إعلان

الجلبي.. "صفحة من التاريخ وانطوت"

06:45 م الثلاثاء 03 نوفمبر 2015

أحمد الجلبي

كتب - محمد عبد العزيز:

"كان الجلبي يعلم جيدا أن العراق كان ضحية للعداء بين واشنطن وطهران"، هذا ما نقلته صحيفة الجارديان في مقال للكاتب غاريث سميث.

يقول سميث إنه ذهب في نوفمبر عام 2005، لرؤية أحمد الجلبي - الذي أصبح نائبا لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي - في الطابق العلوي بأحد الفنادق الكبيرة في طهران. ويضيف أنه كان من الصعب إجباره على التركيز في أسئلته، حيث كان الجلبي وزاب سيثنا، مستشاره الباكستاني الزرادشتي، سعيدين كالأطفال بالانكباب على كومة ضخمة من الكتب الفنية.

هذه الكتب جاءت من متحف طهران للفن المعاصر، الذي زاره الرجلان بعد أن طلب منهم الرئيس محمود أحمدي نجاد ذلك بعد انتهاء اجتماعهما معه، ترى لماذا؟.

لم يكن الجلبي عالما فقط بالعديد من كنوز المتحف - بما في ذلك لوحات لبيكاسو ومونيه وجاكسون بولوك واندي وارهول - بل كان يعرف تاجر نيويورك الذي اشترى الكثير منها من أجل فرح بهلوي، زوجة شاه إيران.

كان الجلبي، الذي وافته المنية عن عمر يناهز 71 عاما، متصلا بتراث العراق بشكل كبير. كان يمتلك غنى ثقافيا أكبر من صدام حسين ومقتدى الصدر وتنظيم الدولة الإسلامية.

الجلبي لا يرى تناقضا بين كونه قوميا فخورا بعراقيته، وشيعيا لديه علاقات وثيقة بإيران ولبنان. هذا جعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يكون مفهوما لأولئك الذين يريدون تقسيم العالم إلى أسود وأبيض.

"جاسوس إيراني"

وعندما انقلب عليه الأمريكيون في عام 2004، عن طريق أخبار صحفية في البداية ثم بمداهمة منزله في بغداد، كان هناك ذعر واسع النطاق بأن الجلبي يمتلك مصحفا أهداه إليه آية الله الخميني. وكتبت الصحافة بأن الجلبي جاسوس إيراني.

التقى سميث الجلبي للمرة الأولى عام 1992 في مدينة صلاح الدين شمال العراق، والتي يسيطر عليها الأكراد، في أعقاب حرب عام 1991 بين الولايات المتحدة والعراق. وكان الجلبي قد دخل العراق عبر إيران، حيث اعتقل لفترة وجيزة على الحدود. لكن مع إجراء الأكراد لانتخابات، لم يضيع الجلبي جهدا في الدفاع عن مجموعة عراقية معارضة جديدة لعا علاقة وثيقة بالولايات المتحدة.

وفي عام 1993، ألقى الجلبي محاضرة في كلية الدراسات الأفريقية والشرقية بجامعة لندن، حول أهمية إعادة إرساء سيادة القانون في العراق.

ومثل أي إنسان، كان لأحمد الجلبي أخطاء. حيث تعرضت نصف وسائل الإعلام الأمريكية لصدمة عندما اكتشفت في عام 2004 أن الجلبي كان يقوم منذ فترة طويلة بخداع الولايات المتحدة للإطاحة بصدام، وذلك جزئيا بواسطة مزاعم أن العراق يمتلك "أسلحة دمار شامل".

قد يكون الجلبي صبورا، لكنه كان حكيما في كثير من الأحيان. كانت طريقته تقرب بين الناس.

شكل المؤتمر الوطني العراقي عام 1992، كممثل وحيد للمعارضة يضم وطنيين عراقيين وأكراد ومجموعات شيعية في طهران، بما في ذلك المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق.

وتوسط الجلبي شخصيا خلال الحرب الأهلية بين الفصائل الكردية بين عامي 95-1996. ما وضعه في خطر كبير أحيانا.

ودفع بعض ضباط المؤتمر الوطني العراقي حياتهم عندما هاجمتهم قوات صدام عام 1996 لدعمهم الحزب الديمقراطي الكردي في هذا النضال.

وبعد الاضطرابات في العراق بعيد الغزو عام 2003، تدخل الجلبي في كثير من الأحيان، بما في ذلك مع رجل الدين الشيعي المتشدد مقتدى الصدر.

ورغم أنه لم يتردد في اعتقاده بأن القوة مطلوبة للإطاحة بصدام، فكان الجلبي يفضل حل الخلافات من خلال الحوار. وإذا لم يشغل منصب رئيس للوزراء، فكان منزله في بغداد مقصدا للعديد من الوزراء العراقيين الذين ذهبوا إليه لطلب المشورة بشأن أي شيء بدءا من الروابط العائلية وحتى قضايا النفط والمال.

"معرفة موسوعية"

كان الجبلي يمتلك معرفة موسوعية، وكانت ذاكرته حادة. فبعد كل هذا، حصل هذا الرجل على درجة الدكتوراه في الرياضيات، وبالتحديد الجبر، من جامعة شيكاغو.

كان ذلك إعدادا غير عادي لسياسي عربي جاء من عالم مظلم، وتركت مغامرته المصرفية الكبيرة مع بنك البتراء الأردني، والتي اتهت بانهياره عام 1989 والحكم عليه بالسجن 22 عاما من قبل محكمة عسكرية، تركت مسألة لا تزال بدون حل، حيث نفى الجلبي مرارا تورطه في هذه القضية، بينما يتهمه كثير من المنتقدين بالاحتيال.

لكن المثير للسخرية أن وفاته جاءت في وقت توصل فيه الولايات المتحدة وإيران، رغم خلافاتهما، لاتفاق نووي، لكنما منخرطان في الحرب المدمرة في سوريا.

وكان الجلبي يعلم جيدا أن العراق، حتى قبل سوريا، ضحية للعداء بين واشنطن وطهران.

وأكد الجلبي لسميث في بغداد في يونيو 2004 أنه أوضح دائما للولايات المتحدة بأن ولاءه الأساسي للعراق وليس واشنطن. واستشهد في ذلك بإيران.

وقال الجلبي إنه في حين كان الرئيس جورج بوش قبل عامين يعلن أن إيران "محور الشر"، كان العراق يحتاج لتحقيق علاقات جيدة مع جارته، وتوسيع العلاقات الاقتصادية وإنهاء العداء الذي يعود إلى عهد العثمانيين.

تسبب وفاة الجلبي المفاجئة، بسبب أزمة قلبية، في شعور قوي بالخسارة.

وسيدفن أحمد الجلبي في مقبرة العائلة بمدينة النجف.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان