إعلان

دليل المشاهدة "العشوائية" للتريندات المنزلية ..

د.هشام عطية عبد المقصود

دليل المشاهدة "العشوائية" للتريندات المنزلية ..

د. هشام عطية عبد المقصود
08:09 م الجمعة 18 يونيو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أتاحت منصات التواصل الاجتماعي لنماذج من صناع المحتوى من غير المهنيين أن ينقلوا بعضًا من عشوائية الحياة الفجة بثًا مباشرًا، فيوسعوا مساحة انتشار ما هو غير مناسب ولا يجدر به أن يكون، ليسهموا بدون وعي في القفز على ما كان يعرف بخصوصية تفاصيل ووقائع حياة البيوت، حتى وإن لم تكن مشينة بالمفهوم الأخلاقي، ولكنها ظلت تدخل دومًا في باب الستر لما يعيش به الناس داخل الجدران من وقائع مأكل ومشرب وأبناء وعلاقات أسرية ومجمل تفاصيل حياة، وحيث أتاحت منصات التواصل لهؤلاء مساحة استخدموها بتقديرهم لطبيعة ما "يطلبه المشاهدون"، فغسلت سيدة على هواء المنصات سجادها وحشوت ممبارها "ولقحت" على حاسديها وحيت أقاربها، وغنت انشراحًا ورمت إيفيهاتها نثرًا وزجلًا، ولم تتناسى قط أن ترسل التحيات كما النقوط في أفراح "ولاد المنطقة" تكرارًا على من أسمتهم "الفانز" من مختلف الدول العربية ومعها أحلى تحية.

وهكذا تجاوز نطاق مشاهدة كل ذلك على منصات التواصل حيزًا يجبرك على كثير من الدهشة والتي تلاحقها التساؤلات، خاصة حين يفاجئك أن تقرأ أو تشاهد تغطية ناقلة وأحيانًا موسعة في وسائل الإعلام، بينما تبحث فلا تجد ما يبرر ذلك، فهو ليس من قبيل الفن ولا من قبيل ابتكار الأفكار ولا مبادرات الإبداع بل خليط من تضمينات عشوائية لوقائع حياتية.

شاهد ذلك كثيرون بالطبع وربما ضحكوا أو سخروا وربما أيضًا حياه البعض، لكن الكثير من هؤلاء واصلوا المشاهدة ليصنعوا الظاهرة وليدفعوا بنماذج أخرى في الطريق، وتبدو المشكلة أن ينتقل الأمر لمتابعة ونشر أخذت من حيز مساحات ووقت وسائل الإعلام الأساسية فصار من قبيل ما قد يراه البعض ترويحًا وتمريرًا غير مقصود للظاهرة كنمط حياة وسلوكٍ مقبولٍ.. فهل يصح شيء من ذلك؟!.

ليس كل ما يجمعه هوى منصات التواصل جاهزًا؛ لينتقل كما هو أو تناصًا مجردًا إلى حيز وسائل إعلام لها تقاليدها المهنية، لكنها يجب أن تتحلى في معالجاتها بالنظرة "الذكية" فلا يتوسع النشر بلا شروط، فلكل منهما –كما يفترض– مقام ومكانة ودور، فإذا جاز لفضاء الإنترنت أن يجمع المتناقضات فيساوي في حضورها وانتشارها بين سيئها وحلوها معًا لا يري بينهما فاصلًا إلا ما يحبذه جمهوره، فإن الأمر لا يجدر به أن يكون هو ذاته على ساحات ومواقيت وسائل الإعلام الأساسية، فتجاري أحيانا هوي التريندات وإن هوت، وقد صرنا الآن نعرف كيف بدأت وانتشرت من قبل ذلك ما عرف بعدئذ بظاهرة فتيات التيك توك.. فهل لا نتعلم الدرس أبدًا، ونمضي لنكرر في سياقات أخرى ما يفضي إلى النتيجة ذاتها؟!.

حقا لا يجدر أن يكون ذلك مناسبًا، وإذا تم ذلك فيجدر أن يكون وفق شروط معالجة مهنية وذكية معًا لا تروج طمعًا في جلب مشاهدة عابرة لحظية كطيف خيال، ولكن لتحلل الظاهرة وتبرز مخاطرها وتأثيراتها الاجتماعية وما تمثله من خطورة على فكرة العمل الجاد المضيف النافع، وعلى مفهوم الستر في الحياة، وحيث لن يكون كافيًا هنا مجرد عرض ذلك في سياق كونه موضوعًا ساخرًا جالبًا للمتابعة الكثيفة وفقط.

ربما يري البعض أن ما تفعله تلك النماذج ليس غريبًا تمامًا أو عجيبًا، وهي في ذلك لا تختلف كثيرًا عن الشخصيات الشهيرة في مجالات الفن والرياضة وغيرهما عالميًا ومحليًا، والذين يقدمون تفاصيل حياتهم لعبًا وجدًا وحبًا على الإنستجرام، نقول إن في كلتا الحالتين تكون مسؤولية النقل إلى حيز وسائل الإعلام الأساسية واحدة، ونضيف أن توقفنا هنا ينصب على الجوانب الاجتماعية الحادثة بفعل ذلك لتحولات مفهوم بناء قدرات لشخصية الأجيال الصغيرة وتكريس قيم كرامة العيش التي ظللت المصريين دوما في ظروف اجتماعية شتى، وما قد يحدث من تحولات في بعض عناصر مفهومها بفعل ما تروجه بعض محتويات وتريندات منصات التواصل الاجتماعي، ونخشى أن الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام الأساسية بنقل نماذجها بتوسع ومتابعة مكثفة من دون أن تمر بغربال نقد المشاهدة ربما يمنح ذلك نوعًا من شرعية إعلامية واجتماعية.

تستخدم بعض نماذج صناع المحتوي والتي تتكاثر على ساحة منصات التواصل الاجتماعي كل ما هو متاح لديها لجذب الجماهير وتتوسع فيه رويدًا؛ تجري لتلحق أوان مرحلتها وتوهج مشاهدتها بذكاءٍ مدركةً أنه ذاهب لا محالة، وسيكون سريعًا ماضيًا مهدورًا في ساقية المشاهدة التي تدور باستمرار وتلك النداهة التي تطلب المزيد، فُيسرعون من وتيرة بث التفاصيل ككرة ثلجية تكبر قاصدين حصد ما تلحق به مناجلهم قبل ظهور تريند مشاهدة آخر يعلو وتعلو معه أفواه المضغ الحكائي لبعض من جمهور يحتاج هو أيضًا لروافع للذائقة تجعله يدرك مدى خطورة ولا إنسانية أن يكون مشاركًا ومشجعًا يقتات على بعض عبث وألم وتحايلات وأحيانًا استسهال نماذج من البشر تبحث عن فرصة ما للحياة أو رفاهية أوسع تريدها خارج ساحة العمل وإضافة والنفع العام، معتمدة على ما هو متاح ويسير وما منحته البشرية لجميع سكان الكوكب في حاضر العصر والأوان من عدالة توزيع تاريخية ممثلة في شبكة الإنترنت وذلك الموبايل ذي الكاميرا والذي يلازم وجود الإنسان طالما بقي كائنًا حيًا.

إعلان

إعلان

إعلان