إعلان

"رحلة ملحمية" لعائلة سورية إلى أمريكا

09:39 ص الخميس 26 نوفمبر 2015

كتبت -هدى الشيمي: 

أجرت مجلة التايم الأمريكية حوارا مع شاب سوري، اصطحب عائلته في رحلة ملحمية امتدت عامين بدأت في درعا، حتى وصلوا إلى دالاس الأمريكية، وقص فيها الشاب حجم المعاناة التي يعيشها السوريين من أجل الحصول على حياة كريمة، تعوضهم عما عاشوه في بلادهم

- البداية: 

كان يسير إلى عمله في موطنه مدينة درعا، شمال سوريا، أول المدن التي بدأت فيها الثورة السورية ضد الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن الآن تحول الأمر من ثورة مدنية إلى لعبة تستخدمها روسيا لصالحها، بعد وفاة العشرات كل يوم بداية من 2013 بعد الحرب الأهلية بين الأسد والمواطنين والمتمردين.

في صباح يوم من شهر مارس الماضي، واجه فايز مجموعة من الجنود في الجيش السوري، كانوا يبحثون عن رجل معه سلاح، ورغبوا في احتجازه برفقة ثلاث أشخاص آخرين، بعد اتهامهم بأنهم إرهابيين، وقف فايز في نقطة تفتيش رافعا يده في الهواء، ويشعر بالغضب الشديد لسيره وحده في الشارع حتى العمل، قائلا "شعرت بالموت يسير خلفي، ولكننا قبلناه".

لعب الحظ دور كبير في انقاذ فايز من مصير وحشي، ففي تلك اللحظة جاءت امرأة، وطالبت الجنود بترك الشباب، فكان بينهم ابنها، وابن اخيها، وجارها، فاستجابوا لها وتركوهم، يقول فايز إنه لم يرَ هذه السيدة من قبل، ولكنها انقذت حياته، فعاد لمنزله ولم يذهب لعمله وقرر أن يغادر سوريا، فتحدث لزوجته، وأخبر أمه، ثم استطاع العثور على مهربين عبر الانترنت، ليساعدوه على الانتقال إلى الأردن، ولمرة ثانية لعب الحظ دورا هاما، حيث عرض عليه الانتقال عبر سيارة خاصة هو وزوجته إلى الحدود في اليوم المقبل، فجمعوا ملابسهم، وصور زفافهم، وبعض الأموال، في حقائب، وفي صباح اليوم التالي، خرجوا من منزلهم تاركين كل شيء ورائهم.

- أزمة عالمية: 

الآن فايز يعد واحد من اللاجئين المحظوظين الذين استطاعوا ضمان حياة ومستقبل جديد في الولايات المتحدة الأمريكية، ويروي فايز الحياة الملحمية التي عاشها لعامين، بعد حياتهم على غرفة صغيرة في دالاس بأمريكا، زوجته شذا، 28 عاما، تعد قهوة عربية في المطبخ، وبناتهم شام عامين، وسارة 4 أشهر، الحاصلة على الجنسية الأمريكية مؤخرا تلعبان.

وصلت العائلة لدالاس منذ تسعة أشهر، يحاولون تأسيس حياتهم، ففايز وشذى يستطيعان تحدث الانجليزية، ولديه الآن وظيفة ثابتة، ولديهم شقة جديدة، وسيارة مستعملة، ومع ذلك هناك نبرة حزن في صوت فايز، وقال إن مجلس النواب الأمريكي صوت بتشديد الرقابة على برنامج إعادة توطين اللاجئين السوريين في أمريكا، مما دفع كبار المسئولين في الحكومة للبحث عن كل لاجئ جديد، والتأكد من عدم تشكيله أي تهديد أمني، وزاد الأمر صعوبة كثرة الحوادث التي يزعمون أن السوريين يتورطون فيها، ومن بينها العثور على جواز سفر سوري بجانب أحد منفذي هجوم باريس، وعلى الرغم من التأكيد على عدم تورطه في الحادث، إلا أن الوضع باقٍ كما هو عليه.

بحسب الاحصائيات التي أجريت مؤخرا بعد تفجيرات باريس، فإن أغلب الأمريكان لا يرغبون في تواجد اللاجئين ببلدهم، فبعد يومين من حوار فايز مع مجلة "التايم"، قامت مجموعة ملثمين وغير ملثمين أمريكيين بمظاهرات رافضين وجود اللاجئين في بلدهم، وعلق فايز على ذلك قائلا "الأمر صدمني، لأن أمريكا تعرف نفسها دائما بالتنوع، وما يراه العالم الآن، غير صحيح، فهذه معلومات خاطئة، ما يجرى في سوريا الآن لا يعرفه البعض، أو يجعله"، مشيرا إلى أن أكثر من نصف سكان سوريا، أي حوالي 22 مليون نسمة تشتت من سوريا بعد الحرب بين بشار الأسد، والمتطرفين في داعش، كما قتل حوالي 300 ألف شخص، وخرج أكثر من 4 مليون نسمة من بلادهم، فمنهم من يلقى نفسه وعائلته في البحر الأبيض المتوسط، أو يقوم برحلة خطرة عبر البلقان.

- الخروج: 

يرى فايز أن رحلته كانت أقل صعوبة من الرحلات التي يقوم بها اللاجئين السوريين، والتي بدأت بعد 90 دقيقة في سيارة أحد المهربين، انتقل هو وزوجته عبر الأحياء المجاورة المشتعل فيها الحرب، ويقول "كنا نعلم أننا سنموت في أي لحظة"، ولكنهم عثروا على الشاحنة التي نقلتهم عبر الحدود الأردنية، برفقة الكثير من الأسر النازحة، طالبة الأمان، وبعد يومين وصلوا لمخيم الزعتري، والذي يضم حوالي 80 ألف شخص، وتعاني هذه المنطقة من العنف والاغتصاب.

تزداد الأزمة، ويعاني الكثير من اللاجئين في هذا المخيم، منتظرين مساعدات الأمم المتحدة، وإعادة توطينهم.

وبالترتيب مع عائلة شذا، تمكنا من الخروج من الأردن، وكانت السويد أول خيار لهما، وذلك للدور الكبير للسويد في أزمة اللاجئين حيث استطاعت توفير ملاذ للكثير من اللاجئين منذ عام 2013، إلا أن الوضع تغير الآن مع الضغوط الكثير التي تمر بها الدول الأوروبية، وعلمت العائلة أن السويد لن تستقبل المزيد من اللاجئين، لذلك قرروا الذهاب لفنلندا، وكان فايز متحمس للسفر بعد عامين قضاهم في الحضيض، فالحياة في الأردن كئيبة، السكان غير ودودين، ولا يوجد لديهم فرصة للعمل، ويحصلون على أجور متدنية كثيرا، ولم تصل المساعدات التي وعدت بها الأمم المتحدة، ويقول فايز "حياتي كانت صعبة"، ومع ذلك لم يتمكنا من الذهاب لفنلندا، ولكنهم تمكنا من الذهاب إلى أمريكا.

يشير فايز إلى أنه لم يكن متحمسا للذهاب لأمريكا في البداية، لأنها كانت بعيدة تماما عن حياته القديمة، حيث كان يشعر أنه غير مهيأ لتحدي مثل ذهابه لهناك، مع لغته الانجليزية البسيطة، ومبلع بسيط من المال، وفي النهاية تركوا بلادهم من أجل الذهاب إلى تكساس في فبراير، وكانوا ثلاثة أفراد، بعد انجاب ابنتهم الأولى في الأردن.

- رحلة التأقلم: 

وصلت العائلة لدالاس في منتصف الليل بيوم في 18 فبراير، وكانوا متوترين وخجولين في البداية، وكانت مرحلة الانتقال صعبة جدا، وعلى الرغم من ذلك استطاعت شذا التعلم اللغة الانجليزية بسهولة، ويقول فايز "هناك الكثير من الفرص المتاحة للعمل، وفكرة المساواة حقيقة بالفعل وليست مجرد كلام"، مشيرا إلى عمله وحصوله على 1300 دولار شهريا، وحصوله على منزل محترم في حي أمن، وحصوله على شاشة تليفزيون مسطحة، واستلامه هدية عبارة عن لوحة كتب عليها "لا إله الله الله"، وأصبح له اصدقاء الآن مع عائلات وجاليات مهاجرة أيضا.

وعندما سأل المحرر فايز عن رغبته أو رسالته التي يرغب في توصيلها للعالم، قال "هي رسالة بسيطة، فأنا أريد منهم أن يعلموا أن الشعب السوري ليس إرهابي، فنحن ضد داعش، ولا نؤيدهم، فهي منظمة اجرامية، والمواطنين السوريين يدفعون الثمن".

فيديو قد يعجبك: