إعلان

جمهورية الجزر المنعزلة ..!

د. أحمد عبد العال عمر

جمهورية الجزر المنعزلة ..!

د. أحمد عبدالعال عمر
08:14 م الأحد 03 سبتمبر 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قديمًا قال الفيلسوف والمؤرخ والكاتب الفرنسي إرنست رينان: لا وجود للأمة دون وجود رغبة بين أفرادها في العيش معًا، ورغبة في بناء شيء معًا.

وأظن أن هذه الرغبة هي جوهر وجود الأمة وسر استمرارها وتميزها، وهي رغبة تتأسس على معرفة ومفاهيم وقيم وأحلام مشتركة بين أفرد هذه الأمة، وبين مؤسسات الدولة المختلفة، وبين السلطة والشعب.

وبدون هذه المفاهيم والقيم والأحلام المشتركة، ودون الرغبة في بناء شيء معًا، تصبح الأمة في خطر، وتصبح جهود التنمية في مهب الريح، ويصبح الوطن مهدد بالانقسام على ذاته، والوطن المُنقسم على ذاته لا يمكن أن يحميه في مواجهة المخاطر الداخلية والخارجية أي قوات شرطة أو جيش.
.

وبناء على ذلك، أظن أن أزمة مصر الاجتماعية والثقافية في العقود الماضية، التي لم نتصد بعد لبحث أسبابها ومظاهرها ومآلاتها ومخاطرها المستقبلية، نبعت من عدم وجود حد أدنى من المعرفة والمفاهيم والقيم المشتركة بين أفراد المجتمع المصري، وبين السلطة ومؤسسات الدولة والشعب.

ونبعت أيضا من عدم وجود مفهوم واضح ومشترك بين المصريين حول مصر وثقافتها وهويتها وميراثها الحضاري، وحول انتماءاتها وأبعادها المختلفة، وحول خياراتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وأحلامها وطموحاتها.

ولهذا فالجميع في مصر اليوم يتحدثون عن مصر مختلفة عن مصر الخاصة بالمصريين الآخرين، ويفكرون فيها انطلاقًا من موقعهم من السلطة، ووضعهم الطبقي ومصالحه الخاصة؛ حتى أوشكت مصر أن تتحول إلى جمهورية الجزر المُنعزلة.

وأظن أن هذا هو الخطر الحقيقي الذي تواجهه مصر في المستقبل؛ وهو خطر الانقسام المعرفي والثقافي والقيمي بين المصريين، وخطر العزلة والفجوة العميقة بين السلطة والشعب، وخطر الصراع بين مكونات المجتمع المصري المختلفة.

ولهذا فإن الأولوية القصوى الآن لكل مصري مهموم بماضي وحاضر ومستقبل هذا الوطن، هي مد جسور التواصل والحوار بين السلطة ومؤسسات الدولة، وبين الشعب والجماعة والنخبة الوطنية، بهدف إعادة توحيد مصر قيميًا وثقافيًا.

ومن اجل العمل على وضع عقد اجتماعي وثقافي ووطني جديد يربط بين رؤى وأحلام الحكام واهل السلطة والشعب والجماعة الوطنية، ويُجسر الهوة العميقة التي صارت تفصل بينهما.

عقد اجتماعي جديد يَدعم الأواصر والقواسم المشتركة بين المصريين بمختلف مواقعهم وطبقاتهم، ويمد بينهم جسور الثقة والتفاهم وقبول الآخر، ويسمح بالاختلاف والتنوع الذي يُثري المجموع ويصب في صالح الوطن الكل الجامع.

عقد اجتماعي وثقافي جديد، يُعيد الروح والوعي للمصريين، ويُنمي حسهم النقدي والتاريخي والوطني، ويؤهلهم لعيش عصرهم، ومواجهة متغيراته وتحدياته، وصنع مستقبل يليق بتضحيات آجدادنا وآبائنا، ويليق بالتاريخ الذي نحمله على ظهورنا، ويليق بمكانة مصر الإقليمية والدولية عبر العصور المختلفة.

إعلان