قصة الأربعة الذين مهدوا لقتل أسامة بن لادن
كتب - سامي مجدي:
لم تكتمل قصة مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن حتى الآن، فكل يوم تتكشف زوايا وخيوط جديدة وراء تلك الواقعة التي اعتبرها الرئيس الأمريكي باراك أوباما انتصارًا لإدارته واتخذها عنصرا رئيسيًا في حملته لفترة رئاسية ثانية.
فعلى الرغم من مرور أكثر من أربع سنوات على مقتل بن لادن في مايو 2011 في مدينة أبوت آباد الباكستانية على أيدي ستة من عناصر فرقة سيل التابعة لمشاة البحرية الأمريكية، إلا أن صحيفة نيويورك تايمز كشفت في تحقيق نشرته يوم الأربعاء الماضي عن أن الإدارة الأمريكية ظلت تبحث وتدرس مدى قانونية "مقتل" أو "أسر" بن لادن، حتى تجهز أجوبة لأسئلة محتملة قد تواجهها بعد إتمام العملية، حتى مدى قانونية دفن جثته.
قتل أم آسر
تقول نيويورك تايمز إنه قبل أسبوعين من أوامر أوباما بمداهمة المجمع السكني الذي كان به بن لادن، عكف أربعة محامين تابعين لإدارته على تطوير مبررات صُممت لاجتياز أية عوائق قانونية، وقدموا المبررات لكي يجعلوا من قتل بن لادن وليس أسره أمرًا لا مفر منه.
وتُضيف الصحيفة أنه امتدادًا لسوابق متفرقة، عمل المحامون بسرية شديدة. فالبيت الأبيض -خوفًا من التسريبات- لم يدعهم يتشاورون مع مساعدين أو حتى أعلى القانونيين في الإدارة، على رأسهم المدعي العام (وزير العدل) إريك هولدر. فقد قاموا بأبحاثهم وحدهم وكتبوا مذكراتهم على أجهزة حاسب آلي محمولة عالية التأمين، وتبادلوا المسودات باليد أو عبر سٌعاة على قدر عالٍ من الثقة.
وقبل أيام قليلة من مداهمة المجمع السكني، صاغ المحامون خمس مذكرات سرية، بحيث إذا تم الضغط عليهم لاحقا، فيمكنهم إثبات إنهم لم يخترعوا أسبابًا بعد ظهور الحقيقة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين -على دراية بالمداولات الداخلية- قول ستيفن دبليو برستون، المستشار العام لوكالة الاستخبارات المركزية (سي أي ايه) أنه "يجب أن نقدم مبرراتنا لأنه قد يتم استدعائنا لتوضيح استنتاجاتنا القانونية خاصة إذا مضت العملية على نحو سيء".
وتقول الصحيفة إنه في الوقت الذي تم التدقيق كثيرا في عملية بن لادن، فإن قصة كيف ساعد فريق صغير من محاميي الحكومة في تشكيل وتبرير قرار أوباما عالي الخطورة الذي لم يكن تم إخبارهم به من قبل. وعملت المجموعة، فيما قام مسؤولون عسكريون وفي الاستخبارات بجهد متواز لاستكشاف الخيارات وإعداد أعضاء فريق سيل الستة للمهمة المحتملة.
"مهمة مستحيلة"
من اليسار، ستيفن برستون، وماري دي روزا، الأدميرال جيمس كراوفورد الثالث، وجيه جونسون.
ووفر التحليل القانوني للإدارة مرونة واسعة لإرسال قوات برية إلى الأراضي الباكستانية دون موافقة البلاد، ليأذن لهم صراحة بمهمة قاتلة، وتأخير إبلاغ الكونجرس حتى إلى بعد إتمام العملية، ولدفن العدو في وقت الحرب في البحر. وقال أحد المسؤولين إن المحامين استنتجوا في نهاية المطاف أن هناك "سلطة واسعة واضحة لاستعمال القوة القاتلة بموجب القانون الأمريكي والقانون الدولي".
وفي وقت لاحق اعترض بعض الباحثين القانونيين لكن الانتقادات كانت فاترة بعد نجاح العملية. بيد أن محاميي الإدارة لم يعلموا في ذلك الوقت كيف مضت الأمور؟، وواجهوا "مهمة لا يحسدون عليها" لـ "لحل مجموعة من القضايا القانونية الحساسة دون أي تشاور مع زملاء"، وفقًا لروبرت تشيسني، أستاذ القانون في جامعة تكساس الذي عمل في وزارة العدل الأمريكية.
وقال تشيسني "المداهمة المقترحة تطلبت أجوبة على العديد من الأسئلة القانونية الصعبة، بعضها كان جديد تماما على الرغم من النزاع مع القاعدة المستمر منذ عقد".
والقانونيون الأربعة هم تشيسني؛ وماري بي دي روزا، المستشارة القانونية لمجلس الأمن القومي؛ وجيه سي جونسون، المستشار العام للبنتاجون؛ والأدميرال جيمس دبليو كرافورد الثالث، المستشار القانوني لهيئة الأركان المشتركة وقتها.
وتقول نيويورك تايمز إن رواية دور القانونيين الأربعة مبنية على مقابلات مع أكثر من ستة مسؤولين حاليين وسابقين في إدارة أوباما على دراية مباشرة بالتخطيط للعملية. وتضيف إنه في الوقت الذي ذكرت بعض المبررات الحكومية من قبل، قدم المسؤولون رؤية وتفاصيل جديدة حول عملية اتخاذ القرار وتحليلها في إدارة أوباما.
ووصف المسؤولون المبررات والمذكرات القانونية السرية في كتاب ينشر قريبا حول السياسة القانونية للأمن القومي تحت إدارة أوباما. وتحدث معظمهم شريطة عدم كشف هوياتهم بسبب سرية المحادثات.
"السر الأكبر"
اوباما وكبار معاونيه يتابعون عملية قتل بن لادن من البيت الابيض
وقال ميشيل جي فيكرز، وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات، لجونسون "أنا على وشك اطلاعك على أكبر سر في واشنطن".
كان الوقت 24 مارس 2011، قبل نحو خمسة أسابيع من المداهمة. وقال المسؤولون إن برستون ودي روزا زارا البنتاجون للقاء جونسون والأدميرال كرافورد، أعلى قانونيين في الجيش الأمريكي وقتها.
وشكل الزائرون ما قالوا إنه كان سؤالا افتراضيا: "افترضوا أننا عثرنا على هدف عالي القيمة. ما القضايا التي سوف تثار؟"
وكان هناك افتراضا أن يتم اسره. وقال جونسون إنه اقترح نقله إلى معتقل غوانتانامو، وهو استثناء بالنسبة لسياسة أوباما بعدم اعتقال أحد هناك.
لكن الحديث كان بالضرورة غامضا، تقول نيويورك تايمز. وكان محامو البنتاجون بحاجة إلى معرفة السر إذا كانوا سوف يقدموا مساعدة، على ما قال برستون لدي روزا بعد ذلك.
حتى ذلك الحين، تقول نيويورك تايمز، كان اثنان منهم يعلمان منذ ستة أشهر بأن سي أي ايه تعتقد أنها قد تكون عثرت على مخبأ بن لادن: وهو مجمع سكني في أبوت أباد، بلدة عسكرية في شمال شرق باكستان. وفي بادئ الأمر ركز صناع السياسة على محاولة العثور على المزيد من المعلومات حول من بداخل المجمع. وبحلول ربيع 2011، تحولوا إلى مسارات عمل ممكنة، وأثاروا القضايا القانونية. وحينها سمح توماس دونيلون، مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما، بأن يتم إبلاغ اثنين من محاميي الجيش الأمريكي.
تفجير المجمع
أحد المقترحات التي درسها أوباما – وذكر من قبل حسبما قالت الصحيفة – كان تدمير المجمع بالقنابل القادرة على الوصول إلى أنفاق تحته وتدميرها. وهذا كان سيؤدي إلى مقتل عشرات المدنيين في الحي. لكن المسؤولين كشفوا أن المحامين مستعدين لحساب مدى مشروعية الأضرار القانونية، وفقا للظروف المحيطة. وقال دونيلون إن فريق أوباما لمراجعة العوامل القانونية اشتبك مع الاهتمامات السياسية حول حكمة هذا الخيار.
وقال دونيلون "الأمر ليس فقط أن يقتل أشخاص غير مقاتلين في المجمع، لكن قد يكون هناك أبرياء. وكان ذلك عاملا رئيسيا في اتخاذ قرار"، عدم تفجيره بالقنابل.
وقدم برستون إيجازًا على مستوى مجلس الوزراء الامريكي في 12 أبريل، وتداول مجلس الأمن القومي بشأن ذلك وبشأن خيارين اخرين – هجوم دقيق بطائرة من دون طيار، والتي قد تخطأ هدفها، أو قوات أمريكية تداهم المجمع وتتحمل المخاطر. وتم إحاطة قلة من المحامين الاخرين بالسر. غير أن كبار قانونيي البيت الأبيض ووزارتا العدل والخارجية لم يعلموا بالأمر.
وفي 28 أيريل 2011، قبل أسبوع من العملية، اقترح مايكل ليتر مدير المركز القومي لمكافحة الإرهاب، إخبار هولدر على الأقل. وقال لدي روزا "أعتقد أن المدعي العام يجب أن يكون هنا، حتى نتأكد فقط".
لكن دونيلون قرر أنه لا حاجة لأن يعرف المدعي العام. وعلم هولدر قبل يوم واحد من العملية؛ بعد إيجاد اجابات للأسئلة القانونية بوقت طويل.
وقالت الصحيفة إن المحامين الأربعة تشاوروا في مكالمات جماعية وتوقفوا في مكتب دي روزا بعد اجتماعات غير ذات صلة. ولم يعطوا أي تلميح لزملائهم بأن كل شيء كان على قدم وساق. ومع اقتراب الموعد المحتمل للعملية، بدى برستون متوترا واقترح كتابة المذكرات.
ووفقا للصحيفة، كتب جونسون مذكرة عن انتهاك السيادة الباكستانية. فعندما لا تكون أي دولتين في حالة حرب، فإن القانون الدولي يمنع بشكل عام أن تستخدم أحدهما القوة على تربة الأخرى دون موافقتها.
ويبدو من هذا أن على الولايات المتحدة أن تطلب من الحكومة الباكستانية القبض على بن لادن بنفسها أو السماح بعملية دهم أمريكية. لكن الإدارة خافت من احتمالية ان تنكر الاستخبارات الباكستانية وجود بن لادن؛ وذهبوا إلى أن طلب المساعدة من باكستان ربما يجعلها تمكنه من الهرب.
وقرر المحامون أن التوغل العسكري من جانب واحد سوف يكون قانونيا لأن هناك استثناء متنازع عليه بشأن السيادة في حالات تكون فيها الحكومات "غير مستعدة أو غير قادرة" على منع تهديد للأخرين ينبثق من أراضيها.
واستدعاء هذا الاستثناء كان امتدادا قانونيا، لسبيين. فكثير من الدول لم تقبل بشرعيته. ولم يكن هناك سابقة لتطبيقه، خاصة في ظل أن باكستان ساعدت الولايات المتحدة من قبل أو أعطت موافقتها على عمليات أخرى لمكافحة الإرهاب. لكن نظرا للمخاوف التي تمت إثارتها حال تم إخبار باكستان، استدعى المحامون الاستثناء.
"ورقة رابحة"
كما كانت هناك ورقة رابحة. ففيما اعتقد المحامون أن أوباما ملزم بإطاعة القانون الداخلي، اعتقدوا أيضا أنه يمكن أن يقرر انتهاك القانون الدولي لإجازة تحرك "سري"، بحسب مسؤولين.
وإذا نال أفراد سيل من بن لادن، كانت إدارة أوباما سترفع السرية عن العملية وتسوق للإنجاز بشكل كبير. لكن إذا وجدت أن مؤسس وزعيم القاعدة ليس في المجمع، كان بعض المسؤولين يعتقدون أن عناصر سيل قد يتمكنوا من التراجع، بما يسمح للولايات المتحدة أن تزعم أن المداهمة لم تحدث على الإطلاق.
وكتب برستون مذكرة حدد فيها متى على الإدارة أن تبلغ قادة الكونجرس بموجب قانون ينظم العمليات السرية. وبالنظر إلى الظروف المحيطة سوف تبرر، قانونا، تأخر إبلاغ الكونجرس حتى لما بعد العملية، حسبما قرر المحامون، الذين علموا بعد ذلك أن مدير سي أي ايه ليون بانيتا أبلغ بالفعل العديد من كبار أعضاء الكونجرس دون إذن من البيت الأبيض.
واشتبك المحامون أيضا مع ما إن كان قانونيا أن تمضي فرقة سيل بنية قتل بن لادن كخيار افتراضي. ووافقوا على أن ذلك سيكون قانونيا، في مذكرة كتبتها دي روزا. في وقت لاحق، أمر أوباما صراحة بمهمة قتل بن لادن، حسبما قال المسؤولون.
وتوقعت فرقة سيل أن تواجه مقاومة وأنها سوف تمضي في إطلاق النار، معتمدة على تفويض من الكونجرس باستخدام القوة العسكرية ضد الجناة في هجمات 11 سبتمبر.
وحذر المحامون من أن قانون الحرب يتطلب قبول أي عرض استسلام، وهو أمر كان من المعقول قبوله. لكنهم أيضا كانوا على علم بأن قواعد الاشتباك العسكرية في مثل هذا الوضع ضيقة التعريف حتى يمكن التعويل عليها. وبحثوا الأوضاع الممكنة حول قانونية إطلاق النار على بن لادن حتى إذا أظهر الاستسلام – على سبيل المثال، إذا أطلق مسلحون بجواره النار من أسلحتهم، أو إذا كان بن لادن يخفي حزاما ناسفا تحت ملابسه، وفقا لما قاله المسؤولون.
وتذكر مات بيسونتي، أحد أفراد فرقة سيل الذي شارك في العملية، مذكراته في 2012 "لا يوم سهل"، حيث قال إن أحد المحامين في واشنطن، قال لهم أثناء استعداداتهم، "إذا كان (بن لادن) عاريا ويديه مرفوعتان لأعلى، لا تشتبكوا معه".
واختلف بيسونتي وروبرت أونيل، الذي شارك في العملية أيضا، حول من يطلق الرصاصة القاتلة على بن لادن. لكن النقطة الرئيسة التي اتفقوا عليها: هي أن بن لادن في لحظاته الأخيرة، لم يقاوم أبدا أو حتى استسلم.
وكتبت دي روزا مذكرة حول خطط لاحتجاز بن لادن حال اسره. لكن في إشارة إلى عدم وجود توقع يذكر لإبقائه حيا، لم تتخذ الإدارة الأمريكية قرارات صعبة. وكانت الخطة تقتضي نقله إلى سجن في سفينة حربية لاستجوابه ثم تحديد كيفية المضي قدما بعد ذلك. ودرس المحامون أيضا كتابة مذكرة تصف تحليلهم السابق حول ما يتم فعله مع أي سجناء أحياء يتم اخذهم من المجمع، لكنهم لم يكتبوها بسبب أن الخطة النهائية لم تطلب من فرقة سيل المغادرة بأي شخص آخر.
"لا أضرحة"
وكان السؤال القانوني الأخير هو ما إن كانت الولايات المتحدة يمكن أن تدفن بن لادن في البحر، حتى تتفادي عمل ضريح محتمل، لدفن بن لادن.
وتطلب اتفاقيات جينيف دفن قتلى الأعداء في المعارك "إن أمكن"، وفقا لدياناتهم – الأمر الذ يتطلب دفن بن لادن في الأرض ووجه نحو الكعبة المشرفة – وفي قبور عليها شواهد. لكن هناك بعض الكتابات الدينية تسمح بدفن الموتى في البحر خلال الرحلات. وركزت مذكرة الدفن، التي سلمها الأدميرال كراوفورد، على هذا الاستثناء؛ ففي النهاية، الدفن في البحر مقبول من الناحية الدينية حال الضرورة، وليس تدنيسًا، وفقا للمذكرة التي كتبها كراوفورد.
وقرر المحامون أن السعودية، موطن بن لادن، لابد أن تطلب رفاته. وإذا لم تفعل، فإن الدفن في البحر سوف يكون مسموحا. وكما كان متوقعا، رفض السعوديون، على ما قال المسؤولون.
ويوم الأحد، 1 مايو 2011، يوم العملية، استيقظ جونسون مبكرا، وأخبر زوجته أنه ذاهب إلى مكتبه. وشارك في قداس في الكنسية. وحضر الأدميرال كراوفورد قداسا في أبرشيته الكاثوليكية. وتواجد هو وجونسون في مركز عمليات في وزارة الدفاع.
أما برنستون فأخذ فرشاة أسنانه وبدل ملابسه، حتى يمكنه قضاء الليل في مقر وكالة الاستخبارات المركزية إذا انحرفت العملية عن مسارها المحدد. وانضم إلى بانيتا في غرفة مؤتمرات المدير، التي تحولت بعد ذلك إلى مركز قيادة. وذهبت دي روزا إلى البيت الأبيض.
ومع وصول فرقة السيل إلى المجمع في باكستان، دخل أوباما إلى غرفة جلوس صغيرة، بالقرب من غرفة العمليات لمراقبة البث الحي عبر الفيديو. وتبعه معظم كبار المسؤولين في فريقه، كما ظهروا في الصورة الشهيرة.
ولم يكن المحامون الأربعة الذين مهدوا الطريق أمام العملية في كادر الصورة.
فيديو قد يعجبك: