إعلان

نظرة في ثقافة الإسفاف !

محمد حسن الألفي

نظرة في ثقافة الإسفاف !

محمد حسن الألفي
09:00 م الثلاثاء 18 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كما يتعرض الفرد للهزات النفسية العنيفة، بعد الفشل العاطفي، أو الفشل المهني، أو الزوجي أو بعد رحيل شخص عزيز عليه، هو جزء من كيانه وحياته، تتعرض المجتمعات أيضا لهزات نفسية زلزالية، بسبب الفشل المهلك في اختيار الطريق الأنسب لبلوغ التطور وتحقيق الاحلام الوطنية.

تختار الاشتراكية، وتمشي سنوات وسنوات في دروبها فإذا هي الفقر الموزع بالعدل، مع فئة حاكمة احتكارية.

تختار الرأسمالية، وتمشي في دروبها سنوات، فاذا هي كرابيج حارقة على ظهور وبطون المواطنين.

تختار خلطة بينهما "رأسمالية – اشتراكية" أو العكس، وتمشي في الطريق المختلط هذا، فإذا بك منقسم مشتت... رقصت على سلم التطور. ما يُهمنا هنا هو دراسة الآثار الاجتماعية الناجمة عن سوء الاختيار.

مصر اختارت خطأ طريقا ظنت به التقدم والعدالة والديمقراطية، دعت إليه بتحريض وبتخطيط نخبة تمت إدارتها من الخارج لحساب الخارج، باستخدام الحالمين والمحبطين والرافضين... بعد أقل من عام من السير في الطريق ظهر للناس أنهم في طريق مظلم... يسيطر عليه اللصوص وقطاع الطرق من سياسيين ودينيين ومثقفين وانتهازيين ورجال أعمال متلونين .

وكما تعقب الزلازل والكوارث الإعصارية ما يسمي بالصدمة TRAUMA فإن المجتمع المصري تعرض لارتجاج وفوالق هائلة صدعت بنيته النفسية والروحية .

من أعراض ثقافة ما بعد الصدمة POST -TRAUMA شيوع مشاعر الخوف وعدم التأكد والارتياب والنزوع إلى الدفاع الغريزي عن البدن بأي ثمن.

ويقود ذلك إلى إعلاء رذيلة الكذب كأعلى العملات المتداولة... الكذب ليس فقط في الحديث، بل في تقديم شخصيات مزورة علميا وفنيا وماليا... فيظهر لصوص الفن والتعليم والبيزنس.

تستمر حالة التردي والهوان العام سنوات... ومع الوقت ينتبه المواطن إلى كم الخراب المحيط به... في هذه اللحظة بالذات سوف يدرك أنه خربان من الداخل روحيا ونفسيا... يلي ذلك انتقاله إلى شعور يدعوه إلى الهروب من الحصار داخله وخارجه... عندئذ يكون بيكا وشاكوش ورمضان كورونا وكزبرة وحشيش... في انتظاره... هم المأوى، وهم الملاذ وهم الغيبوبة المطلوبة.

كنا نتعجب "زمان" أن يجد أنور وجدي ورشدي أباظة وغيرهما من نجوم الفن الكأس هو الحل، فيتجرع رشدي كأس المرارة وهو متألم ثم يهتف: "أنا جدع" !

لا يهتف المجتمع الآن هذا الهتاف. يصرخ أنه تغير وأنه اختلف وأنه على خطأ.

حين نفقد أرواحنا في خطيئة أخلاقية أو سياسية كبرى... فإننا ننحط... ويتدنى الذوق ويقترب من دود الأرض.

الأسماء أعلاه تقدم ثقافة لصيقة بدود الأرض. هي تقدم الغذاء الطبيعي الذي تحمله وهي تفرزه لأنه ملائم للبطون الحالية. حين تسقط المجتمعات بفعل يديها... بسبب من أبناء ضالين فيها، فإنها تهوي... وتظل تعوي... وما يطلق عليه اليوم غناء هو غثاء وعواء.

سيمر وقت قبل استعادة التوازن النفسي والتطهر الروحي... وفي الأيام الأخيرة رأينا المجتمع يُفعّل آلية الضبط الاجتماعي، ويسترد عافيته الروحية والآدمية، ويعلن رفضه وتعففه للعفن المسمى بفن يروج للحشيش.

حشيش شاكوش، واستعلاء المصدوم لحد الاختلال من غزارة الثروة بلا حساب... رمضان... استفزا الناس، وطرأت علهم صحوة... نتمنى ألا تخمد جذوتها ...

التربة المصرية لا تزال هشة وقابلة لإنتاج مزيد من ديدان العقل والوجدان. انتبهوا.

المفارقة المحزنة أنه بينما حولت أوروبا كوارثها في الحرب العالمية الثانية ومقتل الملايين من جنودها ومدنييها، سواء انتصرت أو انهزمت، إلى إنتاج فني وأدبي عبقري أبهر عقول العالم... فإن ما تمخضت عنه ثقافة ٢٠١١ هو شاكوش وحشيش وعبده موتة الشهير برمضان ولصوص من أصحاب المقام الرفيع .

إعلان

إعلان

إعلان