إعلان

 المفاتيح التي في جيبه

سليمان جودة

المفاتيح التي في جيبه

سليمان جودة
07:02 م الأحد 02 أبريل 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قرر الرئيس الروسي نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا ، ورغم أن حكومته قالت أن مفاتيح التحكم في هذه الأسلحة ستظل معها ، إلا أن الخبر جاء بمثابة إلقاء حجر بحجم جبل في بحيرة راكدة .

إن بيلاروسيا دولة من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وهي على جوار مباشر مع روسيا، وانتقال السلاح النووي التكتيكي من روسيا إليها، هو كما تنقل أنت شيئاً من جيبك الشمال إلى الجيب اليمين، أو كما تنقل شيئاً من غرفة إلى غرفة في بيتك.

وليس سراً أن بيلاروسيا تقف مع روسيا منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، وتنتصر لها علناً سواء كانت ظالمةً مظلومة.

ومع ذلك.. فإن وقع الخبر كان ثقيلاً على العالم، ولم يملك كثيرون ممن يتابعون هذه الحرب منذ انطلاقها في الرابع والعشرين من فبراير قبل الماضي، إلا أن يضعوا أياديهم على قلوبهم وهُم يسمعون عن سلاح نووي تكتيكي ينتقل من روسيا إلى دولة مجاورة.

ولا معنى لاحتفاظ بوتين بمفاتيح التحكم في جيبه، إلا أنه يعرف عواقب ألا تكون هذه المفاتيح في يده، لأن السلاح النووي ليس كأي سلاح، ولأنه "سلاح تدمير متبادل" كما تعرف كل دولة تملكه وكما يعرف العالم.

هو سلاح تدمير متبادل لأن الطرف الذي يملكه إذا استخدمه ضد طرف آخر يملكه أيضاً، فإن هذا الطرف الآخر سوف يرد على الفور بسلاح من النوع نفسه، وسوف تكون النتيجة الأكيدة هي تدميرهما معاً.. وهذا هو ما جعل خبراء السلاح يقولون إن قوة السلاح النووي هي عدم استخدامه، لا في استخدامه، وأن التلويح به من جانب بوتين كما تابعنا وتابع العالم معنا يمثل قوة في حد ذاته.
وعندما يلوّح الرئيس الروسي به بهذه الطريقة ، فالقصد هو اللعب بورقة في يده، والقصد هو توظيف هذه الورقة على المائدة السياسية، دون أن يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك.. ولا أدل على صواب هذا المنطق، إلا أن الكرملين قال بعد قرار نقل السلاح النووي التكتيكي إلى بيبلاروسيا إن موسكو ملتزمة بمنع قيام حرب نووية.
وهكذا .. فالشيء ونقيضه تجده في هذه الحرب ، لا لشيء، إلا لأن الحرب لا تدور على الجبهات وحدها، ولكنها تمتد إلى كل ميدان آخر بخلاف ميدان القتال.
ولا يزال المبدأ من جانب الطرفين في هذه الحرب ، هو الذهاب إلى حافة الهاوية دون الوقوع فيها، لأن وقوع طرف فيها معناه أنه سوف يجر الطرف الآخر معه إلى قاعها.
ولو كان بوتين يريد الذهاب إلى الهاوية ويريد الوقوع فيها، لأرسل السلاح النووي التكتيكي ومفاتيحه معه، ولكن الاحتفاظ بالمفاتيح يظل نوعاً من الحذر الواجب عند الوصول إلى حافة الهاوية.
ومن ذلك أيضاً أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تراعي دائماً وهي تمد أوكرانيا بأي سلاح، ألا يسمح مدى هذا السلاح بقذف أهداف داخل الأراضي الروسية.. فالهدف ليس ضرب روسيا، ولا هو استهداف أراضيها، ولكن الهدف أن تظل أرض أوكرانيا كما كانت عليه في الثالث والعشرين من فبراير قبل الماضي، أي قبل بدء الحرب بيوم واحد لا غير.. وإذا كان بوتين يردد من وقت الى آخر، أن الغرب يريد ضرب وحدة روسيا وتفكيكها، فهذا كلام لا يستقيم مع أي منطق سليم، ولا هدف من ورائه سوى مخاطبة الروس في داخل البلاد .
والأمل أن تظل شعرة معاوية ممدودة بين الجانبين، وألا تنقطع، وأن يشدها طرف كلما أرخاها الطرف الآخر، وأن يرخيها الطرف الأول إذا شدها الطرف الثاني في مكانه هناك .

إعلان