إعلان

الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة دورة التحدي في «باريس الصُغرى»

د. أمــل الجمل

الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة دورة التحدي في «باريس الصُغرى»

د. أمل الجمل
02:10 م الخميس 17 يونيو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أمس ١٦ يونيو كانت ليلة شديدة الخصوصية في تلك المدينة المصرية الجميلة التي تعود نشأتها إلى عصر ما قبل الأسرات، مدينة تقول عنها كتب التاريخ إن أنبياء الله إبراهيم ويوسف ويعقوب وموسى قد مشوا على أرضها. إنها البوابة الشرقية لمصر. يقع قسمها الغربي في قارة أفريقيا والقسم الشرقي بقارة آسيا.

إنها الإسماعيلية، إحدى مدن القناة، مدينة الجمال والسحر، التي اشتهرت منذ القدم بأنها «باريس الصغرى».. هكذا كانت تصفها النجمة المصرية الاستثنائية تحية كاريوكا. هذه المدينة الجميلة التي بُنيت على الضفة الشمالية الغربية من بحيرة التمساح، وتشتهر بكثرة الحدائق والمتنزهات الطبيعية وهوائها النقي فتجذب إليها الزائرين خاصة في فصل الربيع وفي الأعياد.

على شاطئ قناة السويس -للمرة الأولى- حيث الهواء الطلق بأحد الفنادق الكبرى، في تلك المدينة الساحرة انطلق ليلة أمس حفل افتتاح مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة في دورته الثانية والعشرين بعد تأجيل عدة مرات بسبب الإجراءات الاحترازية التي فرضها وباء كوفيد-١٩.

لا شك أن العقبات أحيانًا تكون مُحرضا على التحدي، وحافزا للتفكير خارج الصندوق، فقد كانت إحدى تقاليد المهرجان أن يتم الافتتاح بقصر ثقافة الإسماعيلية، لكن حرصًا على اتباع إجراءات السلامة والتباعد الاجتماعي تم التفكير في الاقتراح البديل على شاطئ القناة.

رغم كل الصعوبات والتأجيلات التي استدعت إعادة برمجة الأفلام لجلب الأحدث دوما، مع ذلك فإن نظرة أولى على الكتالوج، وخطة العروض، والندوات تكشف بوضوح أنها دورة شديدة التميز والخصوصية أيضًا.

إنها دورة بذل الكاتب والسيناريست محمد الباسوسي رئيس المركز القومي للسينما جهودًا كبيرة خلال الإعداد والترتيب لها. من دون أن نغفل جهود رئيس المهرجان الزميل الناقد السينمائي عصام زكريا، وكل أفراد فريق العمل الذي يعمل على قلب رجل واحد، وتلك ميزة كبرى.

لماذا أصفها بالتميز والخصوصية حتى قبل اكتمالها؟ لأن سمعة مهرجان الإسماعيلية التي كانت تسبقه - وهي سمعة كالسيف ذي الحدين - أنه مهرجان يهتم بالجوانب الثقافية للسينما أكثر من كونه مهرجانا جاذبا للنجوم، وبالتالي للأضواء التي تجذب جماهير كثيفة كما يحدث بمهرجانات أخرى.

الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن المهرجان على مدار دوراته السابقة - رغم تميزها السينمائي والثقافي الكبير، رغم تنوع وثراء الندوات النقدية المهمة وإصدار العديد من الكتب والدراسات السينمائية وعروض الأفلام - لم يكن يُحقق مشاهدات جماهيرية تُذكر. أغلب الحضور دوما من ضيوف المهرجان تقريبًا. أما أبناء المدينة، فعدد قليل فقط منهم الذي كان يحضر، باستثناء المشاركين في الورش الفنية، وكذلك بعض العروض التي كانت تقدم في المدارس مصحوبة بالمناقشات وهي قليلة أيضًا. مما كان يستدعي طرح التساؤل؛ كيف لمهرجان يُقام في مدينة الإسماعيلية من دون أن يجتذب أهل المدينة؟ وكيف له ألا يجتذب أيضًا أبناء وبنات مدن القناة الأخرى، وليس فقط عشاق السينما من القاهرة؟ المهرجانات تُقام في المحافظات أساسًا من أجل أبناء وبنات المحافظات، وتسليط الضوء على مدينتهم وكشف خصوصيتها.

أعتقد أن هذا الوضع سيختلف في دورة هذا العام في ظل وجود رئيس المركز القومي للسينما السيناريست محمد الباسوسي المشهود له بالوعي والثقافة العميقة والنزاهة، والذي يُدرك تمامًا أن وسائل جذب الأضواء للريد كاربت ضرورة ملحة، وأن مشاركة نجوم السينما محور أساسي لا بد من أخذه في الاعتبار، لجذب الجمهور، لذلك كان قراره تخصيص ندوات تكريمية احتفائية بعدد من النجوم والنجمات الذين قاموا ببطولة عدد من الأفلام الروائية المصرية القصيرة، خصوصًا أن بعضهم نال جوائز دولية، وعلى رأس هؤلاء النجمة صفية العمري، والنجم الكوميدي أحمد بدير، وكل من الفنانين أحمد كمال، وبسمة، وسلوى محمد علي، وأحمد توفيق.

في تقديري الشخصي، أن ندوات النجوم خطوة ذكية جدا لها أهميتها على مستويين: الأول لتواجد النجوم في أجواء المهرجان بالإسماعيلية، وتفاعلهم مع أبناء وبنات المدينة وعشاق السينما طوال فترة المهرجان الممتدة بين ١٦ - ٢٢ يونيو الجاري.

أما الأمر الثاني، فهو الاعتراف الضمني بقيمة وأهمية الفيلم الروائي القصير ومنحه مكانته اللائقة، فلا يوجد مهرجان بالعالم يغفل الاهتمام بالفيلم القصير، بل إن هناك عددًا غير قليل من المهرجانات تُخصص بأكملها للأفلام القصير بكل أنواعها.

صحيح أن قاعات السينما في مصر والوطن العربي لا تحترم الفيلم القصير، ولا تخصص له عروضًا بجوار الروائي الطويل

-باستثناء العروض المهرجانية- مع أن مصر كانت سَبَّاقة في ذلك لسنوات طويلة، وكان هناك دائما فيلم قصير يسبق العروض الطويلة بدور العرض السينمائية.

لكن على ما يبدو أن إعادة هذا الماضي يحتاج قرارًا وزاريًا. فكل مَنْ يعملون في إنتاج الأفلام القصيرة يعلمون تمامًا أن هناك «بيزنيس كبيرًا» عالميًا يُقام حول هذا النوع الفيلمي، وهناك منصات وقنوات عرض كثيرة جدًا حول العالم تدفع جيدًا لصناع هذه الأفلام، ومن يذهب لمهرجان كليرمون فيران يُدرك ذلك جيدًا. ويكفي أن نتذكر أنه بالعام الماضي ٢٠٢٠ فازت أفلام مصرية روائية قصيرة بالجائزة الأولى في مهرجانات سينمائية عريقة مثل كان السينمائي، وموسكو الدولي.

من هنا، تجب الإشادة بجهود السيناريست محمد الباسوسي لدوره رئيسًا للمركز القومي للسينما، وكجهة منظمة لمهرجان الإسماعيلية - في الاهتمام بإنتاج الفيلم القصير وتشجيع النجمات والنجوم الكبار للقيام بأدوار البطولة فيها، والتعامل مع هذا النوع على أنه عمل سينمائي له مكانته وأهميته، تمامًا مثل كتاب القصة القصيرة.

صحيح أن مهرجان الإسماعيلية في دورته الثانية والعشرين حافل بالتكريمات، لكن من أكثر اللفتات الإنسانية تكريم اسم الفنانة الأنيقة الراحلة رجاء الجداوي ابنة الإسماعيلية، وكذلك تكريم أحد أهم قامات النقد السينمائي في مصر والوطن العربي، وهو الناقد السينمائي الكبير كمال رمزي الذي انطلقت مسيرته النقدية منذ منتصف الستينيات، وصار أحد أبرز أبناء هذا الجيل والذي حفر لنفسه مكانة مميزة تخصه وحده، فإلي جانب دراساته السينمائية العميقة اهتم بتحليل الجوانب السيكولوجية والاجتماعية التي لعبت دورها في بزوغ أو انطفاء نجومية عدد كبير من الممثلين في تاريخ الفن السابع بمصر.

وختامًا؛ أشد على أيدي كل فريق عمل مهرجان الاسماعيلية الذي يُعد أحد أعرق المهرجانات في العالم العربي فقد بدأت أولى دوراته عام ١٩٩١؛ ليكون أول المهرجانات العربية التي تتخصص في الأفلام الوثائقية والقصيرة، ويستمر على قطار التقدم رغم التقشف، ورغم محدودية الإمكانيات مقارنة بمهرجانات عربية بزغ نجمها فجأة، بفضل البزخ والإنفاق، لكنها سرعان ما اختفت حين اضمحل المدخول.

أما مهرجان الإسماعيلية فابن شرعي لدولة لا تتوقف فيها أنهر الثقافة؛ لأنها أرض الإبداع. بأموال ضخمة أو شحيحة ستبقى مصر أرض للثقافة، للآداب والفنون. لذلك سيظل مهرجان الإسماعيلية صامدًا، منحازًا للثقافة السينمائية، وهو ما يُسهم في الحفاظ على سمعته دوليًا، فتحية تقدير لكل فريق العمل.

إعلان