لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ماذا بعد الصندوق؟

لميس الحديدي

ماذا بعد الصندوق؟

لميس الحديدي
12:25 م الإثنين 08 أبريل 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أصدر صندوق النقد الدولي مؤخرًا تقريره الدوري الرابع الذي يستكمل فيه مراجعة أداء الاقتصاد المصري، ضمن برنامج الإصلاح الذي وقع في ٢٠١٦.. التقرير الذي أشاد بالأداء الاقتصادي الكلي وتحسن الأرقام المالية يعد التقرير قبل الأخير؛ حيث تحصل مصر على آخر شريحة من قرض الـ١٢ مليار دولار في يونيو المقبل، إيذانا بانتهاء البرنامج في نوفمبر ٢٠١٩. وهنا علينا أن نسأل أنفسنا:

ماذا بعد الصندوق؟

هل أعددنا أنفسنا للمرحلة القادمة؟

هل نستطيع الخروج من "الحضانة" لننطلق دون مساعدة، ودون قروض، ودون جدول زمني أو مشورة مستمرة؟!

التقرير جاء في مجمله إيجابيًا، قال باختصار إننا بالفعل نسير على الطريق الصحيح: تمكنا خلال الإجراءات الإصلاحية من تحقيق التحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي (وهي أهم أهداف البرنامج الذي وقع في ٢٠١٦): ارتفع معدل النمو إلى ٥,٣٪‏ عام ١٧/١٨ وهو الأعلى سنويًا، منذ عشر سنوات (طبقا للتخطيط)، انخفضت البطالة إلى أدنى مستوياتها منذ عام ٢٠١١، انخفض التضخم من ٣٣٪‏ منتصف ٢٠١٧ إلى ١٢٪‏ في ديسمبر ٢٠١٨ والتوقعات تشير إلى بدء انخفاض الدين العام في موازنة ١٩/٢٠ (آخر أرقام الدين الخارجي ٩٣,١ مليار دولار في 18 سبتمبر).

التقرير كشف أيضا عن الخطوات القادمة التي تعهدت بها الحكومة، ومنها الانتهاء من رفع الشريحة الأخيرة من الدعم على المحروقات منتصف يونيو المقبل وتفعيل آلية السعر المرن عليها.. وهنا كنا نتمنى أن تعلن الحكومة على الناس- قبل الصندوق- ماذا ينتظرهم.

صحيح أن برنامج الإصلاح معلن بالفعل، وقد ناقشت خطواته بالتفصيل على الشاشة مرارا، وصحيح أنه برنامج الحكومة المصرية نفسها قبل أن يكون برنامج الصندوق، لكن الكشف عن التوقيتات والإجراءات دائما يأتي من الخارج وليس من الداخل.. وكأن الحكومة تتعهد فقط بالأخبار السعيدة، أما الأعباء، فنتعرف عليها من الخارج! كما أن آلية السعر الجديدة لا تزال غير واضحة، ولم نرَ أثرا لتطبيقها على بنزين ٩٥، فهل تعني أن انخفاض أسعار خام برنت في الخارج سيؤدي إلى انخفاضه في محطات البنزين المحلية، كما يحدث في أمريكا مثلا، أم أننا سنشهد ارتفاعاته فقط؟

مع رفع آخر شريحة عن دعم المحروقات يكون برنامج الصندوق قد اكتملت أركانه وحقق معظم أهدافه.

فقد قضى على الدعم (على المحروقات) والذي كبل الموازنة لعقود طويلة دون جرأة للاقتراب منه، وفك الحصار على العملة المحلية- أو كاد- وأسهم في إصدار عدد من القوانين المهمة المتعلقة بالتراخيص، والمشتريات الحكومية، والإفلاس وإصدار ضريبة القيمة المضافة.

إجراءاتٌ استهدفت جميعها إصلاح الموازنة، وخفض العجز، وتحسين أداء سوق النقد وصولا لمعدلات نمو إيجابية مع حماية للفئات الأقل دخلًا أثناء عملية الإصلاح.

ومن الإنصاف هنا أن نقول إن أيا من تلك الإجراءات ما كان يمكن أن يجد طريقه للنور دون إرادة سياسية حقيقية وجرأه لم نمتلكها من قبل، وقدره تحمل من المصريين فاقت كل التوقعات للوصول إلى بر الأمان .

يرحل الصندوق، إذن، في نوفمبر المقبل، بعد أن أقرضنا ١٢ مليار دولار، ومنحنا شهادة ثقة اقتصادية قيمة ساعدتنا على أن نجتذب عن طريق الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين المختلفة- أكثر من ٢٠ مليارا أخرى، إضافة إلى الحصول على منح ومساعدات متنوعة من دول ومؤسسات أجنبية، جميعها ساعدنا على عبور المرحلة الصعبة والبدء في تحسين معدلات النمو.

فماذا بعد الرحيل؟ ذاك هو التحدي الأكبر.

فالأرقام حين يقرؤها المواطن لا تعني له الكثير، لذا فإن المرحلة القادمة يجب أن تشهد حفاظًا على ما حققناه أولا، ثم إطلاقا لطاقات هذا الاقتصاد ليصل بثمار الإصلاح إلى بيوت المصريين، وليس فقط إلى أسماعهم.

وضعنا الصندوق على بداية الطريق، لكن الباقي لا يقل أهمية. فبدون إصلاح هيكلي قطاعي وبدون العمل على تشجيع الصناعة والخدمات وبدون سياسة نقدية مرنة وبدون قطاع خاص مشارك بشكل فاعل، ستقف مسيرة الإصلاح عند الحدود المالية والكلية فقط. وقد تستمر معدلات النمو في تحسنها لفترة وجيزة، ثم تبدأ في التراجع لأننا لم نواصل البناء على ما حققناه.

فالنمو لا يمكنه أن يعتمد فقط على السياحة وتحويلات المصريين من الخارج والاستثمارات الحكومية في البنية الأساسية والقروض، كما أنه لا يجب أن يبقى هشًا تهدده تحركات أسعار النفط أو الأزمات الخارجية. النمو الراسخ يحتاج إلى استثمارات مباشرة داخلية وخارجية (وليس فقط في أدوات الدين كيلا تكبلنا بالفوائد الثقيلة بالفعل)، وفي قطاعات تساعد على التشغيل وتحقق قيمة مضافة كالصناعة والخدمات والتجارة. وهنا علينا أن نقف كثيرًا أمام تراجع أرقام الاستثمارات الأجنبية المباشرة من ٣,٨ مليار دولار في النصف الأول من العام المالي ١٧/١٨ لـ٢,٨ مليار في نفس الوقت من ١٨/١٩.. لماذا رغم اتخاذنا كل الإجراءات الإصلاحية؟ وكيف يمكن علاج ذلك؟

لن يتأتى هذا النمو، ولن تتحقق الاستثمارات دون مشاركة حقيقية من القطاع الخاص، ذلك لن يحتاج فقط إلى شهادة صندوق النقد أو غيره، لكنه وفي الأساس يحتاج تهيئة مناخ. والمناخ هنا يعني أن يتقدم المستثمر، فيحصل على الأرض اللازمة لمشروعه، دون تعقيدات، ويحصل على التصاريح اللازمة للتشغيل في الواقع وفي توقيتات محددة (موضوع تراخيص الأراضي الصناعية ذكرها الصندوق في تقريره أنه من أهم التحديات)، ويبني توقعاته السليمة على سعر العملة بوضوح، وإذا تعرض لمشكلة يستطيع أن يجد قانونًا ينصفه وعدالة ناجزة وسريعة، لأن البطء في التقاضي يكلف أصحاب المال الكثير. هذا هو المناخ الذي يحتاجه المستثمر لكي يضخ أمواله، ويفتح فرصا للتشغيل. إصلاحات لا تقل صعوبة أو جرأه عما تم إنجازه، دونها لن تجد الدولة موارد دولارية لسداد فوائد ديونها وسد الفجوة التمويلية، فتضطر للاقتراض من جديد أو اللجوء إلى زيادة الضرائب.

جزء مهم من المناخ المواتي للاستثمار أن يشعر المستثمر بعدالة المنافسة. وهنا يجب أن يكون الحديث صريحًا طالما أنه يستهدف مستقبل هذا البلد! فلا تتحقق عدالة منافسة مع اتساع نطاق استثمارات الدولة (٤٦٪‏).

فهل نحصل على التراخيص والتصاريح في نفس التوقيت؟

وهل ندفع نفس التكلفة؟

وهل تخصص الأرض بنفس السهولة؟

هذه العقبات تقف أمام أي مستثمر خاص، بينما تيسر للدولة، فلا تتساوى التكلفة.

صحيح أن الاقتصاد كان يحتاج لدفعة من استثمارات الدولة تقود العربة المعطلة.

وصحيح أن القطاع الخاص ما كان يستطيع أن يغامر في مشروعات البنية الأساسية بتلك الضخامة (وقد أسهمت بالفعل تلك المشروعات في دفع النمو وخفض البطالة)، لكن استمرار توسعها يقتل القطاع الخاص ببطء، ولا يصلح هياكل الاقتصاد الحقيقي المتعثرة، بقدر ما يخلق نظامًا موازيًا ويحول المستثمر في جميع القطاعات إلى مقاول من الباطن في مشروعات الدولة.

المرحلة القادمة تحتاج لانطلاق القطاع الخاص في مشروعات كثيفة التشغيل، تحقق القيمة المضافة للاقتصاد لترسخ أسباب النمو.

كما تتطلب إعادة النظر في دور الدولة في الاقتصاد وحصر مشاركتها الاقتصادية على المشروعات الاستراتيجية فقط، مع التركيز على الجوانب الاجتماعية والصحية التي تحتاج استثمارات ضخمة.

فكيف يمكن أن يتسق إعلان الصندوق- والدولة نفسها- عن بيع حصصها في مشروعاتها السابقة، من خلال البورصة في المرحلة المقبلة، بينما تتوسع استثماراتها الجديدة في الوقت نفسه؟! أيَّ طريق نتخذ؟ وأيَّ منهج؟

علي الدولة أن تقف رقيبا محايدا، فتتدخل بأدوات القانون، إذا ما انحرف المسار، وتشابكت جماعات المصالح ليبقى همها الأساسي هو ضبط السوق والحفاظ على المنافسة ومنع الاحتكار وتضارب المصالح.

ينهي صندوق النقد تجربته "الناجحة " في مصر، خلال أشهر قليلة، وقد ساعدنا في تحقيق الكثير.

ويبقي الاستمرار في النجاح أو التراجع عنه، بعد رحيله، رهن جهدنا وأرقامنا واختياراتنا ورؤيتنا، ورهن إرادة مصرية خالصة: سياسية وشعبية. الهدف منها واحد: أن تتحسن أحوال المواطن، وأن نرى مصر قوية على الطريق الصحيح.

إعلان

إعلان

إعلان