إعلان

كورونا ونظرية المؤامرة.. والأسلحة البيولوجية

د. عبدالهادي مصباح

كورونا ونظرية المؤامرة.. والأسلحة البيولوجية

د. عبدالهادي مصباح
09:00 م الخميس 20 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في مداخلة مع الإعلامي والصحفي الكبير سيد علي خلال برنامجه المحترم "حضرة المواطن" سألني: هل تعتقد أن ظهور فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" إنما هو فيروس مصنع بيولوجياً، أم أننا دائما نتبنى فكر المؤامرة؛ لأن الأوبئة موجودة وحصدت الملايين منذ آلاف السنين مثل الطاعون والجدري والكوليرا وغيرها؟ وأجبته بأنه احتمال لا يمكن تأكيده أو نفيه، وصحيح إن الأوبئة موجودة منذ آلاف السنين ولكن استخدامها كسلاح بيولوجي أيضاً موجود منذ آلاف السنين، وربما كانت هذه التفاصيل مما توقعته في أحد كتبي، فمنذ حوالي عشرين عاماً صدر لي كتاب من بين 26 كتابًا من تأليفي بعنوان: "الأسلحة البيولوجية والكيميائية.. بين الحرب والمخابرات والإرهاب"، وكانت مقدمة هذا الكتاب بقلم صديقي الذي لم أر له مثيلاً في الفكر والتواضع والوطنية والسياسة وحب الناس له د. أسامة الباز- رحمة الله عليه- مدير مكتب الرئيس للشؤون السياسية ومستشاره السياسي آنذاك، لإيماني الشديد بأن العلم هو أهم أسلحة الحروب القادمة التي ينبغي أن نعرف عنها الكثير لكي نحاول أن نتقي شرها وخسائرها، وذلك لعدة أسباب منطقية، فالأسلحة البيولوجية تعد من أشد أسلحة الدمار الشامل فتكاً وتدميرًا؛ لأنها:

v تتكون من كائنات حية معدية تعيش وتتكاثر، وتزداد خطورتها بمرور الوقت والزمن.

v يمكن صنع ترسانة من الأسلحة البيولوجية خلال وقت قصير وبإمكانيات مادية وتكنولوجية بسيطة.

v يمكن استخدام مثل هذا النوع من الأسلحة سواء بواسطة الدول أو المخابرات أو الإرهابيين دون الوصول إلى الفاعل؛ لأن تأثيرها لا يظهر إلا بعد فترة حضانة معينة، يكون الفاعل قد اختفى تمامًا أثناءها قبل أن يتم اكتشاف أمره.

v بعض الميكروبات التي تستخدم في هذا الغرض، مثل: بكتيريا "الأنثراكس العصوية"، يكفي استنشاق واحد على مليون من الجرام منها لقتل إنسان ضخم الجثة، ويكفي أن نعلم أن إطلاق 50 كيلو جرامًا من بكتيريا "الأنثراكس" التي تسبب مرض "الجمرة الخبيثة "، من طائرة على ارتفاع 2 كيلو متر على منطقة سكنية، يبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة، فإن هذه البكتريا يمكن أن يصل إلى مسافة أكثر من 20 كيلو مترًا في اتجاه الريح، فيمكنها أن تقتل من نصف المليون شخص حوالي 100 ألف شخص في الحال بمجرد إطلاقها، وتترك ما يقرب من 125 ألف شخص في حالة إصابات مرضية خطيرة.

v الأسلحة البيولوجية تتميز بأنها فعالة بدرجة كبيرة، وتعيش؛ لتظل تنقل العدوى لفترات طويلة بعد إطلاقها، ويمكنها أن تحدث طفرات جينية تغير من تركيبها الجيني دون تدخل الإنسان بعد إحداث العدوى، كما أنها لا ترى بالعين المجردة، فلا نشعر بأنه تم إطلاقها، كما أن وسائل إطلاقها ميسرة وعديدة.

v هناك الكثير من الميكروبات والسموم التي يمكن استخدامها كأسلحة بيولوجية، بعضها معروف منذ قديم الأزل مثل: "الطاعون والجدري والكوليرا وغيرها"، وبعضها تم تحديثها أو تم تطويره جينياً، وقد ذكر كتاب "منظمة معاهدة شمال الأطلنطي"، أن هناك 39 نوعًا يمكن استخدامها سلاحًا بيولوجيًا، بخلاف عشرة فيروسات جديدة تمامًا خلال القرن الحالي وتشمل: "البكتريا - الريكيتسيا وهي جنس من البكتيريا – الفيروسات – السموم"، ومعظم هذه الكائنات أو السموم التي قد تكون مشتقة من ميكروب أو نبات أو حيوان، وتستخدم لأغراض طبيبة ودوائية مثل: "تصنيع التطعيمات والمضادات الحيوية المختلفة".

إذن ليس هناك صعوبة في تحويل الهدف من وجود مثل هذه الكائنات من أجل تصنيع أسلحة بيولوجية، أو سرقتها من أجل هذا الغرض، ولعل طرق تصنيع الأسلحة البيولوجية المختلفة - مثلها مثل المخدرات والقنابل - موجودة الآن على بعض مواقع شبكة الإنترنت لمن يشاء أن يتعلم كيفية صنعها.

v تدخل علم "الهندسة الوراثية"، وكذلك "البيولوجيا الجزيئية" و"المناعة" في هندسة بعض الكائنات المستخدمة وراثيًا، بحيث لا يؤثر فيها التطعيم الذي يتم صنعه بناءً على التركيب الجيني للكائنات العادية، وليست المهندسة وراثيًا، وكذلك الحال بالنسبة للمضادات الحيوية بحيث لا تؤثر في هذا الميكروب الجديد، ولعل أقرب مثال لذلك هو: "الطاعون السوبر"، الذي تم تصنيعه بواسطة الاتحاد السوفيتي قبل تفككه، بحيث لا يؤثر فيه التطعيم المتاح ضد الطاعون، وكذلك 27 نوعًا من المضادات الحيوية التي كان من المعروف أن لها تأثيرًا على هذا النوع من البكتيريا، وكذلك فيروس "حمى الدنج، و"الأنثراكس"، المسبب للجمرة الخبيثة، والتيفوس، كما تمكن بعض العلماء من وضع جينات بعض الفيروسات أو البكتيريا القاتلة، مثل: الجدري أو الكوليرا داخل التركيب الجيني لبعض أنواع البكتيريا غير الضارة، والموجودة بشكل متكافل في الأمعاء مثلا، وبذلك يصعب اكتشاف الميكروب المسبب للمرض بالطرق العادية، ولا يمكن هذا إلا من خلال فحص الميكروب جينيا بوسائل الفحص الحديثة للوصول إلى البصمة الجينية للميكروب.

v هناك أكثر من 15 فيروسًا ظهرت في الـ25 عامًا الأخيرة، بعضها جديد تمامًا، وبعضها قديم، وكان قد اختفى، إلا أنه عاد للظهور مرة أخرى، ومعظم هذه الفيروسات لا يوجد لها علاج حاسم أو تطعيم حتى الآن مثل الإيبولا، وحمى اللاسا، وماربورج، وهانتا وغيرها، ولعل ذلك ما أغرى جماعة "أوم شيزيكيو" المتطرفة اليابانية بالذهاب إلى زائير عام 1992 عندما انتشر وباء الإيبولا بحجة المساعدة، ثم تبين أنهم ذهبوا من أجل أخذ عينات من فيروس الإيبولا؛ لتصنيعه سلاحًا بيولوجيًا يستخدم في أغراض إرهابية.

v يجب أن نستعد لمواجهة الأوبئة والأمراض المختلفة خاصة مع ظهور العديد من الفيروسات الجديدة، وعودة الكثير من الأوبئة والفيروسات التي كانت قد اختفت منذ فترة طويلة، فمن ضمن الفيروسات الجديدة التي ظهرت خلال الربع الأخير من القرن الماضي فيروس "الهربسHHV-6 "، الذي ظهر عام 1986،HHV-7 الذي ظهر عام 1990، وكذلك فيروس "الهربس HHV-8 "الذي تم اكتشافه عام 1995، وباقي عائلة الهربس، وفيروسات الالتهاب الكبدي C ، الذي اكتشف عام 1994، ثم فيروسات الكبد E، D، كما أن هناك العديد من الفيروسات التي عادت إلى الظهور بشكل وبائي مرة أخرى مثل فيروس: "هانتا"، "والإيبولاً"، وحمى الدنج، وحمى الوادي المتصدع، وماربورج، واللاسا، والإيدز، وإنفلونزا الطيور (H5N1) التي ظهرت عام 1997.

v وفي عام 2002-2003 من هذا القرن ظهر وباء سارس في الصين نتيجة الإصابة بأحد فيروسات مجموعة "كورونا" وعام 2011 ظهر وباء إنفلونزا الخنازير H1N1 في الولايات المتحدة وتم إعلانه وباءً عالميًا بأقصى درجات حالة الطوارئ من منظمة الصحة العالمية، وفي عام 2012 ظهر في السعودية فيروس آخر من عائلة "كورونا" المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS cov ثم انتهى بنا المطاف بفيروس كورونا المستجد 2019 في الصين أيضًا، أو كما سمي أخيرًا Covid 19 والذي يسبب الرعب للناس حول العالم الآن.

v يتم نشر السلاح البيولوجي بعد هندسته وراثيا، لكي تنتقل عدواه بين البشر من إنسان إلى آخر، فالبشر لا توجد لديهم أي مناعة، ولا يوجد فاكسين أو مصل واق حتى الآن؛ للوقاية من هذه السلالة من فيروس الإنفلونزا.

وهكذا تساعد الطبيعة - من خلال ما تحدثه من أوبئة - هؤلاء الأشرار لكي يستخدموا هذه الكائنات الجديدة أو القديمة كأسلحة يرهبون بها البشر في شتى أنحاء العالم

v هناك بعض الفيروسات التي اختفت من العالم الآن مثل فيروس الجدري والذي توقف تطعيم الأطفال للوقاية منه منذ عام 1980، فكانت في أفريقيا آخر حالة عدوى بالجدري عام 1977، إلا أنه تبين أن بعض الدول تحتفظ بسلالات من فيروس الجدري لاستخدامه في أغراض الحرب البيولوجية، وإذا تم ذلك فإن الوباء يمكن أن ينتشر في العالم كله نظراً لعدم وجود مناعة أو تطعيم مسبق ضد هذا المرض.

v حتى في حالة وجود فاكسين أو لقاح ضد الميكروب الذي تم إطلاقه سلاحًا بيولوجيًا فإن هذا الفاكسين لا يصبح فعالاً إلا بعد فترة معينة من تناول جرعات متعددة منه، فالأنثراكس مثلاً يجب تناول 6 جرعات منه للوصول إلى مرحلة الوقاية الآمنة من العدوى به، ولا تحدث المقاومة إلا بعد تناول 4 جرعات من الفاكسين في خلال شهر قبل التعرض للعدوى بهذا النوع من البكتريا، وإذا وضعنا في اعتبارنا أن إطلاق مثل هذه الأسلحة يمكن أن يحدث فجأة، فإننا سنعرف أن التطعيم في هذه الحالة ربما يكون غير مجد في كثير من الحالات، هذا في حالة الوصول إلى نوعية السلاح أو الميكروب المستخدم بالفعل، وفي كثير من الحالات لا يحدث ذلك إلا في وقت متأخر وبعد فوات الأوان.

¨ هناك خصائص تحدد أيًا من الأنواع المختلفة من الكائنات الدقيقة هو الأمثل لاستخدامه سلاحًا بيولوجيًا، ومن أهم هذه الخصائص: سرعة انتشار وإحداث العدوى، ومدى السُمية التي تحدثها، والثبات في حالات الجو المتقلبة، وسهولة تصنيع وتخزين كميات كبيرة منه في حالة نشطة، والقدرة على إحداث المرض بشكل حاد ومؤثر ومميت.

¨ وعناصر السلاح البيولوجي التي يمكن أن تستخدم في الحرب يبغي أن تتوافر فيها 4 مكونات:

1. السلاح البيولوجي: سواء كان كائنًا حيًا ( بكتريا – فيروسات- ريكتسيا - فطريات ) أو سمومًا ويسمىPayload ، وهو عبارة عن الشحنة المتفجرة التي توضع داخل وعاء.

2. الذخيرة Munitions: وهي عبارة عن وعاء صنع خصيصًا بطريقة معينة لكي تظل الشحنة البيولوجية الموجودة بداخله في حالة نشطة ومؤثرة حتى موعد إطلاقها ونشرها بعد الانفجار.

3. وسائل الإطلاق Delivery System: وهي إما أن تكون على شكل صاروخ أو قذائف مدفعية أو قنبلة أو من خلال طائرة رش بدون طيار أو عن طريق روبوتات... إلخ.

4. وسائل نشر السلاح البيولوجي على شكل سبراي وتسمى Dispersal System ويحدث ذلك إما من خلال قوة الانفجار، أو من خلال أجهزة رش تنشر المحاليل التي تحتوي على هذه المواد البيولوجية على شكل رذاذ يتراوح قطره بين 1: 5 ميكرون (الميكرون 1/1000 من السم )، أو أحياناً من خلال نقل العدوى إلى حيوان أو حشرة ثم نشرها في أماكن معينة مثلما حدث مع الفئران أو البراغيث التي يمكن أن تنقل وباء الطاعون والتيفوس، أو الخفافيش التي يمكن أن تنقل فيروس كورونا الجديد المنتشر الآن.

الأعباء الاقتصادية والتكاليف الباهظة لهجوم باستخدام السلاح البيولوجي

وفي إحدى الدراسات التي نشرت في 2 أبريل عام 1997 في مجلة Emerging Infectious Diseases Vol 3 , No.2 (أرجو أن يلاحظ من يسخرون من فكر المؤامرة التاريخ والفكرة) عن الأعباء الاقتصادية في حالة حدوث هجمة إرهابية، استخدم الباحثون ثلاثة أنواع من أشهر البكتيريا المستخدمة في هذا الغرض آنذاك وهي بكتيريا الأنثراكس المسببة لمرض "الجمرة الخبيثة"، والتوليريميا "حمى الأرانب"، وكذلك الحمى القلاعية "بروسيلا"، في حالة ما إذ تم استخدامها على شكل إيروسول على إحدى الضواحي لأحد المدن أو العواصم الكبرى، وكانت النتيجة أن سيناريو استخدام بكتيريا البروسيلا المسبب للحمى القلاعية سوف تكون تكلفته، أو الأعباء الناتجة من استخدامه حوالي 7, 477 مليون دولار لكل 100 ألف مواطن، بينما بكتيريا الأنثراكس ترفع هذه التكلفة إلى 2, 26 بليون دولار.

ولعل هذه التكلفة الباهظة لا تتناسب أبدًا مع التكلفة الزهيدة التي يتكلفها تصنيع السلاح البيولوجي بالمقارنة بالأسلحة الأخرى، فإذا كانت تكلفة السلاح التقليدي 2000 دولار/ كم2، والسلاح النووي 800 دولار/ كم2، والسلاح الكيميائي 600 دولار/ كم2، فإن تكلفة السلاح البيولوجي هي دولار واحد لكل/ كم 2.

وانتهى البحث إلى أن أهم ما يقلل من هذه التكلفة هو سرعة التدخل لإنقاذ الذين تعرضوا للإصابة قبل حدوث أي مضاعفات لهم تزيد من تكلفة علاجهم والعناية بهم.

وسريعًا تعالوا نلقي نظرة على تأثير ما حدث من وباء على اقتصاد الصين؟

• بينما تكافح الصين لاحتواء فيروس كورونا الجديد الفتاك، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الاضطراب في اقتصادها سوف يمتد إلى بقية دول العالم بعد أن تجاوزت خسائرها أكثر من نصف تريليون دولار حتى الأن.

• ستبقى المقاطعات التي تمثل ما يقرب من 69٪ من الناتج المحلي الإجمالي الصيني مغلقةً لأكثر من أسابيع إضافية بعد عطلة رأس السنة القمرية السنوية، وتغلق المصانع والمتاجر والمطاعم، تاركة السفن محاصرة في الميناء، وتقلص من إنفاق الأسر.

• القيود المفروضة على السفر تحد من حركة أكثر من 48 مليون شخص، مع مركز التصنيع واللوجستيات الحيوية في ووهان - مركز الفيروس - الأكثر تضررًا.

• يمثل الاقتصاد الصيني الآن حوالي 17٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو أكبر شريك تجاري لمعظم جيرانه، وهؤلاء الأكثر اعتمادا على الصين سيكونون الأكثر تضررا. يواجه اقتصاد هونج كونج المتعثر بالفعل انخفاضًا بنسبة 1.7% في الربع الأول، ووفقًا لشركة بلومبرج الاقتصادية ستشهد كوريا الجنوبية وفيتنام - اللتان تستفيدان من السياحة الصينية وسلاسل التوريد المدمجة - انخفاضًا بنسبة 0.4% في النمو على المدى القريب، وقد تشهد كل من أستراليا والبرازيل، وهما مصدران للسلع الأساسية إلى الصين، نمواً بنسبة 0.3% دون مستوى الفيروس.

• بينما يقول صانعو السياسات والمديرون التنفيذيون إنه من السابق لأوانه تقييم التأثير الكامل، فقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الضربة ستكون عالمية، فقد أغلقت شركة نايك Nike Inc. حوالي نصف متاجرها المملوكة للشركة في الصين، وتتوقع حدوث خسائر وتأثير "مادي" من الفيروس، كما أغلقت شركة ستاربكس حوالي 2000 من مقاهيها، وتقول شركة أبل التي تصنع معظم منتجاتها في الصين - نظرًا لرخص الأيدي العاملة - إن سلسلة الإمداد بقطع الغيار والأجهزة ستتأثر.

• الصين هي أكبر مصدر للسلع المصنعة الوسيطة التي يمكن إعادة بيعها بين الصناعات المختلفة أو استخدامها لإنتاج أشياء أخرى؛ لذلك تنتعش مشاكلها وتنتقل بسرعة عبر سلاسل التوريد العالمية. في الواقع، تضاعف الاعتماد العالمي على هذه المنتجات إلى 20٪ في الفترة من 2005 إلى 2015.

إعلان

إعلان

إعلان