إعلان

سؤال العراق

سليمان جودة

سؤال العراق

سليمان جودة
07:00 م الأحد 26 فبراير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


نفى فؤاد حسين، وزير الخارجية العراقي، أن يكون وفد بلاده الذي زار الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً، قد تعرض لضغوط من أجل التطبيع مع إسرائيل.
ورغم أن القاعدة في الصحافة تقول إن نفي الخبر يؤكده أحياناً، إلا أننا مدعوون إلى تصديق الوزير حسين، لأن العراق يمثل حالة خاصة في هذا الموضوع.
وسبب الحالة العراقية الخاصة، أن البرلمان العراقي كان في ٢٦ مايو ٢٠٢٢ ، قد مرر مشروع قانون يجرم التطبيع، وكان قد وصل بالعقوبة على المطبعين إلى حد المؤبد والاعدام.. وكان القانون الممرر قد أثار ضجة واسعة في حينه، وبالذات على المستوى الخارجي، ولكن النواب العراقيين لم يأبهوا يومها في البرلمان، ومرروا مشروع القانون وصار نافذاً بالفعل.
والمشكلة أن العراق مر في الفترة الأخيرة بظروف صعبة على مستوى سعر العملة، وكان الدينار العراقي يتراجع في كل يوم أمام الدولار، وقد وصل الأمر إلى درجة أن الدولار الواحد كان يساوي ١٦٠٠ دينار، وكان العراقيون يصرخون من عواقب تراجع سعر العملة الوطنية.
وقد بدا الأمر وكأن المسألة مصنوعة، أو كأن وراءها من ينفخ فيها، لأن كل الأسباب لم تكن تبرر هذا التراجع في الدينار ولا كانت تشرحه أو تفسره.
فالعراق بلد منتج للنفط بكثرة، وعنده من صادرات البترول في كل صباح ما يكفل الحفاظ على سعر العملة وقوتها، وما يجعل الدينار في مركز محترم بين العملات.. وعنده فوق ذلك احتياطي من العملة الأجنبية، وحسب بعض الأرقام المعلنة يصل الاحتياطي إلى ما يقرب من تسعين مليار دولار.
والسؤال هو كالتالي: كيف يكون إنتاج النفط كبيراً ومستمراً، وكيف يكون الاحتياطي بهذا الرقم، ثم يكون وضع الدينار على ما بدا عليه طوال أسابيع مضت.. لقد خرج بعض العراقيين بلافتات في أياديهم يخاطبون بها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ويقولون: نزل سعر الدولار !
ولهذا كله طار وفد عراقي إلى واشنطون، وقيل عنه على لسان الوزير حسين، إن زيارته كانت ذات طابع اقتصادي خالص، وإن أحداً في العاصمة الأمريكية لم يفاتح الوفد في موضوع التطبيع، وأن النقاشات كلها مع الجانب الأمريكي كانت ذات طبيعة اقتصادية مجردة.
والغريب أن الوفد ما كاد يصل إلى الولايات المتحدة، وما كادت نقاشاته تبدأ مع الطرف الأمريكي ، حتى بدأ سعر الدينار يرتفع أمام الدولار ويتعافى تدريجياً .. وهذا ربما هو الشيء الذي جعل تساؤلات التطبيع تثور حول الزيارة وتنتشر.
والسوابق العربية الأمريكية في هذه القضية تعزز من قوة التساؤلات، لأننا لا نزال نذكر كيف استغلت ادارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب نقاط ضعف معينة لدى بعض العواصم العربية، وراحت تقايضها فتجعل التطبيع في مقابل المساعدة والمساندة في التعامل مع نقاط الضعف.. ومن الطبيعي أن تراجع سعر الدينار يمثل نقطة ضعف لدى حكومة العراق، ويبدو وكأنه الذراع التي تؤلمها.
والمشكلة في التطبيع من هذا النوع، أنه يظل تطبيعاً على مستوى الحكومات، ولا يغادره أبداً في اتجاه مستوى الشعوب.

إعلان