إعلان

المواطن العالمي

د. غادة موسى

المواطن العالمي

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

06:59 م الجمعة 30 يوليه 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ثارت ثائرة دول العالم المتقدم والآخذ في النمو مع تسارع وتيرة العولمة وعملياتها في العالم. وأيقظت سياسات العولمة هويات المجتمعات التي بدأت في مقاومة الزحف السريع على مستوى اللغة والعادات والثقافة واستهلاك السلع.

وتراوحت أشكال المقاومة بين استدعاء التاريخ والتراث واللغات والفنون المحلية لمواجهة تنميط الثقافة لصالح ثقافات بلدان بعينها. كما امتدت أشكال المقاومة إلى قيام بعض الدول بسن تشريعات للحفاظ على هويتها الوطنية، وامتدت تلك التشريعات إلى تجريم استخدام منتجات دول بعينها إلى حد إغلاق بعض وسائل التواصل الاجتماعي واستبدالها بوسائل محلية، كما حدث في الصين على سبيل المثال.

وقد كانت فرنسا في طليعة الدول المتقدمة التي قاومت زحف منتجات العولمة " الأنجلوسكسونية" لفترة زمنية طويلة إلى أن امتزجت الأخيرة بالثقافة الفرنسية وطوعت مفردات لغتها لها.

وقد استمرت سياسات الدول المختلفة في مقاومة العولمة وسرد سلبياتها إلى الوقت الذي أدرك فيه المجتمع الدولي ضرورة تطوير مفاهيم وعمليات العولمة والانتقال بها من مجرد استهلاك الثقافة والمنتجات إلى بناء إنسان أو مواطن عالمي لديه وعي بالقضايا والمشكلات والمخاطر الدولية على اختلاف طبيعتها وأنواعها.

وقد كانت المؤتمرات والمنتديات منابر لطرح تلك القضايا منذ بداية الألفية الثالثة، وحفزتها منتجات الثورة الصناعية الرابعة التي عكست مخاوف العالم المتقدم وإدراكه للعديد من المخاطر، ومحاولاته العلمية المضطردة لمعالجتها والحد منها.

ويمكن القول إن المواطن أو الإنسان العالمي هو نتاج لوعي المجتمع الدولي وانتقاله من مرحلة التنافس والهيمنة إلى مرحلة التعاون والتنسيق. وإذا كانت ثورة الإنترنيت قد ساهمت في غزو العولمة -كعمليات- لمعظم دول العالم فقد ساعدت على الجانب الآخر على رفع وعي المواطنين في العالم بالتحديات والتهديدات المشتركة العابرة للحدود المادية وللثقافات.

وتتلخص تلك التحديات في التهديدات البيئية والكوارث الطبيعية والأوبئة والنمو الاقتصادي غير المتوازن بين الدول وداخل الدولة الواحدة وآلت آليات السلبية للثورة الصناعية الرابعة على سوق العمل وانتشار الجرائم السيبرانية.

وعليه، تتطلب التحديات السابقة بناء مواطنين ذوي خصائص محددة من حيث طرق التفكير وأساليب الحياة والتطلعات. فالمواطن العالمي لا بد وأن يكون متسامحًا على المستويين السياسي والاجتماعي. فهو مواطن ضد التمييز والعنصرية ورافض للعنف وعدم المساواة.

ومن صفات المواطن العالمي القدرة على إدراك وإدارة المخاطر بشكل علمي وموضوعي. كما من خصائصه القدرة على التشبيك والتواصل الجيد، إضافة إلى الاستخدام الجيد والواعي لمنتجات الثورة الصناعية الرابعة، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي وتوظيفه لتحقيق الاستدامة والحفاظ والتوظيف الجيد للموارد المحدودة. وأخيرًا وليس آخرًا فإن المواطن والإنسان العالمي مبتكر وفي عملية تعلم مستمر وفي كافة المجالات.

ولا يجب أن يُفهم مما سبق أن المواطن العالمي بلا هوية وطنية، حيث تسهم الخصائص السابقة في التوظيف الأمثل للهويات الوطنية لتحقق الغايات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الكلية.

إعلان