"دماء الحروب تكسو القمر"..قصة عائلة عراقية شردتها الحرب
كتبت- هدى الشيمي:
نشرت صحيفة نيويورك تايمز قصة حقيقية لسيدة عراقية فرت برفقة عائلتها منذ فترة إلى أمريكا، تاركين عائلاتهم في العراق يعانون من الفوضى والدمار، من وراء أفعال التنظيمات المتطرفة، والحكومة غير المستقرة، ثم غارات التحالف الجوي الذي تقوده أمريكا:
"سقطت صواريخ من السماء على منزل أحد أقارب زوجي، في ليلة 21 سبتمبر في الموصل بالعراق، مما تسبب في مقتل أربعة أبرياء فورا، وتشويه أخرين، أثر ذلك الهجوم على العائلة كلها، وحتى أسرتي في ولاية كونيتيكت.
التحالف الجوي الذي تقوده أمريكا لم يستهدف بتلك الغارة معسكر لتخزين الأسلحة خاص بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، فحتى الآن ما تزال المناطق الخاصة بهم في الموصل، ومنازل الحكومة التي استولوا عليها منذ شهر يناير لم تمس بأي ضرر، عوضا عن ذلك، قتل اقارب زوجي، محمد ريزو، الاستاذ الجامعي، وابنه نجيب، سبعة عشر عاما، وراعيهم الألماني.
لم تقتل الغارة سناء زوجة محمد، ولكنها خرجت منها تجري جسدها محترق، أما باسم شقيق محمد الأكبر فنجا أيضا ولكن بكسر في الحوض والساق يحتاج لعملية فورا، أما زوجته ميادة وابنتهما تقى لم يتمكنا من الخروج سالمين.
لاحقا أصيب ابوي باسم الكبار في السن بصدمة نفسية، فيمران بحالة من الأسى والحزن، ولا يتناولان الطعام، ويرفضان ممارسة حياتهما الطبيعية، أما الأطفال الأكبر سنا، عبد الله وأية ويحيي، فآلامهما النفسية أكبر من أي شيء، فعلى الرغم من انتقالهما لمنطقة أكثر أمانا خارج الموصل العام الماضي، إلا أنهم مثل عائلتي ممنوعين من حضور الجنازات، أو يبذلون مجهودا كبيرا محاولين استيعاب ما يحدث في وطنهم، وفهم ما الذي يدفع أي جهة على قصف المناطق المأهولة بالسكان العزل.
أتوق لرؤية داعش خاسرة، ولكني اتساءل أيضا هل أفقدنا غضبنا الشديد منها القدرة على التوقف عن قتل أي شخص، حتى الأبرياء الموجودين في المناطق التي تسيطر عليها.
يشار إلى المتوفيين من المدنيين العراقيين بالأضرار الجانبية للحرب، ولكن مع التغطية الإعلامية العربية، والصمت الصحفي الأجنبي عما يحدث، فنرى أن وفاة احبائنا كل يوم في العراق، لم يحقق حتى المكاسب التي رغب هؤلاء في تحقيقها، ففي النهاية يحسبهم المسئولين من بين جثث مقاتلي داعش، فلا يوجد حتى الآن سوى صحفي واحد اعتبر ما حدث خسارة فادحة في الغارة الأخيرة على الموصل.
أريد أن يٌكرموا، ويتعاملوا مع وفاتهم بطريقة أفضل من ذلك، وأن تعلن الجهة المسئولة أنهم مسلمين مدنيين قتلوا جراء الغارة، وليسوا مقاتلين لدى داعش، وأعلم أن هذا ليس له فائدة، ولن يعيدهم للحياة مرة أخرى.
زرت منازلهم ذات يوم، والتي دمرت عن طريق الخطأ بعد الغارة الجوية، فحياتهم كانت مليئة بالحب، والضحك، وقراءة الكتب المختلفة، تنبعث من المنزل روائح الطعام الشهي، تطير الستائر البيضاء لتكشف عن وميض ذلك الرخام الأبيض، والآن أرسلوا لي صورة حديثة للمنزل، ولكنه لم يكن إلا أنقاض لا يمكن التعرف عليها.
كمسلمة، أرى كل شيء يحدث في السماء أو الأرض انعكاسا لشيء أخر يحدث، وأثناء جلوسي على مقعد الطائرة وأبني على قدمي، نظرت إلى السماء لأجد القمر كامل مكتمل، تحول من لونه الأبيض إلى الأحمر، أنه اكتسب حمرته من غبار أرض بلادي، المشبع بالدماء.
صلاة الجنازة في الإسلام عبارة عن تأكيد المسلمين على استيعابهم الكامل بأننا إلى الله وإنا إليه راجعون، فنحن نؤمن بأن الله خلق كل شيء، وأنه قادر على كل شيء، مؤمنين بالقضاء والقدر، ومع ذلك هناك من يسخر منا، ويرفض تلك الاعتقادات، مبررا ذلك بأنها تنفي الإرادة الحرة للإنسان، إلا أن ذلك غير صحيح فالمسلمين حاربوا من أجل تحقيق العدل والعدالة طوال الوقت، مع علمنا أنه لا عدالة في هذه الدنيا، ولا يوجد من هو أعدل من الله.
فنحن نتشبث بالحياة مع علمنا أن الموت أمر لا مفر منه، ومسألة وفاة مجموعة من أفراد عائلتي بمشيئة الله، وبقاء بعضهم على قيد الحياة بإرادته أيضا، لا تعذر هؤلاء الذين يرتكبون جرائم مروعة بحق الإنسانية، فتلك الغارات أعمال وحشية، ولا يمحو اخطائهم.
وبوصولنا إلى منزلنا سالمين في ضوء القمر الكامل، شعرت بالامتنان الشديد لوصول عائلتي بسلام إلى المنزل، وكنت واثقة إني سأعيش لفترة تكفي لرؤية المزيد من الأقمار الكاملة".
فيديو قد يعجبك: