لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

 قائمة الانتظار

نهاد صبيح

قائمة الانتظار

نهاد صبيح
07:02 م الجمعة 05 يونيو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عصر السرعة... هذا وصف عصرنا الحالي، أصبحنا في شبه تحدٍ مع الزمن، في سباق دائم، فكل شيء سريع، وسائل النقل، الوجبات، حتى الإنترنت أصبح فائق السرعة، لم يعد للانتظار مكان أو مكانة مقدرة في النفس أو بالقلب أو بالحياة بأكملها.

في الماضي كان الانتظار أسلوب حياة، بل كان هو الحياة نفسها، ألا نتذكر كيف كان يفعل الشوق بنا حين كنا ننتظر قدوم رسالة من أحبائنا لأيام وأسابيع أو ربما شهورًا، أو أن نستمع لصوت عزيز أبعدته المسافات عنا، ويا لها من فرحة عندما كنا نسمع صوته، من منا فيما مضى لم يردد هذه العبارة (وحشني جدًا ونفسي أشوفه)، لقد كانت الحياة في الماضي بعيدة عن قسوة الرفاهية، نعم فللرفاهية قسوة عجيبة لا يشعر بها إلا من ذاق حلاوة اللقاء بعد الاشتياق، حلاوة الحصول والوصول بعد الحرمان والافتقاد، إن رفاهية العصر الحالي كالعسل المر إن كانت به حلاوة مذاق إلا أن مراراته تخنق الحلق وتجعل شقاء تجرعه أقسى من تذوق حلاوته،

لقد حرمتنا الرفاهية من الشعور بالاشتياق والوحشة إننا مع بعضنا البعض على مدار الساعة ولم يعد للافتقاد معنى (إلا من رقت مشاعره حد رفض عبث ما فعل بنا العالم الافتراضي)، إن ذلك يذكرني بشيء عجيب كنت أراه في منزلنا حين كنت طفلة.. كانت أمي -رحمها الله- تضع طبقًا من الفاكهة البلاستيك على طاولة الطعام وكنت وقتها أتساءل لماذا نحاكي الطبيعة بسخف؟!، هي ليست بفاكهة وإن كانت في نفس شكلها... ماذا يفيد الشكل دون الجوهر؟!،.. هذا ما يفعله تمامًا بنا التطور الإلكتروني والحداثة، إنه يجعلك مهتمًا بالشكل وليس بالجوهر، يصنع لك حياة وهمية سعادة وهمية تجمعك وهمًا بمن تحب وتجعلك -أيضًا- في سباق مع الزمن، فلا بد أن تعمل سريعًا حتي تجني أموالًا تستطيع بها شراء كل وسائل الرفاهية، وهكذا تدور في دائرة مغلقة تظل فيها في صراع مع الزمن .

ووسط هذا الكم من التسارع واللهث وراء تحدي الزمن، يأتي لنا مخلوق من مخلوقات الله، أصغر مخلوق، مخلوق لا يري بالعين المجردة فيروس "كورونا المستجد"..

جاء؛ ليهذب نفوسنا ويهدئ عقولنا، جاء؛ ليضعنا -جميعًا- على قائمة الانتظار !

انتظار الدواء أو اللقاح أو حتى انتظار ما يوهمنا به الغرب أننا في حاجة ماسة له بعدما قاموا بتهيئتنا لاستقباله واستخدامه.

جاء هذا الكائن متناهي الصغر؛ ليعلمنا دروسا كبيرة قاسية يلقنها لنا ونحن في منازلنا ننتظر انتهاء هذه الجائحة.

أول هذه الدروس: أنه علينا التوقف عن تحدي الزمن فكل شيء عند الله بمقدار مقدر وموقت، وثانيها: أننا -جميعًا- متساوون في الأقدار فالغني يمرض كالفقير وغناه لن يشفع له في الموت ولا للحظة واحدة.

تعلمنا أن نتوقف قليلاً؛ لنراجع ونقيِّم ما أنجزناه، وأن نسد الثغرات التي تجاوزتها خطواتنا المتسارعة في تقدمها نحو أهدافنا التي عرفنا متأخرًا جدًا أنها العدم وأدركنا أنها الـ"لا شيء".

أما أهم الدروس فهو أن نضع الخطط ونطرح المعوقات والعقبات والصعاب بكل شفافية وصدق مع النفس والواقع، وهذا ما يمكننا من فرض الحلول وفق الإمكانيات المتاحة لنا.

ألم يئن الوقت حتى نكتفي من خنق عقولنا، وحجب أنفسنا عن الاستمتاع بحياتنا بصورة طبيعية نقية؟!، ألم يئن الوقت كي لا نخفي عن أنفسنا مظاهر حياتنا الجميلة وتشويه رونقها؟!، ألم يئن الوقت أن نتيقن من كل هذا ونحن على قائمة الانتظار .

إعلان

إعلان

إعلان