إعلان

شيء من الدراما ..

د.هشام عطية عبد المقصود

شيء من الدراما ..

د. هشام عطية عبد المقصود
07:20 م الجمعة 17 يونيو 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

نقلت منصات المشاهدة الجمهور خطوتين زمنيتين بمقياس سرعة الضوء نحو مزيد من متابعة والالتصاق بمشاهدة الدراما أفلاما ومسلسلات؛ حيث صنعت حيزا للمشاهدة يتعاظم تأسيسا وارتباطا مع نقاش يدور حول الدراما المعروضة يجري على منصات التواصل لتغذي مشاهدة الدراما ذاتها المعروضة على المنصات ويتوازيان، ليكونا من لزوميات بعضهما البعض.

كثافة وتنوع الدراما المتدفق على منصات المشاهدة العربية والأجنبية منح الجمهور إتاحات أكبر لمتابعة الأعمال كما عوض فرصا قديمة تتعلق بانتهاء موعد العرض الواحد المحدد توقيتا مسبقا ملزما في شاشات الدراما التليفزيونية التقليدية، فزاد جمهور الدراما وتنوعت فئاته وفق مضمون وخصائص المحتوى الدرامي المقدم، وانخرط الجمهور في متابعة ونقاش يشكلان معا منصة تسويق نحو مزيد من المشاهدة ودخول قطاعات جماهيرية أجدد وأوسع بما شكل تغيرا كبيرا إعلاميا وإعلانيا معا يتجاوز ما كان معتادا من مدخلات الصناعة الإعلامية "الجديدة".

لكن التفاعل الكبير للجمهور مع الدراما والذي يصل لمرحلة مناقشة خيارات صناع الدراما صار ملفتا، وحيث نشأت صفحات ومواقع متضخمة الحضور على منصات التواصل تناقش وتعرض وتلخص الأعمال، وربما هكذا سيكون من الضروري أن يصاحب كل عمل درامي جديد تنويه للجمهور بأن ما يقدم ليس أبدا قصة تعرفونها وتتيقنون من تفاصيلها، كما سيتخطى الأمر جملة تاريخية محفوظة في أرشيف بدايات سينما الأكشن والرعب تنادي بابتعاد أصحاب القلوب الضعيفة، ولا تقف عند حدود وضع تصنيف للمشاهدة بحسب العمر- والذي سيعني ضمنا- جذب البعض للمتابعة، وهناك ذكرى باقية من ذلك في أفلام حملت لافتة للكبار في تاريخ السينما المصرية.

يتفاعل الجمهور الآن كثيرا مع أحداث الدراما ويصنع اتجاهات "عاطفية" وأحكاما وتقييمات أخلاقية نحو شخوصها، وهو ينتبه تماماً للتفاصيل وبما يفوق إنشغاله بما تجود به الحياة اليومية من "حاجات ومحتاجات"، ثم يتحدث بثقة عن رؤيته لضرورات تطور الشخصيات الدرامية والأحداث وهو ممسك بمسطرة العقاب المدرسي، وبما يلغي كل وأى فارق بين نص مصنوع هو من مقتضيات فن المخايلة وبين وقائع حياة تجرى لحما وشوكا، وهنا سيكون تحديد الأثر الجانبي مصداً، يواجه نتائج طول تمرس الجمهور بالحياة التي على الشاشات، وقد صار يصيب العائشين طويلا على إيقاع زمن الدراما باعتبارها في نظرهم تقريرا صادقا عن حياة البشر العالم.

يقتنص الجمهور خطأ في تسلسل درامي أغفل منطقا يظنه لازماً، أو تجاوز تفصيلة بدت عنده ضرورية الحضور فيطرحها تفاعلا مطولا وصاخبا على منصات التواصل وتتولى برامج القنوات إعادة إنتاجها، وسيصبح أمراً أكثر خطورة عندما يناقش مذيع هذا البرنامج أو ذاك سلوك شخصية درامية ما ثم يناديها باسمها الذي في الدراما.

وقد يواصل المشاهدون فرجتهم بكل الخبرة التي تراكمت واختزنوها، لينطلقوا بعد عميق المتابعة نحو مهاجمة شخصيات الشر، ولن يستطيعوا في مرحلة ما أن يستمعوا لتوسلات الممثل " الشرير" بأنه دور كتبه خيال أحدهم ليتوازى الخير والشر في الدراما، لن يُتاح لكتاب الدراما وفريق بناء أدوار وسمات الشخصيات على الشاشات أن يردوا كثيرا، فالمشاهد الطيب رفيق مداولات منصات التواصل صار يبحث عن اكتمال شخصيته المفضلة، ولن يتسامح مع حل درامي أتيح لكاتب تعجلا أو تسرعا أو "هوا كده وخلاص"، لن يجرؤ كثير من كتاب الدراما على القول بأن الحياة ليست منهجا في الديناميكا تنتج فيه الحركة عن فعل ورد فعل مؤكد، وسيكشف كل ذلك شيئا دالاً عن معدل ثقافة المشاهدة السائد.

كان تفاعل ومشاركة المشاهد مع الدراما متواجدا دوما، لكنه كان مؤقتاً، تنغلق صفحته بانتهاء ساعة الدراما أو زمن الفيلم، وقد تنتهي بتصفيق الجمهور للنهاية السعيدة التي ينتظرها، ساعة أو تزيد ثم يليها فاصل يمتد 23 ساعة من الحياة الواقعية، وبحيث يتاح للفرد أن يواجه كل خير العالم وشره "لايف" فيعتاد على منازلته ويمضي معه.

مضت متابعة الدراما تاريخيا تتماشى توازياً خفوتا مع تضاؤل زخم واقعية الحياة المزدحمة بالتفاصيل والمعايش، حتى قرر البشر وشاءت لهم الحياة أن يصنعوا بدائل وحدتهم في هذا العالم، وبحيث أنه ومع الوقت كان العبء الأكبر لتعاطي الحياة تفاعلا وحضورا يقع على عاتق دراما الشاشات.

إعلان