إعلان

الثورة الصناعية الرابعة بين الترغيب والترهيب

د.غادة موسى

الثورة الصناعية الرابعة بين الترغيب والترهيب

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م السبت 11 مارس 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


يموج العالم اليوم بتصريحات وآراء ونقاش حول منتجات الثورة الصناعية الرابعة. فالشركات والمبتكرون يمتدحون ويبرزون فوائد منتجات الثورة الصناعية الرابعة، في حين يحذر بعض الخبراء والساسة من التداعيات الاجتماعية والثقافية والسياسية لتلك المنتجات.
فعلى سبيل المثال، يبرز مبتكرو المسيرات الالكترونية فوائدها على الزراعة والمرور والترفيه، في حين يحذر الخبراء السياسيون من تداعياتها على الأمن القومي. وفي جميع الأحوال لم يمنع الأخيرون الأولين من إنتاجها بكثافة حتى صارت سلعة وأحد أهم مكونات الصادرات في الميزان التجاري لدول مثل الصين وتركيا وإيران.
ومما يلفت الانتباه في هذا الصدد التعامل الإعلامي مع منتجات الثورة الصناعية الرابعة في دول العالم المختلفة وعلى منصات التواصل الاجتماعي. كما يختلف الاقتراب الفكري من هذا الموضوع من مجتمع لآخر. ففي عدد من القنوات الإعلامية الدولية – الأوروبية تحديداَ- يتم تناول كل ما يتصل بمنتجات الثورة الصناعية الرابعة من منظور تنموي واقتصادي. فأفق الابتكارات وريادة الأعمال غير محدود ويتسع ليشمل كافة الأفكار والرؤى التي لم يكن من الممكن استيعابها منذ عدة سنوات فما بالنا منذ عقود. وكل هذا ليس حباً في الابتكار ذاته، وإنما في قدرة الابتكار على التغلغل في الأسواق العالمية وتحقيق عوائد استثمارية ومالية. وهو ما ينطبق على المسيرات الالكترونية مثلما ينطبق على مسحوق البيض! كما تمكنت الابتكارات وريادة الأعمال من تحديد الإطار والشكل المؤسسي الذي تعمل فيه سواء كان مادياً أو افتراضياً. فعلى سبيل المثال يوجد في فرنسا مساحة كبيرة بعنوان "المحطة فاء" تشكل حضّانة وفضاء رحبا يضم محطات صغيرة للابتكارات في كافة المجالات. كما يوجد بها مُقيمون للابتكارات وخبراء لإعطاء النصائح والمساعدة في تطويرها.
أما في إعلام بعض الدول الآسيوية وبعض دول العالم النامي فيغلب الاقتراب الفكري الحذر في رؤية والتعامل مع منتجات الثورة الصناعية الرابعة. فلا توجد مساحة كبيرة للحديث عن الابتكارات الفردية وفوائدها التنموية والاقتصادية. فلا تعلم المجتمعات في تلك الدول ما الذي تم ابتكاره ومراحل تطوره وفوائده للأفراد والمجتمع. وحتى في القنوات الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي يغلب التحذير والترهيب منها على الترغيب فيها. فالخطاب الإعلامي يسيطر عليه اقتراب أن المسيرات لا تستخدم إلا في الحروب، كما أن الابتكارات الخاصة باستشراف المخاطر البيئية هدفها السيطرة والتحكم في العالم. والرسالة هي ضرورة التريث في عدم الانبهار والتصديق.
وفي الواقع، فإن المواطن البسيط الذي يبحث عن كل ما من شأنه تسهيل معيشته وتطوير حياته يقع في حيرة بين الترغيب والترهيب، لأن ليس كل الابتكارات جيدة وصالحة، كما أن ليس كل الابتكارات مدمرة.
ويحضرني نموذج الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الشأن، حيث إن معظم الابتكارات التي غيرت وجه البشرية تم تطويرها في معامل وزارة الدفاع الامريكية وفي مقدمتها الحاسب الآلي والانترنت وحتي مشروع " هارب" الذي كثُر الحديث عنه عقب زلزال تركيا المدمر. ولكن هذه الابتكارات لم تمكث في وزارة الدفاع الأمريكية إذ انتقلت كفكرة إلى الشركات الخاصة لتطورها وتستثمر فيها من أجل تحقيق منافع تنموية واقتصادية.
إن وضع الابتكارات وريادة الأعمال بين فكي الترغيب والترهيب أمر لا يفيد البشرية ولا التنمية ولا الاقتصاد، فليس عيباً أن ننبهر بكل ما أنتجه العقل البشري، لأن أي منتج له منافعه وأضراره، ويصبح دور المجتمعات هو تعظيم المنافع والحد من الأضرار والمخاطر حتى لا تفوت على نفسها فرصاً تنموية واقتصادية.

إعلان