إعلان

هكذا تكلم إدوار الخراط عن الرواية والحياة

د. أحمد عمر

هكذا تكلم إدوار الخراط عن الرواية والحياة

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 06 ديسمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مصريٌ وعربيٌ وإنسانيٌ بامتياز. يحمل في ثنايا روحه وعقله ميراثَ مجملِ الثقافات الإنسانية؛ ففيه من الثقافة المصرية القديمة ملامح "سنوحي" المسافر باحثاً عن كل ما هو بعيد وغامض، دون أن تنقطع صلته بوطنه، أو يموت بداخله الحنين إليه.

وفيه من الثقافة اليونانية عقل وفكر الفيلسوف اليوناني سقراط، وتساؤلاته المستمرة عن معنى الحياة وغايتها، وبحثه الدؤوب عن الدلالات الدقيقة للكلمات والمفاهيم.

وفيه من الثقافة المسيحية صلابة وعناد الصارخ في البرية يوحنا المعمدان.

وفيه من الثقافة الإسلامية روح الصوفي الفيلسوف وابن بلدته أخميم في صعيد مصر "ذو النون المصري"، هذا الصوفي الذي شُغل كثيراً بمحاولة فك طلاسم لغة الفراعنة، وبحث بدأب عن "إكسير الفلاسفة" الذي يحول التراب ذهباً.

هو الأديب المصري الراحل "إدوار الخراط " أفضل تعبير عن روح مصر وثرائها الحضاري والإنساني وتعدد أبعادها، والذي وفقني القدر، عام 2008، لحضور الحفل الختامي لملتقى القاهرة الرابع للإبداع الروائي العربي، واستمعت إليه وهو يقول كلمته على المسرح بعد إعلان فوزه بجائزة الملتقى في دورته تلك، ورأيته يغرد كما تغرد البجعة أغنيتها الأخيرة، ويعطي خلاصة تجربته الإنسانية والروائية، التي كان جوهرها "البحث عن كل ما هو قاسم مشترك بين البشر من كل حدب وصوب".

تكلم إدوار الخراط في تلك الليلة، ليوضح أن تجربته الروائية الطويلة لم تنطلق من أيديولوجية معينة حاول التبشير بها، ولم تكن انعكاسًا أو تصويرًا للواقع الاقتصادي والاجتماعي على نحو كامل؛ لأن الرواية التي تهدف لذلك هي رواية تسعى إلى ما هو فوق طاقتها، وليس من وظيفتها.

وأضاف أن رأيه هذا لا يعني أن الرواية يجب أن تكون منبتة الصلة تماماً بالواقع، بل إن عليها أن تهتم بالواقع في مفهومه الأعمق الذي يشمل كل ما لا يمكن حجبه من الظاهر والباطن، من المرئي واللامرئي، من المسمى والذي لا يكاد يُسمى، لأن تلك المكونات عناصر من الواقع.

تكلم إدوار الخراط ليوضح أن تجربته الروائية لم تكن تزجية للوقت، أو بوحا رومانسيا حالما، أو بكاءً على أطلال جروح الذات الفردية؛ لأن الرواية يجب أن تمتد إلى منطقة ما بين الذاتيات الإنسانية، حيث كل ما هو عام ومشترك بين البشر.

تكلم إدوار الخراط ليوضح أن الكتابة الروائية عنده هي بحث عن معرفة روحية أو فكرية، وتلك المعرفة هي معرفة نسبية، ليست مطلقة. هي معرفة لا تقدم نسقاً فكرياً مغلقاً يحيط بالحياة إحاطةً كاملة، ولكنها تهدف للذهاب إلى أقصى حدود الشيء، لأن هدفها دائما الذهاب إلى ما هو أعمق وأعمق.

تكلم إدوار الخراط ليؤكد أن الرواية في جوهرها دعوة للمشاركة في الخبرة الروحية والجمالية الإنسانية، وليوجه اللوم إلى النقاد الذين يجهلون الحديث عن البعد الجمالي والخبرة الروحية في مجال الكتابة الروائية، أو يخشون الحديث عنه.

في النهاية، تكلم إدوار الخراط ليوضح أنْ لا وجود لعالم إنساني دون رواية؛ لأن عالمًا دون رواية هو عالم دون مقوم جوهري من مقومات الحياة الإنسانية؛ لأن الإنسان بالأساس هو حيوان روائي أو حيوان خيالي.

رحم الله أديبنا المصري الراحل والرائع إدوار الخراط الذي احتفلنا في الأول من هذا الشهر بالذكرى الخامسة لرحيلة؛ ولهذا تذكرت ما دونته في مفكرتي عن أفكاره التي قالها ليوضح خلاصة تجربته الروائية وأفكاره وتصوراته عن الحياة والبشر، وعن الإبداع الروائي وأهم هواجسه ومنطلقاته ومقوماته وغاياته.

إعلان

إعلان

إعلان