وول ستريت جورنال تكشف كواليس وتعقيدات التدخل التركي في سوريا
كتبت – أماني بهجت:
نشرت صحيفة وول ستريت جورنال تقريرًا حول التنسيق بين واشنطن وأنقرة بعد التدخل الأخير في الحرب السورية، مشيرة إلى أن التعاون بين البلدين ليس كما تُظهر تصريحاتهم وذلك، وفقًا لمسؤولين.
بحسب التقرير، عندما عصفت القوات التركية بضرباتها الموجهة لمقاتلي الدولة الإسلامية في سوريا الأسبوع الماضي، أشاد البنتاجون -وزارة الدقاع الأمريكية- "بالتنسيق الأمريكي التركي عالي المستوى".
لكن وراء الكواليس، انهار التعاون بين شركاء حلف شمال الأطلسي على مستوى مسؤولين كبار على الجانبين. وأنهما ليسا على مستوى عالي من التنسيق حول العملية كما أشارت البيانات الرسمية الصادرة من البلدين.
بينما كان البيت الأبيض يخطط للتفكير في خطة سرية لمشاركة قوات أمريكية خاصة لتركيا، سحبت أنقرة الزناد على هذه المهمة من جانبها بدون إعطاء المسؤولين في واشنطن تحذير مسبق. وعندما بدأت المناوشات بين المقاتلين الأتراك والأكراد -المدعومين من قوات الولايات المتحدة الخاصة- أصدر البنتاجون نداءات حادة على غير العادة للجانبين بالتوقف.
وقال مسؤولون أمريكيون أن قرار تركيا يقوض الجهود التي تُبذل بشكل غير معلن لتنقية ساحة القتال من العناصر السورية الكردية المتصارعة أولًا وبفعلتها هذه خلقت تحديًا جديدًا شائكًا للولايات المتحدة الأمريكية حيث أن اثنين من أهم حلفائها يقاتلون بعضهم البعض بدلًا من محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
ويضيف الانهيار في التنسيق طبقة جديدة من التوترات بين واشنطن وأنقرة على رأس تلك التي أشعلتها حملة القمع التي قام بها الرئيس رجب طيب أردوجان بعد محاولة الإنقلاب عليه في يوليو، بحسب الصحيفة.
وحذر مسؤولون في واشنطن حليفهم التركي الاثنين أن الولايات المتحدة لن تقوم بتوفير الغطاء الجوي للقوات التركية في طريقها للشمال السوري، وإنها ستقوم فقط بتزويد تركيا بالغطاء الجوي للتحرك غربًا نحو الحدود المهددة من الدولة الإسلامية.
وبالمثل أبلغ مسؤولون أمريكيون الأكراد أن الولايات المتحدة تعلق دعمها على تحرك قواتها إلى جنوب نهر الفرات وتقدمها نحو عاصمة الدولة الإسلامية الرقة-التي أعلنتها في يوليو 2014- لضمان عدم تضارب المصالح مع الأتراك وفقًا لمسؤولين.
وقال وزير الدفاع آش كارتر يوم الاثنين أن القوات الكردية قد بدأت بالتحرك شرقًا مما قلل الاحتكاك بين الجانبين.
لطالما اتهمت تركيا الحركة الكردية في سوريا بأنها امتداد للحركة الانفصالية الكردية في تركيا والتي قامت بعمليات انتحارية وتفجيرات كجزء من صراع على السيطرة استمر عقدين.
سلسلة من الأحداث
سلسلة من الأحداث كانت سببًا في التدخل البري لتركيا في سوريا، بناءًا على مقلابات مع مسؤلين أمريكيين وأتراك ومتمردين سوريين في الهجوم أظهرت المشاورات بين الولايات المتحدة وتركيا اتفاقًا على عملية مشتركة على الحدود السورية يرجع تاريخها إلى ربيع 2015.
في العرض التي قامت بتقديمه تركيا وناقشه أردوغان مع كبار الجنرالات في تركيا اقترح ارسال 2000 جندي تركي بريًا وكان الجميع مقتنعًا بسداد هذه الخطوة حتى أن مسؤولين إعلامين قاموا بكتابة البيانات الإعلامية التي ستصدر على خلفية الإعلان عن هذه الخطوة.
بالإضافة إلى انتشار القوات التركية بريًا، أرادت أنقرة تعهد إدارة أوباما بإرسال قوات الكوماندوز الأمريكية ولكن البيت الأبيض ماطل في هذه الخطوة وفقًا لمسؤولين في الولايات المتحدة. واتفقا في النهاية على الدعم الجوي الأمريكي للقوات التركية والمعارضة السورية والتي ستتحرك في مساحة 60 ميل بطول الحدود المتفق عليها.
وكانت تركيا قد قامت بمشاركة اسماء المجموعات المتمردة من السنة التي تريدها أن تقوم العمليات البرية مما يتيح لوكالة الاستخبارات الأمريكية لإجراء التحقيقات عنها والكشف عن أي صلات لها بالمجموعات الارهابية. واحدة من أكبر المجموعات التي جاءت على رأس القائمة التي قدمتها تركيا هي حركة "أحرار الشام" ورفضتها الولايات المتحدة الأمريكية لكونها شديدة التطرف.
كانت المحادثات التي قامت بين الولايات المتحدة وتركيا حول العملية المشتركة أصابها الفتور الصيف الماضي حيث أن البنتاجون كانت لديه شكوك في قدرة تركيا في تجنيد واقناع عدد كافي من المتمردين لاتمام المهمة.
وبعد التدخل الروسي في سوريا هدأت العملية المقترحة تمامًا بعد اسقاط تركيا لطائرة روسية عسكرية على الحدود التركية السورية.
وبحسب تصريحات مسؤول تركي، عادت المحادثات مرة أخرى في الشتاء خلال هدنة ووقف إطلاق للنيران وفي مارس قدمت تركيا للولايات المتحدة لائحة تحتوي على 1800 مقاتل سوري من المعارضة قالت إنهم يمكن أن يقودوا العمليات.
محاولة الانقلاب
وجاءت محاولة الانقلاب على أردوغان في يوليو الماضي لتضفي تعيقدًا على المسألة برمتها بعد توتر العلاقات بين جانبي الاتفاق أنقرة وواشنطن، ولكن مسؤولون من الجانبين أوضحوا إنهم لا يريدون اجهاض هذا التعاون ضد الدولة الإسلامية.
وبعد لقاء أردوغان ببوتين في 9 أغسطس، أوفدت تركيا وفدا عسكريا رفيع المستوى لروسيا لمناقشة التدخل التركي بريًا في سوريا واتفق الطرفان على عدم استهداف موسكو للآليات العسكرية ولا الجنود التابعين لتركيا طالما أن تركيا تتحرك بطول الحدود، وفقًا لمسؤول تركي كبير.
وتطورت الخطط التركية بعد 13 أغسطس بعد سيطرة القوات الكردية المدعومة أمريكيًا بالسيطرة على مدينة منبج السورية وطرد مسلحي الدولة الإسلامية منها.
في الأسبوع الذي تلى العملية، تابعت أنقرة وواشنطن الوضع عن كثب؛ فلم يكن هذا هو الاتفاق بعد تقدم القوات الكردية شمالًا نحو الحدود التركية. فقد اتفقت أنقرة وواشنطن على تحرير القوات المدعومة أمريكيًا لمنبج بعد اعطاء واشنطن التعهدات اللازمة أن القوات السورية الكرديو لن تتقدم القتال وستترك المدية العربية فور رحيل المجموعات الجهادية بعد هزيمتها ورجوعها لجنوب نهر الفرات.
وبحلول 17 أغسطس قامت تركيا بنقل المجموعات المؤيدة لها من قوات المعارضة السورية المتمردة بطول الحدود التركية.
في الوقت ذاته، بدأت العناصر الكردية بالاستيلاء على مزيد من القرى المحيطة بمنبج ولم يلقوا المعاملة من الأكراد التي تم الاتفاق عليها مسبقًا، وأوضحوا أن الهدف العسكري القادم هو مدينة جرابلس وهي مدينة سورية على الحدود التركية بدلًا من الرقة.
قال مسؤولون أمريكيون أن القوات التركية الرئيسية التي يدعمونها لم تهدد قط بالذهاب لجرابلس.
هجوم حفل الزفاف
وبحلول 20 أغسطس، كان لتركيا سببًا قويًا لإطلاق هذه العملية بعد أن قام أحد مقاتلي الدولة الإسلامية بتفجير نفسه مستهدفا حفل زفاف في مدينة غازي عنتاب على الحدود السورية والتي يسكنها ما يقرب من 2 مليون شخص. ولقى 54 شخصا مصرعهم إثر هذه العملية.
قال مسؤولون أتراك وأمريكيون أن الجيش التركي أراد أن يظهر ولائه لأردوغان بعد محاولة الانقلاب عليه.
ومع وجود دعم المتمردين والدعم الأمريكي طلبت تركيا دعم القوات الخاصة الأمريكية لدخول جرابلس.
أيد قادة البنتاغون الخطة التي دعت إلى نشر لا يقل عن 40 من القوات الخاصة الأمريكية. ثم بدأت مطلع الأسبوع الماضي محادثات مع البيت الأبيض حول العملية البرية المشتركة المقترحة.
كان البنتاغون يبحث عن إجابة سريعة. بدلًا من ذلك، أخبر البيت الأبيض - بشكل حذر حول وضع القوات الأمريكية على جبهة أخرى داخل سوريا- وزارة الدفاع الأمريكية إنه يريد الإجابة عن بعض الأسئلة قبل الاستمرار في العملية. وقال مسؤولون على وجه التحديد، أراد البيت الأبيض أن يعرف كيفية حماية قوات العمليات الخاصة نظرًا لوجود مقاتلين على صلة بتنظيم القاعدة في المنطقة.
ومع تأخر الرد التركي ضغط البيت الأبيض على أنقرة لإعطاء الولايات المتحدة بعض الوقت. في الوقت ذاته، حاول المسؤولون الأمريكيون التنسيق بين القوات التركية والكردية بحيث رحيل القوات الكردية قبل وصول القوات التركية.
في وقت متأخر يوم 23 أغسطس، أخبر البيت الأبيض وزارة الدفاع الأمريكية إنه على استعداد لعقد اجتماع رفيع المستوى في اليوم التالي للنظر في اقتراح وزارة الدفاع الأمريكية لادخال قوات العمليات الخاصة الأمريكية كجزء من العملية التركية.
هجوم مباغت
ولكن بين عشية وضحاها، شنت تركيا هجومها دون إعطاء المسؤولين في واشنطن أي تحذير مسبق. الاقتراح لم يصل إلى مكتب الرئيس باراك أوباما، وفقا لمسؤول كبير في الادارة.
بينما أعلنت تركيا أن العملية هي عملية مشتركة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية لتحرير جرابلس، كانت العمليات الجوية من قبل القوات التركية تحدث في جرابلس وليست تحت مظلة التحالف.
عندما أدرك القادة العسكريون الأمريكيون في المنطقة أن القوات التركية شنت العملية من دونهم، استخدم رئيس القيادة المركزية للجيش الأمريكي، الجنرال جو فوتيل سلطاته التي تقضي لقوات الولايات المتحدة الموجودة في المنطقة بتوفير الدعم الجوي للأتراك مع دعم جوي محدود عبر طائرات بدون طيار إف 16 وأيه 10.
معركة جرابلس التي اعتقد مسؤولون أمريكيون إنها ستستغرق أياما أو أسابيع انتهت في ساعات هرب خلالها التنظيم ولم يقم بالقتال فيها بشكل كبير.
أرجع المسؤولون الأتراك سرعة انتصارهم كدليل على أن الأمريكيين كانوا على خطأ للشك في قدراتهم. "من الواضح ان تحرير جرابلس من قبل الجيش التركي والجيش السوري الحر هو دليل على أن قواتنا كانت دائما على مستوى هذه المهمة"، وفقًا لمسؤول تركي رفيع المستوى.
وأعلن مسؤولون أمريكيون بخطأ توقعهم في استبسال تنظيم الدولة في الدفاع عن جرابس، ولكنهم أعربوا عن قلقهم نحو انجرار الناتو للحرب في سوريا وبطريقة غير مباشرة يكون ذلك تخفيفًا للضغط عن الدولة الإسلامية.
فيديو قد يعجبك: