سوريان يتمكنان من تغيير وجهة نظر برلين باللاجئين (حوار)
كتبت - هدى الشيمي وسارة عرفة:
خرجا كملايين غيرهما بحثا عن سلام، عن أمل، عن حياة، بعيدا عن حرب تمزق بلاد جذورها تمتد لأعماق أعماق التاريخ، حتى باتت أنقاض تحتاج إلى "مشاريع مارشال"، لإعادة إعمارها وجعلها صالحة للحياة مرة أخرى، لكن اية حياة تلك بعد حرب تدخل عامها السادس ولا تبدو لها نهاية تلوح في الأفق، خرجا كمن خرج بحثا عن ملجأ بعد أن "دخلت الحرب العاصمة دمشق وتغلغلت إلى أصغر أحيائها"، خرجا هربا من "قذائف تحلق في سماء العاصمة مجهولة المصدر بشكل دائم... ولعلعة الرصاص تدوي في كل آذان، والكهرباء قلما تزو منطقتهما... كذلك مياه الشرب".
سمير الحجار ونافع كردي، شابان من سوريا المنكوبة، درسا الهندسة وأملا في حياة كريمة لكن "تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن"، حيث داهمتهما الحرب من كل حدب وصوب، فالكلية التي يدرسان بها طالتها القذائف متعددة المصادر مرات عدة، لكنهما صمدا حتى بات الأمر لا يطاق فقررا الخروج، كانت المعضلة كيف؟ وإلى أين؟ وكان جواب الأخير إلى برلين، عاصمة ألمانيا، بلد "ماما ميركل" كما يلقبها كثير من اللاجئين السوريين بعد أن فتحت أمامهم حدود بلادها واستقبلهم أهلها بالأحضان.
يقولا في حوار مع مصراوي، إن الرحلة استغرقت 6 أيام، خرجوا من دمشق إلى العاصمة اللبنانية بيروت و منها إلى مدينة أزمير التركية، ومن هناك استقلا مع 43 اخرين قاربا مطاطيا طوله حوالي 9 أمتار، كان سمير في حالة يأس واضح ورعب سد ضلوعه صامت تماما، يشاهد شريطه حياته أمام عينيه، عكس نافع الذي كان يتمالك أعصابه، فكان يضع يده في البحر يحركها من باب التسلية.
وصلا الشابين إلى العاصمة الألمانية، بعد نجاتهما من مصير نصف ركاب القارب، الذين غرقوا في البحر بسبب الأمواج العاتية، ويوضحان أن سبب وقوع اختيارهما إلى ألمانيا، إلى أنها الأقرب، "وبسبب مجال دراستنا الذي يعتبر من أقوى المجالات الصناعية والعالمية هناك"، بحسب سمير، الذي طلب منه أحد اصدقائه غناء أغنية "أروح لمين" خلال الرحلة من الشواطئ التركية وإلى اليونان، ومع انتهائه من الغناء، سيجد الرحلة انتهت.
بعد فترة من مكوثهما في برلين، أعلانا التطوع لإصلاح التالف، والقيام بأي أعمال في المدينة، أو العزف في أحد الليالي، بما إنهما يتقنان عزف الجيتار والبيانو، أو إعطاء دروس في الفيزياء والرياضيات، فكل منهما لديه خليفة ممتازة في تلك الفروع، نظرا لدراستهما الهندسة.
"جاءتنا فكرة التطوع، حين كنت قد غادرت برلين المدينة، لأذهب إلى ضواحيها لزيارة أحد الأصدقاء لأسبوع"، يقول سمير، الذي أكد دائما أن هذه المدينة مثيرة جدا أمام الضاحية المملة، وعندما عاد لبرلين وجلس برفقة نافع صديقه على أحد المقاهي، اكتشاف إنها لم تكن مثير كما ظنّا، ولم يكن مسموح لهما الدراسة أو العمل، حتى تنتهي أوراقهم، فقررا صنع نوع جديد من الإثارة المفيدة لكل الأطراف.
كانت ردة فعل الألمان غير متوقعة، فبعد ساعات من إعلان الشابين التطوع على أحد المجموعات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أرسل لهم سكان برلين أكثر من 500 رسالة، وكان هناك من يريد مساعدتهم، ومنهم من احتاج خدماتهم التطوعية، وهناك فئة أخرى رغبت في التعرف على الشابين، هذا بالإضافة إلى الصحفيين الذين سعوا لتواصل معهم من أجل الحصول على سبق صحفي.
يقول سمير، إن الألمان كانوا في البداية رائعين، حملوا أوراقا كُتب عليها باللغات الثلاثة "الإنجليزية، والعربية، والألمانية" أهلا باللاجئين في برلين، وتواجد بين الحدود الألمانية النمساوية، حافلات لنقل وتوزيع اللاجئين في الكثير على ألمانيا، لذلك قد تكون عملية التطوع نوعا من الرد الجميل، أو تكون محاولة لتطهير سمعة اللاجئين السوريين، بعد إدانتهم في حادث التحرش بمدينة كولونيا، عندما اتهمت الساسة وقادة ألمانيا اللاجئين، وأدانو ميركل، لسماحها بدخولهم بهذه الصورة إلى بلادهم.
لم يصدق سمير ونافع الإعلام في البداية، فلم يتخيلوا، أن 1000 رجل كلهم لاجئين تحرشوا بالنساء، "كانت لدينا ردة فعل بجميع الأحوال"، ويشير الشاب الدمشقي إلى طباعتهم ورقة كُتب عليها، إننا لاجئون وضد أي حالة تحرش، لفظي أو جسدي لمرأة"، ووقع عليها عدد كبير من اللاجئين.
الظروف القاسية التي مر بها اللاجئون السوريون، كانت كفيلة بأن تجعل كل منهم بيحثون عن حلول سريعة لأوراقهم، لكي يضمنو الاستقرار، "لا يوجد رابطة مميزة وقوية بين اللاجئين السوريين"، يقولها سمير، موضحا أنهم قد يجتمعون في المقاهي العربية، التي تقدم الشيشة في برلين، أو بعض المحلات التي تقدم المنتجات العربية، واللحم الحلال.
يرى سمير، أن اللاجئين يستطيعون تغيير وجهة نظر العالم إليهم، بالقيام ببعض المبادرات الفردية، كما فعلا، وأيضا بالتقبل، وتفهم المجتمع الأوروبي، والاحتكاك بالأروبيين بطريقة حضارية، وعندها سيوقن العالم بعدم وجود اختلافات بين الجميع، فجميعم بشر، بمشاعر وأفكار، وأهداف ومعتقدات، ورغبات وأحلام.
فيديو قد يعجبك: