كيف غيرت "طالبان" استراتيجيتها للسيطرة على "قندوز"؟
كتبت – أماني بهجت:
استطاعت حركة طالبان الأفغانية السيطرة على مدينة "قندوز" في عدة ساعات يوم الاثنين الماضي، ومن ذلك الوقت خرجت العديد من التصريحات من الجيش الأفغاني باستعادة السيطرة على المدينة إلا أن حركة طالبان لم تقوم بالرد على أي من هذه التصريحات لا بنفيها أو تأكيدها.
ووفقًا لـصحيفة نيويورك تايمز، فإن طالبان طورت منظورًا جديدًا للحكم والسيطرة، أحدهم تتضمن المرونة ومدخلات محلية. حتى أنها سمحت للفتيات الالتحاق بالتعليم، بل وتوزيع الاحتياجات المدرسية على الطلاب، -تغير ملحوظ بالنسبة لمجموعة عُرفت بتدميرها للمدارس.
عبيد الله، قاضي تابع لطالبان يبلغ من العمر 27 عامًا، تقع محكمته في شرق قندوز، في مقابلة معه في يونيو، وصف بأن أحكام طالبان أصبحت أكثر رحمة وليونة التي لم تعد تعتمد على العقاب الجسماني لمين يستمع إلى الموسيقى عن طريق حلقهم لشعره بالكامل.
"عقليتنا تغيرت"، يقول عبيد الله في مقابلة أثناء وجوده في السجن بعد القبض عليه، "لقد أدركنا أن الأحكام الصارمة لن تؤدي إلى النحاج، فتغيرنا".
انسحبت طالبان من مناطق البشتن لطالح أعضائها، لكن في الشمال في السنوات الماضية لعبت بدهاء على تجنيد قادة مهمشون من العِرقيات المختلفة. في بعض الأوقات على سبيل المثال تقوم بدعم قبيلة من التاجيك في خلاف على أموال ضد الأوزبك الأكثر قوة. على صعيد أخى، قامت طالبان بإعطاء أوامر للمسلحين الأوزبك من الدول المجاورة بالتحرك لشمال أفغانستان وبدأ هجماتهم، مما جرّ الأوزبك لقضيتهم.
"أنا من الهزارة"، أحد قادة طالبان في عملية قندوز، محمد الله سادات، في مكالمة تليفونية، عرّف نفسه على أنه فرد من طائفة عانت من الاضطهاد على يد البتشن. "كلنا نقاتل جنبًا إلى جنب تحت راية واحدة، وهي الإسلام. نحن نحارب من أجل الإسلام وليس طائفة".
حتى التركمان، واحدة من أصغر الطوائف الأفغانية وأكثرهم تهميشًا، بدأت في الانضمام لطالبان بأرقام كبيرة في الأربع سنوات الماضية في المقاطعات في الشمال. كان قرارًا جماعيًا حيث أنهم غير راضون عن تمثيلهم في الحكومة، يقول نزار الله تركمان، أحد أعضاء البرلمان.
التعبير الشعبي لدى الأفغان عمن يذهب وينضم لطالبان "أنه ذهب للجبال"، دليل على التمرد وأنه قد أخرج نفسه من عالم الحكومة.
على مر السنوات الماضية، الأمل في الحكومة وأمراء الحرب المتحالفين مع الحكومة، لم يكن قويًا وقد اختفى سريعًا.
المسلحون وقوت الشرطة الأفغانية المحلية المدربة على يد القوات الخاصة الأمريكية كان غير جديريين بالثقة إلى حد كبير. ارتكبوا العديد من الجرائم بين اغتصاب وسرقات وابتزاز للفلاحين من أجل توفير حماية لهم. ولكن تم تجاهل شكاوى الناس واعتراضاتهم لأن مرتكبو هذه الجرائم مدعومون من قريين من الحكومة.
في خان آباد، مقاطعة في جنوب قندوز، على سبيل المثال، اشتكى السكان من المليشيات المحلية التي بدورها تعد أسوء من طالبان، حيث أن طالبان تأخذ أموالًا مرة واحدة على كل حصاد، في حين أن المليشيات متعددة وكل واحدة منهم تطلب حصتها على حدى.
بمرور الوقت، قام المتمردون بعمل كردون حول قندوز حتى أصبح الخناق يزداد. في العام الماضي أصبحت المدينة تحت الحصار حتى أن رجال الشرطة توقفوا عن ركوب سيارات تابعة للحكومة خوفًا من أن يقوم مسلحو طالبان بإلقاء القنابل المغناطيسية عليهم.
على الرغم من أن ناقوس الخطر قد على في قندوز، كانت هناك صورة أكثر رعبًا: ليس فقط في الشمال وإنما حول المدينة أيضًا، هجمات ممنهجة على قوات الشرطة الأفغانية -التي لم تعد تعتمد على الدعم الأمريكي طوال الوقت- قد وصلت أرقامًا قياسية.
وُصِفّت أعداد الضحايا من الشرطة من قِبل المسئولين الأمريكيين والأفغان أنها دليل راسخ على أن قوات الشرطة الأفغانية تقاتل بضراوة. لكن المسئولين في مناطق مثل مقاطعة هلمند في الجنوب، وفي قندوز أيضًا، حيث كانت الروح المعنوية سيئة للغاية، وتردد لقوات الشرطة وهروب لرجال الأمن من مواقعهم.
في بعض الأحيان، لم يتعين على طالبان قتل رجال الشرطة للمضي قدمًا في طريقهم.
في فبراير من هذا العام، قالت هيئة الاستخبارات الأفغانية، ومديرية الأمن الوطني أنهم يحققون في شأن تعاون مجموعة من رجال الشرطة في قندوز مع طالبان، وفي بعض الأوقات بيع الذخيرة لهم.
ومع تصاعد الهجمات هذا العام، أفاد مواطنون ومسئولون أن طالبان لديها مقاتلين في الشمال أكثر من الأعوام الماضية. بعض منهم يقال أنهم من مجموعة تم تجنيدها محليًا ضمن مجموعات من طوائف مختلفة.
بدأ مئات من المتمردين الوصول من الجنوب، مدعين أنهم عمال مهاجرون لموسم حصاد الافيون/الخشخاش، وفقًا لمسئولين. وأفادت تقارير أن مزيد من المقاتلين الأجانب تسللوا من باكستان.
"قندوز كانت هدفهم منذ البداية"، يقول عبد الله عبد الله، قائد حكومة الواحدة في كابول مع الرئيس أشرف غاني، في مقابلة معه يوم الأربعاء الماضي.
"الإرهابيون الأجانب –بعض التاجيك، والأزبك، والشيشان- قاموا بالوصول لقندوز" يضيف عبد الله، ويكمل حديثه "في هذا الوقت، قندوز كان بقعة ساخنة. لكننا علمنا ما كان سيحدث، لأن هذه المجموعات الإرهابية قد وجدت طريقها".
بحلول الربيع، كانت طالبان فد بدأت باختبار مدينة قندوز نفسها، معظمهم قادم من شهار دارا، مقاطعة تقع غرب قندوز. "التفوا حول المدينة لكن تم إيقافهم –أو فضلوا الوقوف قبل الوصول لقلب المدينة" يشير توماس روتنج، مساعد مدير شبكة التحليلات الأفغانية، مؤسسة بحثية ومركز تفكير.
كان أمر في منتهى الذكاء. في بعض النقاط حيث كان القتال خارج مدينة قندوز خطر لدرجة تجعل مسئولو المقاطفعة يحذرون من انهيار وشيك، وبدأت الحكومة الوطنية في كابول باستدعاء قادة المليشيات للدفاع عن المدينة.
لكن بعد ذلك بدا وأن طالبان تنسحب، ومع خفوت الهجمات لعدة أشهر.
"لست متأكدًا إذا ما كانوا قد أرادوا الوصول للمدينة أو التوقف والتوغل في الضواحي، لكن هذا ما فعلوه وكانت هذه هي القاعدة التي شنوا منها هجماتهم"، يقول روتنج.
طوال ذاك الوقت، كانت سلطات المقاطعات قد حذرت حكزمة كابول بأن المقاطعات على وشك الانهيار، بالرغم من وجود أعداد كبيرة من القوات الحكومية والمليشيات التابعة للحكومة موجودة في المدينة.
لكن مسئولون حكوميون أكدوا أن الامدادات سوف تأتي في وقت الحاجة. والقائد الأمريكي في أفغانستان، جين جون كامبل، سُئِل في مايو الماضي حول خطة طالبان الاستراتيجية، قال "إذا نظرت جيدًا لبعض الأمور في قندوز وفي بادخشان، فإنهم يهاجمون بعض نقاط التفتيش الصغيرة جدًا".
"سيخرجوا ويقوموا ببعض الضربات القليلة ومن ثم يختفوا ويعودوا إلى الأرض"، يُكمل كامبل حديثه، "وبذلك فإنهم لن يكتسبوا إلا أرض صغيرة."
عندما بدأ الهجوم على قندوز، في يوم الإثنين، طالبان لم يكن عليها القتال للدخول. حيث قاموا بالسيطرة على المدينة بسهولة كبيرة مما ترك بعض المدافعين في جهاد لشرح ما حدث.
"لو أن الحاكم ورئيس مديرية الأمن الوطني متورطون في هذا الشأن، فكيف يمكن لهذا أن يحدث؟" يقول مير علام، قائد إحدى أقوى المليشيات والتي هُزمت في قندوز يوم الإثنين.
بينما يتحدث عبد الله عن التحقيق في تطهير في صفوف قوات الأمن.
"هناك جزء واحد نعلمه، أنهم قاموا بتطهير هيكل قوات الأمن وبدأوا العملية في المدينة" يقول عبد الله في المقابلة.
"لقد فاجئوا الجميع في وسط الليل. وهذا يجب التحقيق فيه فيما بعد. لكن في هذه اللحظة، يجب التركيز على استعادة قندوز."
فيديو قد يعجبك: