ألمانيا نادمة على قرار التخلص من الطاقة النووية.. ومصر بحاجة لدراسة عواقبه
القاهرة - (أ ش أ):
يمثل قرار ألمانيا إغلاق 8 من 17 مفاعلا نوويا في مارس 2011 في ذروة حالة الركود الاقتصادي في منطقة اليورو ، مثالا تحذيريا عن كيفية إضرار سياسات الطاقة بالاقتصاد ، ، فقد تسبب القرار في فقدانها 7 في المائة من إنتاج الكهرباء مع فقدها لنسبة 18 في المائة أخرى على مدى العقد المقبل.
ورغم تحول ألمانيا إلى الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ، فقد ارتفعت انبعاثات الكربون بها بنسبة 8ر1 في المائة في العام الماضي ، بينما انخفضت بنسبة 3ر1 في المائة في الاتحاد الأوروبي ككل ، وفقا لما ذكره المركز الدولي لبحوث المناخ والبيئة في اوسلو ، وذلك في الوقت الذي تسعى فيه ألمانيا إلى تحقيق هدف إنتاج 80 في المائة من الكهرباء في البلاد من الطاقات المتجددة وطاقة الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2050.
وأشار برونو ووترفيلد في مقاله بصحيفة تليجراف الى ندم ألمانيا على قرارها بشأن التخلص التدريجي من الطاقة النووية ، وأنه أدى إلى ارتفاع أسعار الفحم ، حيث أدرك التجار أنها من المحتمل أن تحتفظ بالمزيد من الفحم للاستهلاك المحلي ، وأوضح أن ألمانيا كثفت من خطتها المعروفة بـ ''إنيرجي ويدين'' ، أو انتقال أو تحول الطاقة أو ثورة الطاقة ، مع تحولها لتلبية هدفها بحلول عام 2050.
وقد يكون فرش الحقول بسجادة مع الألواح الشمسية ومزارع الرياح في بحر الشمال قد وفر حالة من الامتنان أمام أوهام الطبقة الوسطى في ألمانيا بشان فكر الطاقة الخضراء أو المراعية لاعتبارات البيئة ، إلا أن ذلك واجه تكلفة اقتصادية واجتماعية رهيبة.
ووفقا لمجلة الطبيعة - وهي مجلة العلوم الدولية - سيضطر المستهلك الألماني هذا العام لدفع 20 مليار يورو (17 مليار جنيه استرليني) لدعم الكهرباء المولدة من محطات الطاقة الشمسية ومزارع طاقة الرياح ومحطات الغاز الحيوي ، مقابل سعر السوق الحقيقي الذي يبلغ 3 مليارات جنيه يورو.
ولدفع ثمن هذه المغامرة الخضراء ، زادت الرسوم الإضافية على الكهرباء بالنسبة للأسر الألمانية بنسبة 47 في المائة أو 15 مليار جنيه استرليني في العام الماضي وحده.. والمستهلك الألماني يدفع بالفعل أعلى أسعار كهرباء في أوروبا منذ فترة طويلة ، وستنفق الأسرة المتوسطة المكونة من 3 اشخاص حوالي 90 يورو شهريا مقابل الكهرباء ، وهو تقريبا ضعفي ما كانت تدفعه في عام 2000.. ويعاني حاليا أكثر من 300 الف اسرة ألمانية سنويا من قطع الكهرباء عنها بسبب عدم دفعها للفواتير المستحقة.
ويرجع ثلثي الزيادة في أسعار الكهرباء في المانيا إلى الرسوم الإضافية والضرائب الحكومية الجديدة التي تم فرضها لدعم الطاقة المتجددة.. وفي حين أن أسعار الكهرباء قد شهدت قفزة كبيرة ومع تلقي الطبقات الوسطى لنشرات ومعونات لتركيب الألواح الشمسية فوق بيوتهم ، فإن المعاشات التقاعدية والأجور لم تواكب هذه الزيادات، مما وجه ضربة قوية يعاني منها على وجه الخصوص أفقر الفقراء في المانيا.
وقد ظهرت بعض المشاكل العملية الخطيرة.. فالطاقة الشمسية وطاقة الرياح متقلبة وليست ثابتة وتخضع للعوامل الجوية، مما يعني أن ألمانيا سوف تحتاج إلى قدرات لتخزين 20 إلى 30 مليار كيلوات ساعة بحلول عام 2050.. ولم تنمو قدرات سعات التخزين حتى الآن سوى لاستيعاب أكثر بقليل من 70 مليون كيلووات ساعة.
وتتعقد المشاكل عندما يتوقف هبوب الرياح أو تغيب الشمس، ويكون هناك نقص في توفير الكهرباء اللازمة لتشغيل الشبكة الوطنية.. وقد دفع ذلك ألمانيا إلى زيادة استخدام محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالنفط الثقيل والفحم، وهذا هو السبب في انبعاث المزيد من ثاني أكسيد الكربون من البلاد في الغلاف الجوي في عام 2012 عما كان عليه الوضع في عام 2011.
وقد اعتادت ألمانيا على تقديم المواعظ الاقتصادية لبقية دول أوبا بشأن القدرة التنافسية، إلا أن هناك صورة جديدة بدأت في الظهور ، فالصناعة الألمانية أصبحت في مأزق ، وأسعار الطاقة أصبحت أكثر تكلفة في ألمانيا بنسبة 40 في المائة مقارنة بفرنسا وهولندا، وأصبحت فواتير المستهلك في ألمانيا أعلى بنسبة 15 في المائة عن المتوسط في الاتحاد الأوروبي.
ورغم الفرصة التي يحصل عليها قطاع الصناعات التحويلية كثيفة الاستهلاك للطاقة في ألمانيا من خلال تخفيض الرسوم والضرائب من جانب الدولة ، إلا أن صناعات مثل الكيماويات والصلب تعتبر من بين الصناعات الأكثر تضررا، بسبب ارتفاع التكاليف جراء خطة ألمانيا ''إنيرجي ويدين'' إلى ما يصل إلى 740 مليون يورو سنويا.. وقد يزداد العبء سوءا بعد أن أطلقت المفوضية الأوروبية تحقيقا بشأن عملية خفض الرسوم والضرائب من جانب ألمانيا.
وقد أبدت رابطة صناعات الطاقة ، التي تمثل الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة ، قلقها من أن المفوضية يمكن أن تكون على وشك الحكم بأن خفض الضرائب يعد خرقا لقواعد المنافسة في الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالمساعدات التي تقدمها الدولة للصناعة.. كما يساورها القلق بشان إمكانية فرض المفوضية الأوروبية رسوما كاملة على الشركات الألمانية بأثر فوري، وربما حتى بأثر رجعي، وهي خطوة تقول إنها قد ''تدمر أساس الصناعة في ألمانيا''.
وقد كان التحول إلى الطاقة المتجددة في يوم ما السياسة الرائد للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل - وأصبح الآن أكبر صداع لها.. فقد قالت في أول مقابلة تلفزيونية لها بعد أن أعيد انتخابها: ''بالنسبة لي، فإن المشكلة الأكثر إلحاحا هي تصميم ثورة الطاقة. إننا تحت الكثير من الضغط. فمستقبل الوظائف ومستقبل ألمانيا ومكانتها في مجال الأعمال تعتمد على ذلك''.
وتقول التليجراف انها ليست مخطئة ، فأكبر دولة واقتصاد في أوروبا يواجهان أزمة.. وتتمثل هذه الأزمة في حالة الفوضى بشأن الطاقة، حيث أن مستقبل المنافسة الاقتصادية التي طالما افتخرت بها ألمانيا مهدد الآن بشكل خطير.
وميركل حاليا هي الزعيم الأكثر شعبية في أوروبا، ولكن هناك رد فعل عنيف متزايد ضد سياساتها بشأن الطاقة التي لم تحظى بدراسة متأنية ، وخاصة فيما يتعلق بالاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح للحفاظ على البيئة وإغلاق المحطات النووية والتي لم يقتصر القرار بشأنها على إغلاق 8 مفاعلات من 17 مفاعلا ، بل إغلاق المفاعلات التسعة الأخرى على مراحل من عام 2015 إلى عام 2022 ، ليتم بذلك تقديم الموعد النهائي الذي تم تحديده سابقا بمدة 14 عاما ليكون في عام 2036 بدلا من عام 2050.
وفوق كل ذلك، فإن السياسات التي تمت الإشادة بها على اعتبار أنها تنقذ العالم من اضرار تغير المناخ، أدت في الواقع إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وليس أمام ميركل من أحد تلومه سوى نفسها، فقد كان التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة في ألمانيا إلى حد كبير وفقا لمعايير النموذج الأوروبي ، بهدف تحقيق ما هو أكثر من أهداف الاتحاد الأوروبي.. وبعد ذلك مباشرة وقعت حادثة فوكوشيما وموجة من الهستيريا المناهضة للأنشطة النووية التي أعقبت زلزال توهوكو وتسونامي اليابان عام 2011.
ولم يتسبب الحدث الذي يحدث مرة واحدة كل الف عام في مفاعل فوكوشيما في قتل أحد، رغم أن التسونامي تسبب في قتل 16 ألف نسمة.. ومع ذلك، فإنه كان كافيا كي يصيب الطبقة الوسطى الخضراء في ألمانيا بالذعر.
ورضخت ميركل للمطالب المحمومة بإغلاق المفاعلات النووية في البلاد.. وربما كان هذا القرار، من كيميائي سابق وأحد المؤيدين للطاقة النووية ، بمثابة الدعوة الاقتصادية الأكثر أهمية التي وجهتها.. إنها كارثة.
ومن ثم، فقد أصبحت ألمانيا حكاية تحذيرية لأوروبا، حيث تقدم مثالا على الضرر الذي يمكن أن تتسبب فيه السياسات الخاطئة للطاقة، إلى الحد الذي يمكن فيه أن يكون مدمرا للاقتصاد ومعاقبا للمستهلكين والفقراء وتتسبب في نفس الوقت في تقويض الأهداف الخضراء التي تستهدف الحفاظ على البيئة بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والتي تم وضعها لتحقيق هذا الهدف في النهاية.
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور مهندس استشاري إبراهيم علي العسيري، خبير الشئون النووية والطاقة وكبير مفتشين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا ، أن المحكمة الإدارية الألمانية العليا قد اصدرت في يناير 2014 قرارها بعدم قانونية الإغلاق القهري لمحطة ببلس النووية ، مؤكدة بذلك أن إيقاف المحطات النووية بألمانيا هو قرار غير قانوني ويمثل خطأ إجرائيا كبيرا ، وبناء عليه سيطالب أصحاب هذه المحطات النووية بالتعويض المناسب بسبب هذه القرارات الخاطئة.
وفي يناير 2007 حذر البنك الألماني من أن استمرار انتهاج إيقاف المفاعلات تباعا بعد انتهاء أعمارها التشغيلية سوف يؤدي الي عدم قدرتها علي تحقيق أهدافها والتزاماتها فيما يخص خفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري وإمكانية تعرض ألمانيا مستقبلا لحالات انقطاع مستمرة للكهرباء وزيادة الاعتماد بشكل كبير على وارداتها من الغاز الروسي.
وقد طالبت وزارة الاقتصاد وشركات الطاقة المالكة للمفاعلات الألمانية بإعادة النظر في تلك السياسة بشكل عاجل.. كما صرحت وزارة الاقتصاد والتكنولوجيا الألمانية بأن المضي قدما في تلك السياسة سيدفع ألمانيا عام 2020 إلى استيراد 25000 ميجاوات كحمل أساسي من الكهرباء (ترتبط ألمانيا بشبكة كهرباء موحدة مع كل من فرنسا وهولندا وبولندا والدنمرك وسويسرا والتشيك).
من ناحية أخرى، فإن ألمانيا من الدول التي ليس لديها تزايد حقيقي في عدد السكان بل يتناقص عدد سكانها سنويا، وبالتالي فهي ليست في حاجة إلي زيادة معدلات إنتاج الكهرباء بأراضيها.. وهذا لا ينطبق علي الدول العربية، فمثلا معدل تزايد السكان في مصر وحدها يزيد عن المليون نسمة سنويا ومعدل تزايد استهلاك الكهرباء بها يزيد بحوالي 7 في المائة سنويا علي أقل تقدير.
كما أنه ليس لدي ألمانيا مشكلة في استيراد الكهرباء من فرنسا التي تقع علي حدودها وخاصة أن اقتصادهما قوي بما فيه الكفاية ولا توجد لديهما مشاكل حالية أو محتملة من حيث منع هذه الكهرباء عنهما لظروف سياسية أو عسكرية، وهو ما لا ينطبق علي الدول العربية عامة ومصر بصفة خاصة.
كما أن كل دولة تأخذ قرارها طبقا لمعطياتها المحلية وليس طبقا لمعطيات دولة أو دول أخرى فلكل دولة ظروفها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، والتي ليس بالضرورة أن تتشابه مع غيرها من الدول ، والتي بناء عليها تضع استراتيجية وخطط إنتاج الطاقة الكهربية بها وتخطط لمصادر إنتاج هذه الطاقة وطبقا لمصادر الطاقة المتوفرة بها.. فألمانيا علي سبيل المثال يساهم الفحم في إنتاج حوالي نصف إجمالي الطاقة الكهربية المنتجة بأراضيها في حين أن السويد تساهم المساقط المائية في إنتاج حوالي نصف إجمالي الطاقة الكهربية المنتجة بأراضيها وفي فرنسا تساهم الطاقة النووية في إنتاج أكثر من ثلاثة أرباع إجمالي الطاقة الكهربية المنتجة بأراضيها.
وهنا طرح الدكتور العسيري سؤالا أخيرا، فقال أليس المشروع النووي المصري لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه أكثر جدوي في توفير احتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل نضوب مصادر الطاقة التقليدية ، فضلا عن أهميته في تطوير ورفع جودة الصناعة المحلية وإدخال صناعات جديدة بالإضافة إلي أهمية تنفيذه من أجل تنويع مصادر إنتاج الطاقة الكهربية وفي استثمار تصديقنا علي اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، وفي امتلاك سلاح المعرفة التكنولوجية ، وحرصا منا علي الحد من تسرب الكوادر الفنية المدربة، خاصة وأن هذا المشروع النووي سيغطي تكاليفه في أقل من خمس سنوات فقط من الوفورات التي يحققها من فارق تكلفة الوقود النووي عن تكلفة الغاز الطبيعي والبترول ، كما أنه لن يضيف أعباء مالية علي الدولة في تمويله حيث أن مواصفات المحطة النووية تنص علي قيام المورد بتوفير عروض تمويلية تغطي 85 في المائة من المكون الأجنبي و 15 في المائة من المكون المحلي لتكاليف المشروع ، وكذلك تنص علي ضرورة مساهمة الصناعة المحلية بنسبة 20 في المائة في مكونات المحطة النووية الأولي كحد أدني ويزاد هذا الحد الأدنى إلي 35 في المائة في المحطة النووية الثانية ثم تزاد تدريجيا في المحطات النووية التالية.
وشدد الدكتور العسيري على ان كل شهر تأخير في تنفيذ المشروع النووي بالضبعة والمتمثل في إنشاء حتي ثماني محطات نووية ، يتسبب في خسارة شهرية أكثر من 800 مليون دولار، فقط بسبب فرق تكلفة الوقود النووي عن تكلفة الوقود البديل من الغاز أو البترول ، مما يعني خسارة تأخير سنوية حوالي 10 مليارات دولار وهو ما يعادل تقريبا تكلفة محطتين نوويتين.. وتساءل أما كفانا خسارة تزيد عن 200 مليار دولار بسبب تأخير برنامج القوي النووي بأكمله لثلاثين عاما مضت ؟
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: