إعلان

في الذكرى السادسة للثورة.. تفاصيل معاناة معتقل في سجن بدمشق

03:55 م الخميس 16 مارس 2017

الصحفي والناشط السوري منصور العمري

كتبت- هدى الشيمي:
بحلول الذكرى السنوية السادسة للثورة السورية، نشر الصحفي والناشط السوري منصور العمري، مقالا في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، يتحدث فيه عن وضع المعتقلين السوريين داخل السجون العسكرية في بلاده.

يقول العمري إن زميله في الزنزانة يُدعى نبيل أخبره في إحدى الأمسيات في شهر يونيو عام 2012، بأن الضابط لن يوجه له تهمة حيازة السلاح. وكانا يجلسان في بقعة مُظلمة ورطبة، يرتديان ملابس ممزقة، يغطي أجسادهم الجراح المفتوحة، الناتجة عن الضرب والصدمات الكهربائية، وقرص حشرات الفراش.

يتذكر العمري أنه وغيره من المعتقلين كانوا يقفون في مجموعات من أربعة أو خمسة رجال، ينظفون ملابسهم وأجسادهم، إلا أن ذلك لا يساعدهم على التخلص من الحشرات، والتي يوجد منها المزيد دائما.

يؤكد الصحفي السوري، إن حشرات الفراش كانت من أسوأ كوابيس المعتقلين، بالإضافة إلى السجانين.

وكانت الزنزانة التي اُحتجز فيها العمري وزملائه جزءا من مركز استخبارات جوية، بالقرب من مطار "مزة" العسكري في دمشق، وكان المركز تحت إشراف ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، وأحد أكثر الرجال رعبا في أجهزة الأمن السورية.

بعد قيام الثورة السورية في مارس 2011، أصبح المطار مركزا لاستجواب كل من يعارضون النظام السوري.

كان نبيل متشوقا لأن الضابط لم يوجه له تهمة حيازة الأسلحة. وكان الصحفي السوري ومن معه يعلمون أن تهمة كتلك قد تتسبب في الحكم عليهم بالمؤبد، أو الإعدام.

ويقول العمري إنه بعد خروجه من السجن، وخلال إجراء تحقيقات عن السجون السورية، علم أن تهمة حيازة الأسلحة أخف وطأة، من أن يكون المُعتقل معارضا أو ناشطا سلميا، أو أن يكون طبيبا، أو صحفيا".

أصبح العمري ونبيل أصدقاء، ويقول إن مشاركة أحدهم السجون تجبر الأشخاص على التقرب من بعضهم. أما بالنسبة لحالتهم فكان هناك 57 شخصا في زنزانة صغيرة ضيقة.

لم يعلم الضابط الذي رفض توجيه تهمة حيازة السلاح لنبيل، أنه كان مشهورا في مدينته داريا بالدفاع عن المتظاهرين السلميين، وإدانة العنف. ومع ذلك أدين الشاب السوري، بحسب العمري، بالتواصل مع وسائل الإعلام المعارضة، ونشر أخبار مفبركة بغرض التحريض على العنف.

حكم القاضي على نبيل بالسجن تسعة أعوام. إلا أنه لم يكمل هذه الفترة، وتوفي في مايو 2015 بعد قضائه ثلاثة أعوام من المدة.

يعتبر العمري نفسه محظوظا بما يكفي لأنه نجا من الاعتقال. ويقول : "قبل اعتقالي في فبراير 2012، أُرسلت إلى الزنزانة مع نبيل، وكنت المشرف على قسم المعتقلين في مركز توثيق الانتهاك، المنظمة المستقلة التي ترصد ما يحدث من انتهاكات في حقوق الإنسان داخل سوريا منذ أبريل 2011.

لم يتحمل العمري أن يبقى داخل إحدى الزنازين التي اعتاد كناشط في حقوق الإنسان، نشر تقارير عنها وتوثيق ما يحدث فيها جالسا في غرفته بدمشق في أمان.

وقرر الناشط السوري أن يوثق ما يحدث داخل السجن، وسعى لكتابة أسماء المحتجزين، ومعلومات عنهم، وعندما أخبر زملائه عن الخطة، قرروا مساعدته. ولكن لم يكن لديهم أوراق وأقلام. فوجدوا أن أفضل طريقة لتدوين المعلومات هي على الملابس.

قسم العمري وزملائه الخمسة المهام على أنفسهم، ثلاثة منهم جمعوا أسماء وبيانات زملائهم في الزنزانة. وكان من بينهم مناف أبا زيد الذي اعتقل لسبعة وعشرين شهرا لتدريب زملائه على تصوير وتوثيق المظاهرات، ورفع المواد المصورة على الانترنت.

ويقول العمري إنه ومناف كانا الوحيدان اللذان نجيا من بين المجموعة المكونة من خمسة أشخاص، ويعيش هو الآن، في باريس، أما الناشط السوري فيتواجد في السويد.

في 14 نوفمبر 2012، سمع العمري صوت أحد الحراس ينادي عليه، ويطلب منه تحضير اشيائه والانتظار أمام الباب. وعلم في هذه اللحظة أنهم سيطلقون سراحه بشكل نهائي.

خرج العمري من السجن وذهب إلى مركز شرطة عسكرية، وقضى هناك 13 يوما، يرتدي قميص نبيل الذي كتب عليه اسم زملائهم المعتقلين بالدم وبعظام الدجاج، ومن هناك أرسل إلى سجن آخر في دمشق، حتى أطلق سراحه بشكل نهائي في 5 فبراير 2013.

فور خروجه من السجن، حاول العمري التواصل مع عائلات زملائه المحتجزين، ووضع أسمائهم على قاعدة بيانات في مركز توثيق الانتهاك في سوريا.

ومن ضمن الأشخاص الذين تواصل معهم العمري بعد خروجه من السجن، كانت خطيبة نبيل، والتي أخبرها عنه الأخير كثيرا، وتحدث عنها كل يوم تقريبا، وحلم بها، وفكر في الحياة التي سيبنيانها معا عندما يُطلق سراحه.

قال العمري للفتاة أن خطيبها ما يزال على قيد الحياة. سألته عدة أسئلة ولكنه حاول ألا يطلعها على التفاصيل المؤلمة التي تعرض لها. أخبرها أنه قرأ كفه وهما في السجن، وأكد له أنه لن يموت قبل 15 عاما.
ويتابع قوله : "بالتأكيد لم يصدقا ما قلته لهما، ولكنهما تمسكا بها لأنها أملهما الأخير".

وبعد عامين، توفي نبيل في سجن صيدنايا، أحد السجون العسكرية في سوريا، بعد ركل أحد الحراس له في صدره، ليرسل روحه إلى الجنة، وجسده إلى أحد القبور الجماعية، أو ربما إلى المحرقة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان