إعلان

هل دونالد ترامب خطر على الديمقراطية؟

09:28 م الجمعة 16 ديسمبر 2016

دونالد ترامب

كتب - سامي مجدي:

نشرت صحيفة نيويورك تايمز، الجمعة، مقالا لأستاذين في الحكومة في جامعة هارفارد الأمريكية، تحدثا فيه عن خطر محتمل قد ينتظر الديمقراطية الأمريكية بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة.

وخلص ستيفن فيتسكي ودانيال زيبلات إلى أن هناك إشارات تحذيرية حقيقة بأن الديمقراطية الأمريكية في خطر، وأن "علينا أن نكون متيقظين."

وإلى نص المقال:

أثار انتخاب دونالد ترامب سؤالا قلة من الأمريكيين تصورا في يوم من الأيام أن يطرحوه: هل ديمقراطيتنا في خطر؟ باستثناء محتمل لفترة الحرب الأهلية، أبدا لم تنهار الديمقراطية الأمريكية؛ في الواقع ليست هناك ديمقراطية غنية أو مؤسسة كما تلك التي تتمتع بها الولايات المتحدة. غير أن الاستقرار السابق ليس ضمانة لإبقاء الديمقراطية على قيد الحياة مستقبلا.

لقد قضينا عقدين من الزمان ندرس ظهور وانهيار الديمقراطية في أوروبا وأمريكا اللاتينية. ويشير بحثنا إلى العديد من الإشارات المقلقة.

الإشارة الأوضح في تحذيرها هي صعود السياسيين المناهضين للديمقراطية في الحياة السياسية. واعتمادا على دراسة وثيقة حول زوال الديمقراطية في ثلاثينيات القرن الماضي في أوروبا، صمم عالم السياسة البارز، خوان جيه لينز، "اختبار ليتموس" لتحديد السياسيين المناهضين للديمقراطية. تشتمل مؤشراته على: فشل في رفض العنف بشكل لا لبس فيه، واستعداد لتقليص الحريات المدنية للمنافسين، وإنكار شرعية الحكومات المنتخبة.

جاء اختبار السيد ترامب إيجابيا. في الحملة، شجع العنف فيما بين أنصاره؛ تعهد بمحاكمة هيلاري كيلنتون؛ هدد باتخاذ إجراءات قانونية ضد وسائل الإعلام غير الصديقة؛ وأشار إلى أنه قد لا يقبل بنتائج الانتخابات.

وقد استمر هذا السلوك المناهض للديمقراطية منذ الانتخابات. وبادعائه المزيف أنه خسر التصويت الشعبي لأن "ملايين الناس صوتوا بشكل غير قانوني،" تحدى السيد ترامب بشكل علني شرعية العملية الانتخابية. في نفس الوقت، رفض بشكل ملحوظ تقارير وكالات الاستخبارات الأمريكية عن اختراق روسي لإمالة الانتخابات لصالحه.

لم يكن السيد ترامب هو السياسي الأمريكي الأول صاحب النزعة الاستبدادية. (ومن بين السلطويين الملحوظين الاخرين حاكم لويزيانا هيوي لونغ والسيناتور جوزيف مكارثي من ويسكونسن). لكن ترامب الأول في التاريخ الأمريكي الحديث الذي ينتخب رئيسا. هذا بالضرورة ليس بسبب أن الأمريكيين باتوا أكثر استبدادية (فالنظام الانتخابي الأمريكي دائما ما يكون لديه خط استبدادي). بل بسبب فشل المصافي المؤسسية التي نفترض أنها تحمينا من المتطرفين مثل نظام الانتخاب الحزبي ووسائل الإعلام.
ولا يشعر الكثير من الأمريكيين بالقليل حيال ميول السيد ترامب الاستبدادية لأنهم يثقون في ضوابط نظامنا الدستوري والتوازنات التي تقيده.

غير أن الضمانات المؤسسية التي تحمي ديمقراطيتنا قد تكون أقل فعالية مما نعتقد. فالدستور المصمم تصميما جيدا ليس كافيا لضمان ديمقراطية مستقرة - وهو درس تعلمه الكثير من زعماء الاستقلال في أمريكا اللاتينية عندما استعاروا النموذج الدستوري الأمريكي في مطلع القرن التاسع عشر، فقط ليروا بلدانهم تغرق في الفوضى.

لابد من تعزيز المؤسسات الديمقراطية عبر قواعد غير رسمية قوية. فمثل لعبة صغيرة لكرة السلة دون حكم، تعمل الديمقراطيات بشكل أفضل عندما تُحترم قواعد اللعبة غير المكتوبة، المعروفة لدى كل اللاعبين، وضمان الحد الأدنى من التحضر والتعاون. تعمل القواعد كأسوار ناعمة للديمقراطية، حيث تمنع المنافسة السياسية من الانحدار إلى نزاع فوضوي غير مخطط له.

من بين القواعد غير المكتوبة التي تساند الديمقراطية الأمريكية، ضبط النفس الحزبي واللعبة العادلة. وفي جزء كبير من تاريخنا، قاوم قادة الحزبين الإغراء لاستخدام السيطرة المؤقتة على المؤسسات لتحقيق أقصى المكاسب الحزبية. على سبيل المثال هناك فهم مشترك بأن ممارسة مكافحة الأغلبية مثل تعطيل مجلس الشيوخ تستخدم لماما، وأن مجلس الشيوخ قد يزعن (في حدود المعقول) للرئيس في اختيار قضاة المحكمة العليا، وأن التصويتات ذات الأهمية الاستثنائية - مثل الاتهام - تتطلب توافق الحزبين. وقد ساعدت هذه الممارسات في تجنب الانحدار إلى نوع من المعركة الحزبية التي دمرت الكثير من الديمقراطيات الأوروبية في ثلاثينيات القرن الماضي.

مع ذلك، فقد تآكلت قواعد ضبط النفس الحزبي في العقود الأخيرة. فالاتهام الذي وجهه مجلس النواب الذي كان يهيمن عليه الجمهوريون إلى بل كلينتون في 1998 تخلى عن فكرة توافق الحزبين بشأن الاتهام. وقد باتت النشاط المعوق، التي كانت نادرة في وقت من الأوقات، اداة روتينية للانسداد التشريعي.

وكما أوضح عالما السياسة توماس مان ونورمان أورنشتين، فإن تناقص ضبط النفس الحزبي جعل مؤسساتنا الديمقراطية مختلفة بشكل متزايد. ووفر رفض الجمهوريون في 2011 رفع سقف الديون، تلك الخطوة التي وضعت معدل التصنيف الائتماني الأمريكي في خطر لتحقيق مكاسب حزبية، ورفض مجلس الشيوخ هذا العام النظر في مرشح الرئيس أوباما للمحكمة الدستورية العليا - بكل مضمون، سمح للجمهوريين بسرقة مقعد في المحكمة الدستورية - وفر لمحة مثيرة للقلق للحياة السياسية في غياب ضبط النفس الحزبي.

أيضا قواعد ضبط النفس الرئاسية في خطر. فالغموض الدستوري حيال حدود السلطة التنفيذية يمكن أن تغري الرؤساء بمحاولة دفع هذه الحدود. ورغم أن السلطة التنفيذية توسعت في العقود الأخيرة، إلا أنه ضبط النفس الذي اتبعه رؤسائنا أنفسهم كبح جماحها في نهاية المطاف.

وعلى عكس أسلافه، يعد السيد ترامب محطم لسلسة من القواعد والمعايير. هناك إشارات بأن السيد ترامب يسعى لإضعاف الدور التقليدي لوسائل الإعلام عبر استخدام تويتر والرسائل المصورة والحشود السياسية للتحايل على السلك الصحفي للبيب الأبيض والتواصل مباشرة مع الناخبين - متخذا صفحة من كتاب قواعد اللعبة الذي يمارسه القادة الشعبويين مثل سيلفيو بيرلسكوني في إيطاليا وهوغو تشافيز في فنزويلا ورجب طيب أردوغان في تركيا.

وهناك معيارا أساسيا جدا اليوم تحت التهديد، وهي فكرة شرعية المعارضة. في الديمقراطية، لابد أن يقيل المتنافسين الحزبيين بشكل كل حق الاخر بشكل كامل في الوجود، والتنافس والحكم. ربما يختلف الديمقراطيون والجمهوريون بشكل كبير، لكنهم لابد أن ينظرون إلى بعضهم البعض كأمريكيين موالين ويقبلون أن الطرف الاخر سوف يفوز بالانتخابات في بعض الأحيان ويقود البلاد.

والديمقراطية في خطر بدون هذا القبول المشترك. وعلى مدار التاريخ استخدمت الحكومات الزعم بأن معارضيها خونة أو مجرمين أو يشكلون تهديدا لطريقة حياة الأمة لتبرير أعمالهم الاستبدادية.

إن فكرة شرعية المعارضة ترسخت في الولايات المتحدة منذ مطلع القرن التاسع عشر، ولم تتعطل سوى بسبب الحرب الأهلية. غير أن ذلك قد يتغير في الوقت الراهن، مع تشكيك متطرفي الجناح اليميني بشكل متزايد في شرعية منافسيهم الليبراليين. خلال العقد الماضي، كتبت آن كولتر كتبا حققت الأعلى مبيعا تصف الليبراليين بأنهم خونة وحركة التي شككت في شرعية رئاسة باراك أوباما بزعم أنه يولد على أرض أمريكية.

هذا التطرف، الذي كان يقتصر على الهوامش السياسية، انتقل الآن إلى التيار الرئيسي للسياسة. في 2008، ربطت المرشحة الجمهورية لمنصب نائبة الرئيس، سارة بالين، باراك أوباما بالإرهاب. هذا العام، رشح الحزب الجمهوري أحد منكري أمريكية أوباما للرئاسة. فحملة السيد ترامب تركزت على الزعم بأن هيلاري كيلنتون مجرمة يجب أن تسجن؛ "اعتقالها" تردد في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري. بعبارة أخرى، أيدت قيادة الجمهوريين - بينهم الرئيس المنتخب - وجهة النظر بأن المرشحة الديمقراطية منافسة غير شرعية.

من ثم فالخطر الذي نواجه لا يتمثل فقط في رئيس بميول غير ليبرالية - إنه انتخاب مثل هذا رئيس عندما لم تعد الأسوار التي تحمي الديمقراطية الأمريكية آمنة.

إن الديمقراطية الأمريكية ليست في خطر وشيك للانهيار. وإذا سادت الظروف العادية، فإن مؤسساتنا سوف تكون في فوضى على الأرجح خلال رئاسة ترامب. لكن من غير الواضح إلى حد ما كيف تبحر الديمقراطية في أزمة. ففي أوقات الحرب، أو هجوم إرهابي كبير أو أعمال شغب أو احتجاجات واسعة النطاق - وجميعها ممكنة بشكل كامل - يمكن لرئيس ميوله معادية لليبرالية ومؤسسات غير مستقرة، أن تشكل تهديدا خطيرا للديمقراطية الأمريكية. يجب أن نكون يقظين. إشارات التحذير حقيقية.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان