إعلان

ثورات الرببع العربي.. مصيرها ودروسها

د. أحمد عبد العال عمر

ثورات الرببع العربي.. مصيرها ودروسها

د. أحمد عبدالعال عمر
07:14 م الأحد 19 مارس 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بعد مرور أكثر من ثلاثة عشر عامًا على طوفان الثورات التي اجتاحت العالم العربي منذ عام 2011، واحدثت تغيرات جذرية في بعض الدول، وأطاحت بأنظمتها الحاكمة، ومزّقت وحدة بعضها الآخر؛ ما هي الدروس التي يجب علينا استخلاصها منها، حتى نتعلم من التاريخ، ولا نُعيد إنتاج أخطاء وإخفاقات الماضي من جديد، نُعرض أمن ووحدة واستقرار بلادنا للخطر؟

أظن أن هذا الدروس يُمكن تحديدها وتلخيصها على النحو التالي:

الدرس الأول:

إن ثورات الربيع العربي، بما لها وما عليها، وبصرف النظر عن مآلاتها ومصيرها، واستغلالها من بعض قوى الداخل والخارج، وجعلها مطية للوصول للسلطة حينًا، ولهدم الدولة وتمزيق وحدتها حينًا آخر، كانت لها أسبابها داخلية موضوعية لا يمكن انكارها.

وهذه الأسباب الموضوعية يمكن تلخيصها في تحول تلك الدول إلى "دول فاشلة أو رخوة" بسبب جمود وشيخوخة عمر وفكر ورؤية قياداتها.

وبسبب انتشار الفساد في مؤسساتها، وتحول النخب السياسية الحاكمة، ومراكز القوى فيها، من رجال دولة إلى مجموعة من أصحاب المصالح، الذين قاموا بنهب الأوطان، وتوزيع السلطة والثروة بين الأهل والمقربين والمحاسيب.

ولهذا خرجت الجماهير العربية غير المؤدلجة للشوارع والميادين تُطالب بسقوط تلك الأنظمة، مدفوعة بدواعي اليأس من إصلاحها، وبالأمل في تأسيس واقع ومستقبل جديد، يصبح معه على أرض أوطانهم ما يستحق الحياة.

الدرس الثاني:

إن خيار الثورات الشعبية كوسيلة للتغير والإصلاح، هو خيار ثبت لنا بالتجربة فشله ومخاطره في هذا الزمان، وهو أشبه ما يكون بـ "حصان طروادة"؛ شكل جميل، وغاية نبيلة ورومانسية في الظاهر، وشرٌ كبيرٌ في الباطن، وأداة للاختراق والهدم وإسقاط الدول.

وهو شر جعل الدولة ومصيرها، ميدانًا لصراع قوى إقليمية ودولية، وميدانا لتدخل أجهزة مخابرات معادية استطاعت بسهولة اختراق الثوار، وتوجيه الحراك الثوري لتحقيق أهداف خارجية، تستهدف إضعاف الدولة وتمزيقها وحدتها، وهدم وإسقاط مؤسساتها.

الدرس الثالث:

إن الجيش الوطني القوي المُوحد غير الحزبي أو الطائفي، هو عمود خيمة الوطن، وصمام أمانه في لحظات الخطر، ولن تنجح ثورة شعبية في المنطقة العربية في تغيير أي نظام حكم مهما بلغ فساده واستبداده، دون دعم الجيش وانحيازه لإرادة الشعب، وبالتالي حماية الأوطان من جحيم الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية التي تعرض وحدة ووجود الوطن للخطر.

ولن نخدع أنفسنا، فالدولة المدنية الحديثة هي دولة مؤسسات دستورية تتحكم فيه النخبة المدنية في الظروف العادية، ولكن عند المنعطفات الكبرى في حياتها، وعندما يكون وجودها واستقرارها في خطر، فإن طوق نجاتها الأخير هو وحدة ووطنية المؤسسة العسكرية، وتصديها بشجاعة وتجرد لإنقاذ سفينة ومُقدرات الوطن من الغرق والضياع.

الدرس الرابع:

إن المتغيرات التي حدثت في وعي الشعوب العربية، خاصة الأجيال الشابة منها بعد ثورات الربيع العربي، هي متغيرات كبيرة وعميقة، لا بد من دراستها وتحليلها، ووضع سياسات اقتصادية واجتماعية وإعلامية تتلاءم معها، لضمان تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي داخل الدولة.

ولضمان التأثير الإيجابي في وعي الأجيال الشابة، وتعزيز مشاعر الانتماء والولاء لديهم، وسد أي فجوة نفسية وقيمية ومعرفية بين الحكام والمحكومين، وبين الأجيال المختلفة.

الدرس الخامس:

إن مستقبل الدولة الوطنية العربية في عالم ما بعد الربيع العربي، والضامن لعدم إعادة إنتاج فشلها السابق في تحقيق طموحات شعبها، يتوقف على مقدار التغيير الذي يجب أن يحدث في فكر ووعي النخبة العسكرية والمدنية "الوطنية" الحاكمة، ومدى قدرتهما على استيعاب دروس التاريخ والماضي.

ثم سعي تلك النخبة الوطنية بدوافع وطنية خالصة، إلى حماية وجود ووحدة ومدنية الدولة الوطنية، واستكمال مشروع بنائها وتحديثها، وتعزيز ثوابت أمنها القومي، ومقومات السلم الاجتماعي فيها، على نحو يلائم العصر ومتغيرات الواقع، ويستجيب لطموحات الشعوب في حياة كريمة وعادلة.

وأظن أن تجاهل تلك الدروس الخمسة، وعدم استيعاب مضامينها ودلالاتها، يهدد بإعادة إنتاج الماضي بكل أخطائه، ليُهدر العالم العربي ودوله وشعوبه خمسين عامًا أخرى من حياتهم في انتاج الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ذاتها التي أدت إلى فشل أنظمة الحكم في الدول الوطنية العربية في تحقيق طموحات شعوبها، وجعلت نهاية بعض تلك الأنظمة والدولة - كما شهدنا جميعًا - نهاية مأساوية.

إعلان