إعلان

بين الإسلاموية التركية والإسلاموية الإيرانية

محمد جمعة

بين الإسلاموية التركية والإسلاموية الإيرانية

محمد جمعة
12:44 ص الجمعة 24 يوليه 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تذكرني عبارة: "اليوم أيا صوفيا وغدًا القدس" التي أطلقها أردوغان مؤخرًا لدغدغة مشاعر جمهوره في داخل تركيا، بشعارات مماثلة سابقة سمعناها كثيرًا في منطقتنا، سواء تلك الشعارات التي أطلقتها الإسلاموية التركية من قبل كـ"اليوم إدلب وغدًا القدس"، أو الشعارات التي أطلقتها الإسلاموية الشيعية الإيرانية، في وقت سابق، مثل "اليوم دمشق وغدًا القدس"، أو "اليوم صنعاء وغدًا القدس"... والتي دائمًا تدهشنا ردود أفعال قواعد التنظيمات الإخوانية، في مختلف الساحات العربية، إزاءها..!

وإذا كانت الحقائق التاريخية تؤكد أن الروابط الأيديولوجية بين الإخوان المسلمين والإسلاموية الشيعة الإيرانية كانت دائمًا أقوي مما هو مُعترف به في كثير من الأحيان.... فإن وجهة نظر الإسلاموية التركية (ذات الروابط الأيديولوجية الوثيقة مع الإخوان المسلمين) تجاه الثورة الإيرانية، لم تختلف عن نظرة الإخوان المسلمين في العالم العربي، وازدواجيتها تجاه إيران الثورية وأجندتها الإسلاموية.

الإخوان المسلمون، من خلال سيد قطب وأبوالأعلى المودودي، كان لهم تأثير فكري كبير علي القيادات الإيرانية الذين شكلوا المشروع الثوري لولاية الفقيه بقيادة الخميني، بحيث يمكن القول إنهم لعبوا دورًا مهمًا في تحفيز الظهور المباشر لشكل جديد من الإسلاموية الشيعية في إيران في الخمسينيات، منذ أن التقى مؤسس حركة "فدائيان إسلام" نواب صفوي، بسيد قطب في مصر عام 1954، وتولى مسؤولية تقديم أفكار قطب الأساسية عن الحكومة الإسلامية، إلى الخميني، ثم جاء بعد ذلك خليفة الخميني والمرشد الأعلى الإيراني الحالي علي خامنئي؛ ليترجم العديد من أعمال قطب إلى اللغة الفارسية.... لتلعب بذلك أيديولوجية الإخوان دورًا مهمًا في تطوير العقيدة السياسية غير التقليدية لحكم رجال الدين الشيعة (ولاية الفقيه)، والتي أوضحها الخميني في أطروحته الشهيرة عن الحكومة الإسلامية. حيث شدد كلا من الإخوان والحركة الخمينية على تأسيس الدولة الإسلامية. وأفضى كل ذلك في النهاية إلى تواري الاختلافات العقائدية الشرعية بينهما، وإن ظلت كامنة تحت السطح.

وبالمقابل، كان للثورة الخمينية في إيران، تأثير بعيد المدى على الإسلاموية السنية وتطورها اللاحق. بمعني أن ما حققه الخميني وثورته ألهمت العديد من الإسلامويين السنّة، وغذت الاعتقاد بأنهم أيضًا يمكنهم الاستيلاء على السلطة وإقامة دولة إسلامية خاصة بهم.

مثلا، من وجهة نظر الإسلامويين الأتراك، عززت الثورة في إيران فكرة إمكانية إنشاء نظام "إسلامي" جديد في تركيا.

وأعرب أنصار بارزون من تركيا للثورة الإيرانية - بما في ذلك علي بولاش، وإركومنت أوزكان، وكينان شاموركو، ونورالدين سيرين، وأتاسوي موفت أوغلو -عن آرائهم وناقشوها في مختلف وسائل النشر.

وقد ساهم هؤلاء الأيديولوجيون في نشر أفكار الخميني وتفسير سياسات النظام الإيراني للجمهور التركي، ولكن ليس على أرضية أن معظمهم كانوا عملاء للنظام الإيراني (كما يرى البعض) وإنما على أرضية التعاطف والتأييد والاعتقاد بأن الثورة الإسلامية يمكن أن تحدث في تركيا أيضًا.

بعد وفاة الخميني عام 1989، فقدت الحركة الموالية لإيران داخل الحركة الإسلاموية التركية وحدتها الأيديولوجية، لكنها بدأت بالفعل في تربية جيل جديد من الشباب الإسلامي. نتيجة لذلك، عندما نما حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان في التسعينيات، تأثر عدد كبير من كوادره بشكل عميق بالمدافعين الأيديولوجيين عن الثورة الإيرانية.

وبحلول عام 2001، عندما تم تشكيل حزب العدالة والتنمية كخليفة لحزب الرفاه، كان القادة المؤيدون للثورة الخمينية في سن تسمح لهم بممارسة تأثير سياسي وأيديولوجي أكبر علي الإسلامويين الأتراك، وعلى الفكر الإسلامي ككل.

الآن، لا يمكن القول بأن الانقسام السني - الشيعي هو العامل الوحيد الذي يشكل العلاقات الأيديولوجية والجيوسياسية في الشرق الأوسط. ... في الواقع هناك اليوم تنافس يشمل ثلاثة متنافسين رئيسيين، الأول: إيران والميليشيات الشيعية المتحالفة معها، والثاني: هو مجموعة الدول المعتدلة التي تضم السعودية والإمارات، ومعهما مستويات متفاوتة من التوافق أو الانسجام مع دول أخرى، مثل مصر والكويت والأردن. والثالثة: تركيا وقطر وشبكات الإخوان المسلمين، بما في ذلك تلك الموجودة في أوروبا... وهذا الطرف الثالث يعمل الآن على تطوير علاقات أوثق مع الإسلاميين السنّة الصاعدين سياسيًا في ماليزيا وباكستان.

وفي الوقت الذي يبرز فيه العداء بين إيران والمملكة العربية السعودية، نجد أن المجموعة الإسلاموية السنية التي تقودها تركيا تتخذ موقفا مناقضًا بشكل كبير تجاه إيران. وبالأحرى، تعتبر الإسلاموية التركية أن الكتلة السنية التي تقودها المملكة العربية السعودية هي العدو الرئيسي والمنافس.

بعبارة أخرى، الانقسام بين المحور التركي، وبين المحور السعودي الإماراتي المصري، تبدو مظاهره الساخنة وتجلياته في الإقليم أكبر وأوسع انتشارًا بكثير من الانقسام السني – الشيعي في بعض الأحيان... هذه الديناميكية هي مفتاح فهم الشرق الأوسط اليوم، بما في ذلك العلاقات بين الإسلاموية التركية والإسلاموية الإيرانية.

خذ مثلا، في يوليو 2013، دخلت تركيا في وضع الاستنفار بعد الإطاحة بمحمد مرسي في مصر. وربط أردوغان وكبار مساعديه هذا الحدث المهم باحتجاجات حديقة وميدان جيزي قبل شهرين من ذلك، واعتبروه جزءًا لا يتجزأ من خطة لإزاحة حكومته.

وأشار المسؤولون الأتراك إلى مثل هذا الكلام في الانقلاب الفاشل عام 2016 ضد أردوغان، وفعلوا كل ما يستطيعون فعله لدعم حليفتهم قطر في خلافها مع الرباعي العربي، السعودية ومصر والإمارات والبحرين، في 2017.

ثم ذهب أردوغان إلى حد القول بأن الثورة السودانية عام 2019 كانت انقلابًا "ضد تركيا".

بل وتحدث كبار مستشاري أردوغان للصحفيين ومندوبي وكالات الأنباء المختلفة، زاعمين بأن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر هي التي تسببت في "الانقلاب" بسبب التعاون العسكري المتنامي بين تركيا والسودان..!

باختصار، يبدو أن أردوغان وحاشيته يرون أن أعظم تهديد جيوسياسي بالنسبة لهم هو الاصطفاف الواضح بين القوي العربية المعتدلة. وبموجب هذه النظرة للعالم وللتفاعلات في الإقليم تصبح إيران شريكًا وحليفًا محتملاً، وليس خصمًا لأردوغان والإخوان. وهكذا، تصمت القيادة السياسية التركية حتى عندما تواجه إيران المصالح التركية في سوريا، فيما يوجه أردوغان كل اهتمامه في تأجيج مواجهته مع الرياض والقاهرة وأبوظبي، ويخوض معارك، من غير المرجح أن يفوز بها، في مواجهتهم.

إعلان