إعلان

ماذا قدمت مصر في ملف حقوق الإنسان؟

د. إيمان رجب

ماذا قدمت مصر في ملف حقوق الإنسان؟

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

07:00 م الثلاثاء 24 يناير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تدخل مصر العام 2023 بعد أن اتخذت ثلاث خطوات مهمة في مسار مراجعة السياسات الخاصة بحقوق الإنسان في الدولة، هي: تبني الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والتي يمتد تنفيذها حتى عام 2026، وتفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي والتي تعمل بشكلٍ حثيث على إطلاق سراح عدد من المحبوسين في قضايا الرأي، وإصدار تقرير متابعة سنوية لمستوى تنفيذ هذه الاستراتيجية من قبل اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان.

ومنذ الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية، التزمت الحكومة بتحقيق عدد 226 تغييراً في السياسات والإجراءات لتكون متسقة مع حماية وتعزيز الحقوق والحريات بمعناها الشامل على النحو الوارد في دستور 2014 وبما يتماشى مع التزامات مصر الدولية في هذا الصدد، وتضمنت الاستراتيجية ثلاثة مسارات لمتابعة تنفيذ هذه التغييرات المستهدفة وهي مسار التطوير التشريعي بإجمالي 37 تغييرا مستهدفا تحقيقه، ومسار التطوير المؤسسي بإجمالي ١٣٦ تغييرا مستهدفا، ومسار التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان بإجمالي 53 تغييرا مستهدفا.

ويشير تقرير متابعة تنفيذ الاستراتيجية خلال العام الأول لها إلى أن النسبة الأكبر لما نُفّذ من تدابير وإجراءات ذات صلة بالنتائج المستهدفة المنصوص عليها في الاستراتيجية كانت في مسار التطوير المؤسسي، ثم جاء مسار التثقيف وبناء القدرات في المرتبة الثانية ثم مسار التطوير التشريعي في المرتبة الثالثة، ووفق التقرير فقد ساهمت هذه التدابير في تعزيز الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي تحسين وضع المرأة والطفل وذوي الاعاقة والشباب وكبار السن، وساهمت كذلك في تطوير برامج التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان.

وترجع أهمية هذه الخطوات في مجملها إلى أنها تعكس تغيرًا بدأ يطرأ على توجه الدولة في تعاملها مع قضية حقوق الانسان، حيث يبدو أن هذه القضية أصبحت تكتسب أولوية ما في سياسات الدولة خلال السنوات المقبلة ومتطلب لتحقيق تنمية مستدامة عادلة في مختلف أنحاء البلاد.

كما أنه نتيجة لهذه الخطوات أصبح لأول مرة هناك وثيقة رسمية تمثل الرواية المصرية الحكومية ويمكن الرجوع إليها للوقوف على السياسات الحكومية ذات الصلة بقضايا حقوق الإنسان والحريات، حيث ظلت قضية حقوق الإنسان في مصر لسنوات وعلى خلاف دول عدة في العالم لا يوجد أي مصدر حكومي رسمي يهتم بتوضيح ما ينفذ بصددها من سياسات وبرامج وما يكتنف التعامل معها من تحديات، وفي المقابل كانت المصادر الأجنبية والمصادر غير الحكومية هي المتصدر لمناقشة وضع حقوق الإنسان في مصر.

أيضًا تؤسس هذه الخطوات في مجملها للبعد السياسي الذي ترتكن إليه الجمهورية الجديدة والذي يقوم على أساس الموازنة بين تحقيق الأمن والتصدي للإرهاب وبين حماية الحقوق والحريات بمعناها الشامل ولمختلف قطاعات المجتمع.

وذلك فضلاً عن مساهمة هذه الخطوات بشكل ما في معالجة عدد من القضايا الخلافية التي ظلت تعكر صفو العلاقات المصرية-الأمريكية، وعلاقات مصر مع بعض الدول الأوروبية.

ورغم أهمية ما اتخذ من خطوات، لا تزال هناك حاجة لبذل مزيد من الجهد المنظم من جهات عدة خلال الفترة المقبلة في مسار التطوير التشريعي على وجه التحديد، حيث يشير تقرير متابعة تنفيذ الاستراتيجية إلى أن ما قدم خلال العام الماضي من مقترحات تشريعية هي ذات صلة بعدد 17 نتيجة مستهدفة في هذا المسار، وهي عبارة عن مقترحات بقانون تم عقد جلسات للحوار المجتمعي حولها.

وترجع أهمية العمل خلال العام المقبل على التركيز على التشريعات والقوانين إلى أنها تظل هي مصدر المشروعية والاستدامة لأي أطر مؤسسية تم استحداثها في إطار الاستراتيجية، وهي التي تسمح بحدوث تغيير إيجابي مستدام في مختلف السياسات والبرامج المنفذة ذات الصلة بحقوق الإنسان والحريات، وستكون خطوة مهمة لنزع المشروعية عن عديد من الممارسات الفردية والإجراءات التي تنتهك الحقوق والحريات والتي ترصد بشكل منتظم من قبل عديد من الجهات المعنية ولمحاسبة المسؤولين عن تلك الممارسات والإجراءات أمام القضاء.

كما أن الاهتمام بتحقيق تقدم نوعي في تنفيذ النتائج المستهدفة في المسار التشريعي سيكون له تأثير غير مباشر على مسار التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان، لاسيما وأننا شهدنا خلال سنوات مضت كيف أن إدخال تعديلات نوعية على بعض القوانين ذات الصلة على سبيل المثال بحماية المرأة من التحرش ساهم بشكل كبير في تعزيز الوعي بهذه القضية وتغيير العديد من الممارسات المؤسسية والمجتمعية.

إلى جانب ذلك من المهم أن ينتظم صدور تقرير متابعة تنفيذ الاستراتيجية بشكل سنوي وما يتطلبه ذلك من تعزيز صلاحيات اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان وقدراتها على متابعة تنفيذ باقي النتائج المستهدفة المنصوص عليها في الاستراتيجية، وعلى رصد مستوى التغير الحادث في التحديات الخاصة بتنفيذ الاستراتيجية والتي ذكرتها الاستراتيجية وهي ضعف ثقافة حقوق الإنسان، وضعف مستوى المشاركة في الشأن العام، والصعوبات المتعلقة بتحقيق التنمية الاقتصادية المستهدفة، والإرهاب وحالة الاضطراب في دول الجوار لمصر.

وأخيرًا، وبالنظر لكون اللجنة العليا الدائمة هي آلية للتقييم الذاتي تراجع من خلالها الحكومة وتتابع ما تنفذه من سياسات في إطار المستهدف تحقيقه في الاستراتيجية، فإنه من المهم التفكير في طرح تقرير متابعة تنفيذ الاستراتيجية للنقاش والحوار المجتمعي بصورة منظمة بهدف التوعية بما تم تنفيذه وبالتغيير الحادث في السياسات العامة ذات الصلة.

إعلان