كيف كشفت تفجيرات بروكسل عن ظاهرة "التضليل الرقمي"؟
كتبت - رنا أسامة:
في ظل العصر الرقمي، وفي حضرة مواقع التواصل الاجتماعي، بات من السهل نشر أي مُحتوى "مُضلّل"، لا يحمل سَندًا يُثبِت صحته، صورًا كان أو فيديوهات، والأخطر من ذلك هو تصديق أعداد غفيرة من المُستخدمين "الساذجين" له، بل والدخول في سِجالات حوله على مِنصات الشبكات الاجتماعية، لاسيّما إذا كان مُتصلًا بحدث عالمي بحجم "تفجيرات بروكسل" الأخيرة.
في غضون بِضع ساعات من إذاعة وسائل الإعلام الدولية والعربية، خبر عاجل يُفيد بوقوع هجمات إرهابيّة في عاصِمة الاتحاد الأوروبي، بروكسِل، الثلاثاء الماضي، ظهر "فيديو" على موقع يوتيوب، يزعُم أنه من كاميرات مراقبة، يعرض لقطات تُسجّل لحظة وقوع التفجير بمطار بروكسِل الدولي.
وانتشر لقطات الفيديو المزعوم، بسرعة البرق، لتجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، وتم نقلها من جانب موقع إخباري وطني، واحد على الأقل، ليتبعها المزيد من اللقطات التي تعرِض تفجير محطة مترو ميلبيك، بالقُرب من البرلمان الأوروبي، وفيديو آخر يزعم تسجيله ما يجري من موقع الحدث بالمطار.
بيد أن جميع تلك الفيديوهات لم تكُن حقيقية، فكُل ما أظهرته من لقطات لا يمُت بصِلة لتفجيرات بروكسل، فما تحمله من تسجيلات يعود إلى عام 2011، اثنين منهم يتعلّقا بالهجوم الذي وقع على مطار دوموديدوفو في موسكو، والآخر خاص بتفجير محطة مترو بعاصمة روسيا البيضاء، مينسك.
وفي سبيل التحايُل على الناس، تحوّلت مقاطع الفيديو "المزعومة" إلى اللون الأبيض والأسود، وتم عكسها لتظهر في شكل أُفقي، وأُعيدت عنونتها، ثم نُشِرت وكأنها تُسجّل بالفِعل تفجيرات بروكسِل لحظة بلحظة.
اعتبرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن الفيديوهات المزعومة ما هى إلا تجسيد حيّ لظاهرة أصبحت مُستشرية على نحو متزايد، وهى ظاهرة (انتشار التقارير الزائِفة المُضّلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي) والتي عادة ما تُصاحِب كل حدث إخباري يتصل بالعُنف، ويتم التفنّن في فبركتها بما لا يدَع مجالًا للشك في مِصداقيّتها، لاسيّما وأن وكالات الأنباء الإخبارية ذات السُمعة الطيبة تتناقلها.
وفي مثال آخر وقع قبل أيام قليلة من تفجيرات بروكسل، يُجسّد ظاهرة التضليل الرقمي، أشارت الصحيفة إلى تقارير تناقلتها وسائل الإعلام حول تفجير انتحاري في اسطنبول، بعد تداول نُشطاء موقع تويتر صورة، يزعمون أنها تخُص المُشتبه فيه، محمد أوزتوك، فيما لم تكّن قد ظهرت صورة رسميّة له بالفِعل.
وصاحبتها صورة من بطاقة هويّة، زعمت أنها للمُشتبه به، رغم أنها تحمل اسمًا آخر لشخص يُدعى "محمد زانا"، وهو أحد عناصر تنظيم داعِش الإرهابي.
ولا تُعد ظاهرة التضليل الرقمي، وإن كان الإنترنت قد ساعد على شيوعها بشكل أسهل، على نحو واسع النِطاق، لتغزو الشبكات الاجتماعية بسرعة مُرعبة.
"الخطير في تلك الظاهرة، هو ان أي شخص ينشر أي مُحتوى على مِنصات الشبكات الاجتماعية، مثل فيسبوك، يستطيع الوصول إلى قِطاع عريض جدًا من الجمهور، كما لو كان مؤسسة إخباريّة"، وفقًا لما قاله "اليستر ريد"، مُدير تحرير المُسوّدة الأولى"، ذلك الائتلاف المُكوّن من منظمات متخصصة في التحقّق من المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي، المدعوم من جانب جوجل.
وأضاف ريد: "مَن يقف وراء تلك الأخبار يُمكن أن غرضه تضليل أجندة وسائل الإعلام- عمدًا- إما لأسباب سياسية أو يهدف لإحداث دعاية زائِفة يحصد من خلالها على أعداد وهمية من اللايكات والمُشاركات والتعليقات"، موضحًا أن هؤلاء الأشخاص لا يكون لديهم أي نوع من أنواع المعايير، و"سياسة الانتشار" هي ما توجّههم.
فيديو قد يعجبك: