إعلان

السياسة والحكم في مصر الإسلامية

د. أحمد عمر

السياسة والحكم في مصر الإسلامية

د. أحمد عبدالعال عمر
07:57 م الأحد 08 أغسطس 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

السلطة المركزية ميراث مصري أصيل، فرضته طبيعة وموقع أرض مصر، وكثرة التهديدات والمخاطر التي تستهدفها.

وقد استمدت تلك السلطة شرعيتَها في مصر القديمة من قدرتها على توفير الحماية للمصريين، وتيسير العيش لهم، وتحقيق العدالة بينهم، وحماية مياه النهر، وتنظيم توزيعها، وتحقيق أقصى إفادة منها لتحقيق الرخاء وتوفير الحياة الكريمة للمصريين.

تلك خلاصة مقالي السابق الذي تحدثت فيه عن السياسة والحكم في مصر القديمة، كما عرض لملامحها وأبعادها ومآلاتها المؤرخ الوطني الراحل الدكتور رؤوف عباس في دراسته عن (السياسة والحكم في مصر) منذ تاريخها القديم حتى حكم أسرة محمد علي.

وفي هذا المقال أستكمل عرض جوانب تلك الدراسة، ورؤية الراحل الدكتور رؤوف عباس لأهم ملامح السياسة والحكم في مصر الإسلامية، بعد الفتح العربي.

من حيث طبيعة الحكم، يرى الدكتور رؤوف عباس أن الإطار العام للسلطة في مصر بعد الفتح العربي لم يتغير؛ حيث تمركزت السلطة في يد نخبة تستند إلى شرعية القوة، وقد كانت القوة في ذلك العصر هي قوة الفتح.

كما لم يتغير مفهوم استناد السلطة إلى مصدر إلهي؛ فالأرض أرض الله، والملك ملك الله، يورثه من يشاء من عباده المتقين.

كما لم يخلُ الحكم الإسلامي بعد الفتح العربي من طابع الاستغلال والقسوة والتطرف في جباية الخراج؛ ولهذا تعاقبت ثورات المصريين عبر قرنين من الزمان ضده، حتى أُخمدت بالعنف المُبالغ فيه في عهد الخليفة المأمون.

وبعد ذلك ظلت السلطة المركزية النخبوية تُسيطر على موارد مصر الاقتصادية، فالأرض- أداة الإنتاج في المجتمع الزراعي- ملك الدولة يُسيطر عليها الجالس على كرسي الحكم، سواء أكان عاملًا لخليفة أو سلطانًا مملوكيًا أو عثمانيًا.

أما المصريون أصحاب الأرض الأصليون، فلم يكن هناك مجال لمشاركتهم في السلطة إلا للنخبة المتعلمة منهم، وكان موقع هؤلاء في أدنى درجات سلم البيروقراطية.

أما الغالبية العظمى من المصريين، فقد احتلوا موقع الشغالة في مملكة النحل؛ يكدون ويكدحون لإنتاج الفائض الاقتصادي الذي يتدفق على جيوب حكامهم وخزانة الدولة.

ولم يكن هناك في واقع الأمر حدود تفصل بين تلك الجيوب والخزانة العامة للدولة.

وقد قبل المصريون ذلك الوضع، في مقابل أن تقوم السلطة بتحقيق الأمن لهم، وتوفير الحياة الكريمة، وإقامة العدل بينهم. وعاشوا قرونا تحت الحكم الإسلامي يؤدون الواجبات المفروضة عليهم، ولا يطمعون لحقوق أبعد من ذلك، طالما كان الحد الأدنى من ثالوث (الأمن، والحياة الكريمة، والعدل) متوفرًا.

كما عاشوا في ظل الحكم الإسلامي، منذ الفتح العربي حتى حكم العثمانيين، راضين، مسالمين، يعملون ويكدحون في كل الميادين، لا يشقون عصا الطاعة على السلطة، ولا يعرفون للثورة على الحاكم سبيلًا، إلا إذا ضاقت بهم سبل العيش، وعز القوت، وغاب الأمن، واختل ميزان العدل.

وهذا يعني أن الثالوث المقدس عند المصريين منذ مصر القديمة وحتى سقوط حكم العثمانيين، الذي بتوفره تستمد السلطة شرعيتها وقبولها، هو (الأمن والحياة الكريمة والعدل). وبتوفر هذا الثالوث يخضعون لحكامهم مهما بلغ ظلمهم واستغلالهم.

وبافتقادهم للأمن ومقومات الحياة الكريمة على وجه الخصوص- لأنهم كانوا أكثر صبرًا على غياب العدل- يتمردون، ويثورون ويشقون عصا الطاعة على الحاكم.

إعلان