد استقلال كردستان، لكن الحرس الثوري الإيراني أخمد هذا الكلام بسبب تعاونه مع كافة الفصائل الكردية وللدفع من عملياته العسكرية التي تجري بالفعل على الأرض في الوقت الحالي، لكن بعد شهر وبعد أن تتضح الأمور حول الاستفتاء المُنتظر فسيكون هناك احتمال كبير بتكوين الحلف التركي الإيراني ضد الدولة الجديدة.
واعترف جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي، الذي كان في أربيل الأسبوع الماضي، أنه يدرك جيدًا حجم التقلبات التي ستفعلها التطورات القادمة في المنطقة، كما حث رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود بارازاني على تأجيل الاستفتاء.
ورجحت الصحيفة أن يتراجع بارزاني عن قرار الانفصال، قبل أسابيع من الاستفتاء.
وتعمل الولايات المتحدة بشكل وثيق مع الحكومة العراقية ومع الأكراد أيضًا على محاربة داعش في العراق وسوريا، وتعتبر قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها أمريكا في طليعة المعركة في سوريا وخاصة في الرقة –معقل تنظيم داعش- ومن المتوقع أيضا أن يشارك الأكراد بشكل كبير في المرحلة التالية من القتال، ضد معاقل داعش الكبرى الأخيرة في وادي الفرات، على جانبي الحدود السورية العراقية.
سعى الأكراد إلى تصدير النفط من الحقول الغنية حول كركوك بشكل مستقل، ما أدى إلى قطع الحكومة العراقية مخصصاتها من ميزانية الدولة، وهو ما تسبب في إصابة المنطقة الكردية بأزمة اقتصادية كبيرة، خاصة بعد انخفاض أسعار النفط في السنوات الأخيرة.
ونقلت الصحيفة عن رجل أعمال من مدينة دهوك: "كل شيء الآن في طريق مسدود .. الفنادق فارغة، لا يوجد استثمار يأتي، والاستقلال يبدو وكأنه الحل لجميع مشاكلنا".
كردستان مستقلة
وتساءلت "هآرتس" هل يستطيع كردستان المستقل البقاء على قيد الحياة؟، موضحة أن البلدان غير الساحلية، التي تعتمد على صادرات النفط، يجب أن تصل إلى نوع من التعامل مع أحد جيرانها للسماح لها بشحن النفط، لكن جيران الأكراد جميعًا يعارضون الاستقلال.
وأضافت أن هناك تحديات داخلية أيضًا تواجه الدولة الجديدة، حيث أن النظام السياسي لحكومة إقليم كردستان ينقسم بعمق بين السلالات الرئيسية التي تسيطر على الأحزاب السياسية، كما أن الفساد منتشر، وميليشيات البيشمركة رغم أنها قوة قتالية شجاعة، ولكنهم لا يمتلكون أسلحة ثقيلة كافية، وسيصعب عليهم الدفاع عن كردستان إذا قررت تركيا أو إيران الغزو، بدعوة من الحكومة العراقية أو بدونها.
وأكدت الصحيفة أن الأكراد يأملون في الحصول على مساعدة إسرائيل، والتي كانت واحدة من أول العملاء للنفط في منطقتهم.
وفي حين أعرب بعض السياسيين الإسرائيليين صراحة عن تأييدهم لاستقلال الأكراد، فقد حرصت الحكومة على عدم اتخاذ موقف مُعلن.
لكن الصحيفة قالت إن هناك عددا من المزايا لإسرائيل في استقلال كردستان، ومن أهمها موقع كردستان الذي يتخطى طريق إيران إلى سوريا ولبنان، كما أنها ستكون بمثابة "صداع" ليس فقط بالنسبة لإيران، ولكن بالنسبة للمنافسين المحتملين الآخرين بما في ذلك العراق وتركيا وسوريا.
ورحب رجال الأعمال الإسرائيليون بالفعل في اربيل، وستكون الاحتياجات الإنمائية لأمة جديدة ناشئة وربما مؤيدة للغرب تستحق المليارات، لكن إسرائيل ترفض في هذه المرحلة اتخاذ أي فعل دون التنسيق مع الأمريكيين.
وتسعى إسرائيل أيضًا إلى إعادة بناء العلاقة الاستراتيجية مع تركيا وتجديد العلاقات الدبلوماسية، ولكن لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه قبل أن يتسنى استعادة مستوى التعاون الذي كان يمكن للبلدان أن تعود إليه. وكما هو الحال، فإن تركيا هي الجارة الوحيدة للأكراد التي تقيم معها إسرائيل علاقات مفتوحة ويمكن من خلالها شحن النفط الكردي.
على المدى القصير، يمكن للأكراد أن يخلقوا الكثير من المشاكل لمنافسي إسرائيل في المنطقة، ولكن على المدى الطويل التحالف الإقليمي سيبقي إيران بالخارج، وبالتالي فإن إسرائيل تحتاج إلى وجود تفاهم بين تركيا وكردستان، لكن الاستفتاء لن على ذلك، كما أن التوقعات الكردية بأن تعترف إسرائيل بسرعة باستقلالها ربما لا أساس لها حتى الآن.
فيديو قد يعجبك: