إعلان

ألمانيا نادمة على قرار التخلص من الطاقة النووية.. ومصر بحاجة لدراسة عواقبه

03:06 م الإثنين 25 أغسطس 2014

مفاعل نووي

القاهرة - (أ ش أ):

يمثل قرار ألمانيا إغلاق 8 من 17 مفاعلا نوويا في مارس 2011 في ذروة حالة ‏الركود الاقتصادي في منطقة اليورو ، مثالا تحذيريا عن كيفية إضرار سياسات ‏الطاقة بالاقتصاد ، ، فقد تسبب القرار في فقدانها 7 في المائة من إنتاج الكهرباء ‏مع فقدها لنسبة 18 في المائة أخرى على مدى العقد المقبل.

ورغم تحول ألمانيا إلى الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ، فقد ارتفعت ‏انبعاثات الكربون بها بنسبة 8ر1 في المائة في العام الماضي ، بينما انخفضت بنسبة 3ر1 في ‏المائة في الاتحاد الأوروبي ككل ، وفقا لما ذكره المركز الدولي لبحوث المناخ والبيئة في اوسلو ، ‏وذلك في الوقت الذي تسعى فيه ألمانيا إلى تحقيق هدف إنتاج 80 في المائة من الكهرباء في ‏البلاد من الطاقات المتجددة وطاقة الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2050.‏

وأشار برونو ووترفيلد في مقاله بصحيفة تليجراف الى ندم ألمانيا على قرارها بشأن ‏التخلص التدريجي من الطاقة النووية ، وأنه أدى إلى ارتفاع أسعار الفحم ، حيث أدرك ‏التجار أنها من المحتمل أن تحتفظ بالمزيد من الفحم للاستهلاك المحلي ، وأوضح أن ألمانيا كثفت من خطتها المعروفة بـ ''إنيرجي ويدين'' ، أو انتقال أو تحول الطاقة أو ‏ثورة الطاقة ، مع تحولها لتلبية هدفها بحلول عام 2050.

وقد يكون فرش الحقول بسجادة مع ‏الألواح الشمسية ومزارع الرياح في بحر الشمال قد وفر حالة من الامتنان أمام أوهام الطبقة ‏الوسطى في ألمانيا بشان فكر الطاقة الخضراء أو المراعية لاعتبارات البيئة ، إلا أن ذلك واجه ‏تكلفة اقتصادية واجتماعية رهيبة.

ووفقا لمجلة الطبيعة - وهي مجلة العلوم الدولية - سيضطر ‏المستهلك الألماني هذا العام لدفع 20 مليار يورو (17 مليار جنيه استرليني) لدعم الكهرباء ‏المولدة من محطات الطاقة الشمسية ومزارع طاقة الرياح ومحطات الغاز الحيوي ، مقابل سعر ‏السوق الحقيقي الذي يبلغ 3 مليارات جنيه يورو. ‏

ولدفع ثمن هذه المغامرة الخضراء ، زادت الرسوم الإضافية على الكهرباء بالنسبة للأسر ‏الألمانية بنسبة 47 في المائة أو 15 مليار جنيه استرليني في العام الماضي وحده.. ‏والمستهلك الألماني يدفع بالفعل أعلى أسعار كهرباء في أوروبا منذ فترة طويلة ، وستنفق الأسرة ‏المتوسطة المكونة من 3 اشخاص حوالي 90 يورو شهريا مقابل الكهرباء ، وهو تقريبا ضعفي ‏ما كانت تدفعه في عام 2000.. ويعاني حاليا أكثر من 300 الف اسرة ألمانية سنويا من ‏قطع الكهرباء عنها بسبب عدم دفعها للفواتير المستحقة.

ويرجع ثلثي الزيادة في أسعار الكهرباء في المانيا إلى الرسوم الإضافية والضرائب الحكومية ‏الجديدة التي تم فرضها لدعم الطاقة المتجددة.. وفي حين أن أسعار الكهرباء قد شهدت قفزة ‏كبيرة ومع تلقي الطبقات الوسطى لنشرات ومعونات لتركيب الألواح الشمسية فوق بيوتهم ، فإن ‏المعاشات التقاعدية والأجور لم تواكب هذه الزيادات، مما وجه ضربة قوية يعاني منها على ‏وجه الخصوص أفقر الفقراء في المانيا.

وقد ظهرت بعض المشاكل العملية الخطيرة.. فالطاقة الشمسية وطاقة الرياح متقلبة وليست ‏ثابتة وتخضع للعوامل الجوية، مما يعني أن ألمانيا سوف تحتاج إلى قدرات لتخزين 20 إلى ‏‏30 مليار كيلوات ساعة بحلول عام 2050.. ولم تنمو قدرات سعات التخزين حتى الآن سوى ‏لاستيعاب أكثر بقليل من 70 مليون كيلووات ساعة.‏

وتتعقد المشاكل عندما يتوقف هبوب الرياح أو تغيب الشمس، ويكون هناك نقص في توفير ‏الكهرباء اللازمة لتشغيل الشبكة الوطنية.. وقد دفع ذلك ألمانيا إلى زيادة استخدام محطات ‏توليد الكهرباء التي تعمل بالنفط الثقيل والفحم، وهذا هو السبب في انبعاث المزيد من ثاني ‏أكسيد الكربون من البلاد في الغلاف الجوي في عام 2012 عما كان عليه الوضع في عام ‏‏2011.

وقد اعتادت ألمانيا على تقديم المواعظ الاقتصادية لبقية دول أوبا بشأن القدرة التنافسية، إلا أن ‏هناك صورة جديدة بدأت في الظهور ، فالصناعة الألمانية أصبحت في مأزق ، وأسعار الطاقة ‏أصبحت أكثر تكلفة في ألمانيا بنسبة 40 في المائة مقارنة بفرنسا وهولندا، وأصبحت فواتير ‏المستهلك في ألمانيا أعلى بنسبة 15 في المائة عن المتوسط في الاتحاد الأوروبي.‏

ورغم الفرصة التي يحصل عليها قطاع الصناعات التحويلية كثيفة الاستهلاك للطاقة في ألمانيا ‏من خلال تخفيض الرسوم والضرائب من جانب الدولة ، إلا أن صناعات مثل الكيماويات ‏والصلب تعتبر من بين الصناعات الأكثر تضررا، بسبب ارتفاع التكاليف جراء خطة ألمانيا ‏‏''إنيرجي ويدين'' إلى ما يصل إلى 740 مليون يورو سنويا.. وقد يزداد العبء سوءا بعد أن ‏أطلقت المفوضية الأوروبية تحقيقا بشأن عملية خفض الرسوم والضرائب من جانب ألمانيا.

وقد أبدت رابطة صناعات الطاقة ، التي تمثل الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة ، قلقها من أن ‏المفوضية يمكن أن تكون على وشك الحكم بأن خفض الضرائب يعد خرقا لقواعد المنافسة في ‏الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالمساعدات التي تقدمها الدولة للصناعة.. كما يساورها القلق ‏بشان إمكانية فرض المفوضية الأوروبية رسوما كاملة على الشركات الألمانية بأثر فوري، ‏وربما حتى بأثر رجعي، وهي خطوة تقول إنها قد ''تدمر أساس الصناعة في ألمانيا''.

وقد كان التحول إلى الطاقة المتجددة في يوم ما السياسة الرائد للمستشارة الألمانية أنجيلا ‏ميركل - وأصبح الآن أكبر صداع لها.. فقد قالت في أول مقابلة تلفزيونية لها بعد أن أعيد ‏انتخابها: ''بالنسبة لي، فإن المشكلة الأكثر إلحاحا هي تصميم ثورة الطاقة. إننا تحت الكثير ‏من الضغط. فمستقبل الوظائف ومستقبل ألمانيا ومكانتها في مجال الأعمال تعتمد على ذلك''.‏

وتقول التليجراف انها ليست مخطئة ، فأكبر دولة واقتصاد في أوروبا يواجهان أزمة.. وتتمثل ‏هذه الأزمة في حالة الفوضى بشأن الطاقة، حيث أن مستقبل المنافسة الاقتصادية التي طالما ‏افتخرت بها ألمانيا مهدد الآن بشكل خطير.

وميركل حاليا هي الزعيم الأكثر شعبية في أوروبا، ولكن هناك رد فعل عنيف متزايد ضد ‏سياساتها بشأن الطاقة التي لم تحظى بدراسة متأنية ، وخاصة فيما يتعلق بالاعتماد على الطاقة ‏الشمسية وطاقة الرياح للحفاظ على البيئة وإغلاق المحطات النووية والتي لم يقتصر القرار ‏بشأنها على إغلاق 8 مفاعلات من 17 مفاعلا ، بل إغلاق المفاعلات التسعة الأخرى على ‏مراحل من عام 2015 إلى عام 2022 ، ليتم بذلك تقديم الموعد النهائي الذي تم تحديده سابقا ‏بمدة 14 عاما ليكون في عام 2036 بدلا من عام 2050.

وفوق كل ذلك، فإن السياسات التي تمت الإشادة بها على اعتبار أنها تنقذ العالم من اضرار ‏تغير المناخ، أدت في الواقع إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وليس أمام ميركل من أحد تلومه سوى نفسها، فقد كان التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة في ‏ألمانيا إلى حد كبير وفقا لمعايير النموذج الأوروبي ، بهدف تحقيق ما هو أكثر من أهداف ‏الاتحاد الأوروبي.. وبعد ذلك مباشرة وقعت حادثة فوكوشيما وموجة من الهستيريا المناهضة ‏للأنشطة النووية التي أعقبت زلزال توهوكو وتسونامي اليابان عام 2011.‏

ولم يتسبب الحدث الذي يحدث مرة واحدة كل الف عام في مفاعل فوكوشيما في قتل أحد، رغم ‏أن التسونامي تسبب في قتل 16 ألف نسمة.. ومع ذلك، فإنه كان كافيا كي يصيب الطبقة ‏الوسطى الخضراء في ألمانيا بالذعر.

ورضخت ميركل للمطالب المحمومة بإغلاق المفاعلات النووية في البلاد.. وربما كان هذا ‏القرار، من كيميائي سابق وأحد المؤيدين للطاقة النووية ، بمثابة الدعوة الاقتصادية الأكثر أهمية ‏التي وجهتها.. إنها كارثة.

ومن ثم، فقد أصبحت ألمانيا حكاية تحذيرية لأوروبا، حيث تقدم مثالا على الضرر الذي يمكن ‏أن تتسبب فيه السياسات الخاطئة للطاقة، إلى الحد الذي يمكن فيه أن يكون مدمرا للاقتصاد ‏ومعاقبا للمستهلكين والفقراء وتتسبب في نفس الوقت في تقويض الأهداف الخضراء التي ‏تستهدف الحفاظ على البيئة بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والتي تم وضعها لتحقيق ‏هذا الهدف في النهاية.‏

وفي هذا السياق، أوضح الدكتور مهندس استشاري إبراهيم علي العسيري، خبير الشئون النووية ‏والطاقة وكبير مفتشين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا ، أن المحكمة الإدارية الألمانية العليا ‏قد اصدرت في يناير 2014 قرارها بعدم قانونية الإغلاق القهري لمحطة ببلس النووية ، مؤكدة ‏بذلك أن إيقاف المحطات النووية بألمانيا هو قرار غير قانوني ويمثل خطأ إجرائيا كبيرا ، وبناء ‏عليه سيطالب أصحاب هذه المحطات النووية بالتعويض المناسب بسبب هذه القرارات ‏الخاطئة.‏

وفي يناير 2007 حذر البنك الألماني من أن استمرار انتهاج إيقاف المفاعلات تباعا بعد ‏انتهاء أعمارها التشغيلية سوف يؤدي الي عدم قدرتها علي تحقيق أهدافها والتزاماتها فيما ‏يخص خفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري وإمكانية تعرض ألمانيا مستقبلا لحالات ‏انقطاع مستمرة للكهرباء وزيادة الاعتماد بشكل كبير على وارداتها من الغاز الروسي.‏

وقد طالبت وزارة الاقتصاد وشركات الطاقة المالكة للمفاعلات الألمانية بإعادة النظر في تلك ‏السياسة بشكل عاجل.. كما صرحت وزارة الاقتصاد والتكنولوجيا الألمانية بأن المضي قدما في ‏تلك السياسة سيدفع ألمانيا عام 2020 إلى استيراد 25000 ميجاوات كحمل أساسي من ‏الكهرباء (ترتبط ألمانيا بشبكة كهرباء موحدة مع كل من فرنسا وهولندا وبولندا والدنمرك ‏وسويسرا والتشيك).‏

من ناحية أخرى، فإن ألمانيا من الدول التي ليس لديها تزايد حقيقي في عدد السكان بل ‏يتناقص عدد سكانها سنويا، وبالتالي فهي ليست في حاجة إلي زيادة معدلات إنتاج الكهرباء ‏بأراضيها.. وهذا لا ينطبق علي الدول العربية، فمثلا معدل تزايد السكان في مصر وحدها ‏يزيد عن المليون نسمة سنويا ومعدل تزايد استهلاك الكهرباء بها يزيد بحوالي 7 في المائة ‏سنويا علي أقل تقدير.‏

كما أنه ليس لدي ألمانيا مشكلة في استيراد الكهرباء من فرنسا التي تقع علي حدودها وخاصة ‏أن اقتصادهما قوي بما فيه الكفاية ولا توجد لديهما مشاكل حالية أو محتملة من حيث منع هذه ‏الكهرباء عنهما لظروف سياسية أو عسكرية، وهو ما لا ينطبق علي الدول العربية عامة ‏ومصر بصفة خاصة.‏

كما أن كل دولة تأخذ قرارها طبقا لمعطياتها المحلية وليس طبقا لمعطيات دولة أو دول أخرى ‏فلكل دولة ظروفها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، والتي ليس بالضرورة أن تتشابه مع ‏غيرها من الدول ، والتي بناء عليها تضع استراتيجية وخطط إنتاج الطاقة الكهربية بها وتخطط ‏لمصادر إنتاج هذه الطاقة وطبقا لمصادر الطاقة المتوفرة بها.. فألمانيا علي سبيل المثال ‏يساهم الفحم في إنتاج حوالي نصف إجمالي الطاقة الكهربية المنتجة بأراضيها في حين أن ‏السويد تساهم المساقط المائية في إنتاج حوالي نصف إجمالي الطاقة الكهربية المنتجة ‏بأراضيها وفي فرنسا تساهم الطاقة النووية في إنتاج أكثر من ثلاثة أرباع إجمالي الطاقة ‏الكهربية المنتجة بأراضيها.‏

وهنا طرح الدكتور العسيري سؤالا أخيرا، فقال أليس المشروع النووي المصري لإنتاج الكهرباء ‏وتحلية المياه أكثر جدوي في توفير احتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل نضوب ‏مصادر الطاقة التقليدية ، فضلا عن أهميته في تطوير ورفع جودة الصناعة المحلية وإدخال ‏صناعات جديدة بالإضافة إلي أهمية تنفيذه من أجل تنويع مصادر إنتاج الطاقة الكهربية وفي ‏استثمار تصديقنا علي اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، وفي امتلاك سلاح المعرفة ‏التكنولوجية ، وحرصا منا علي الحد من تسرب الكوادر الفنية المدربة، خاصة وأن هذا المشروع ‏النووي سيغطي تكاليفه في أقل من خمس سنوات فقط من الوفورات التي يحققها من فارق ‏تكلفة الوقود النووي عن تكلفة الغاز الطبيعي والبترول ، كما أنه لن يضيف أعباء مالية علي ‏الدولة في تمويله حيث أن مواصفات المحطة النووية تنص علي قيام المورد بتوفير عروض ‏تمويلية تغطي 85 في المائة من المكون الأجنبي و 15 في المائة من المكون المحلي ‏لتكاليف المشروع ، وكذلك تنص علي ضرورة مساهمة الصناعة المحلية بنسبة 20 في المائة ‏في مكونات المحطة النووية الأولي كحد أدني ويزاد هذا الحد الأدنى إلي 35 في المائة في ‏المحطة النووية الثانية ثم تزاد تدريجيا في المحطات النووية التالية. ‏

وشدد الدكتور العسيري على ان كل شهر تأخير في تنفيذ المشروع النووي بالضبعة والمتمثل ‏في إنشاء حتي ثماني محطات نووية ، يتسبب في خسارة شهرية أكثر من 800 مليون دولار، ‏فقط بسبب فرق تكلفة الوقود النووي عن تكلفة الوقود البديل من الغاز أو البترول ، مما يعني ‏خسارة تأخير سنوية حوالي 10 مليارات دولار وهو ما يعادل تقريبا تكلفة محطتين نوويتين.. ‏وتساءل أما كفانا خسارة تزيد عن 200 مليار دولار بسبب تأخير برنامج القوي النووي بأكمله ‏لثلاثين عاما مضت ؟

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان