إعلان

منظومة مراقبة إجراءات الأمن وحادث قطار رمسيس

د. غادة موسى

منظومة مراقبة إجراءات الأمن وحادث قطار رمسيس

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:00 م السبت 02 مارس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بعيداً عن اعتبارات الاستهانة وتكرار ذات الأخطاء في فترات زمنية متقاربة، وحتى تتضح نتائج تحقيقات النيابة حول هذا الحادث الأليم، وبعد أن طالعتنا بعض وسائل الإعلام بموقف سائق القطار الذي بدا عليه أنه لم يحصل على تدريب يتناسب مع أهمية وخطورة عمله كسائق قطار، يحمل معه عددا من الركاب يفوق عدد ركاب الطائرة، أي أنه بمثابة ربان للقطار.

فهذا حاله، وهذا تفكيره المتواضع الذي لم يسعفه إلا أن يقرر بمعزل عن أي أكواد للعمل والسلامة المهنية أن يترك عمله ليعود له اليوم التالي- كما قال- أو لا يعود! علماً بأنه يعمل في هذا المرفق، منذ ما يزيد على العشرين عاماً.

بعيداً عن كل ما سبق، لنا جميعا أن نتساءل عن طبيعة خطة إصلاح هذا المرفق منذ زمن بعيد، علما بأن "س. ح. م" سكك حديد مصر ثاني أقدم سكك حديد العالم.
ولكن هل يمكن الآن أن نقارن بين سائق القطار في المملكة المتحدة التي هي أقدم سكة حديد في العالم، وبين سائق القطار المصري؟
أجل، يجوز، ولا بد من ذلك. ولا خاب من استشار والعلم لأهله.

وبمراجعة عدد من الخبرات الهندسية والإدارية يمكن تحليل حادث قطار رمسيس المفجع، وفق خمسة محاور:


١- إدارة الموارد البشرية التي تعمل في هذا المرفق، ليس فقط بالتركيز على ما تتقاضاه من رواتب، وإنما أيضا على سلامتها الجسدية والنفسية وخلوها من الأمراض وشبهات تعاطي المخدرات والمسكرات، بالإضافة للبرامج التدريبية التي تحصل عليها في مجالات إجراءات الأمن والسلامة وكيفية التعامل مع المشكلات والمخاطر غير المتوقعة.

وفي هذا الصدد، أود الإشارة إلى أن الدولة يمكن أن ترفع مرتبات فئة سائقي القطارات والنقل العام، ولكنها تظل محدودة مهما كانت نسبة الزيادات ما تذهب إلى شراء المسكنات والمخدرات.

٢- إدارة الطرق التي تسير فيها القطارات.
وأقصد بها حرم الطرق التي تسير فيها القطارات التي صارت محاطة بالأبنية والباعة الجائلين، وكل انواع الأنشطة البشرية التي تهدد حركة القطارات، وتهدد أيضاً المتواجدين في حرمها.
فيلزم إخلاء حرم تلك الطرق من كل أنواع الأنشطة البشرية لمسافات تحددها أكواد الأمن والسلامة.

٣- إدارة المرفق نفسه كعربات قطارات وسكك حديد.
وهو موضوع تكرر كثيراً، منذ حقبة الرئيس الأسبق مبارك. فمازالت عربات القطارات متهالكة وإجراءات صيانتها بطيئة، كما أن إدارة خدمة المرفق متواضعة للغاية. فضلا عما سبق، فإن عدد العربات غير كافٍ بالمقارنة بانتقالات الأفراد واحتياجاتهم.

٤- تطوير وتحديث ومتابعة مسار القطارات، أي كفاءة السكك الحديدية. وتتطلب متابعة يومية إلكترونية لضمان سلامة القضبان الحديدية وأمنها، خاصة في مناطق التبادل والمنحنيات، وكفاءة عمل المزلقانات.

٥- أكواد السلامة والرقابة على الإجراءات الأمنية security control
وإجراءات الرقابة الأمنية هي إجراءات احترازية لتجنب وتحديد والتعامل وخفض المخاطر الأمنية التي يمكن أن تهدد الأصول التي تملكها الدولة، كالبشر والمعلومات والنظم والمنشآت وكل الأصول الأخرى.
وهذه الإجراءات تتحدد وفق اعتبارات التوقيت واعتبارات نوع الحدث نفسه، وتنقسم إلى:
- إجراءات رقابة مانعة:
وهي الإجراءات التي تمنع الحدث من وقوعه، من خلال مراقبة أداء المسؤولين ومنع غير المسؤولين من الولوج إلى الأصول التي تمتلكها الدولة.

- وإجراءات التتبع:
وهدفها التعرف وتحليل وتشخيص الحدث أو العمل الجاري ومتابعته من حيث وجود نظم تأمين وتوجيه المعنيين في المنشأة أو المتعاملين معها، ثم توجد إجراءات الأمن التصحيحية أو التصويبية؛ بهدف الحد من تداعيات الخسائر عبر إعادة المنشأة لوضعية العمل اليومي الطبيعي وبأكبر قدر من الكفاءة- مثلًا.

هذا من حيث التوقيت، أما من حيث طبيعة الحدث، فهناك:
- الرقابة المادية.
بمعنى رقابة كفاءة عمل الأسوار والبوابات والمخازن وطفايات الحرائق.
- وهناك رقابة الإجراءات.
وتشمل إجراءات الاستجابة لوقوع حدث ما وقدرات حل المشكلات، وإدارة منظومة الرقابة والمتابعة ذاتها، والوعي بالإجراءات الأمنية والتدريب.

أما بالنسبة للرقابة الفنية، فتشتمل على:
- منظومات إلكترونية، منها أكواد السماح بالدخول على منظومات التشغيل المختلفة وبرامج مكافحة الفيروسات الإلكترونية واختراق الحواسب.

- الرقابة المتعلقة بالامتثال للقوانين وللإجراءات والسياسات الضامنة والمحققة لذلك.

وعليه، فبإمكان أي إنسان اختبار هذه المحددات الخاصة بالتوقيت ونوعية الحدث على الحوادث والكوارث التي تعرضت لها مصر للتعرف على جوانب الضعف وعلى الثغرات الموجودة لإصلاحها بشكل مستدام وليس من خلال إعطاء مسكنات دون اجتثاث المرض من جذوره.

وللذين يرون- ومع كامل الاحترام لحرية التعبير عن الرأي- أن الوزير غير مسؤول، وأن استقالته لن تسهم في تحسين الأوضاع، أقول لهم بروِيَّة:

إن الوزير مسؤول سياسيٌ وموجه ومراقب لوضع وتنفيذ سياسات عامة تراعي الكفاءة والفعالية والنزاهة والشفافية والاستجابة لاحتياجات المواطنين وتضمين آرائهم في سبيل تحسين أداء المرفق.

ولهذا هو خاضع للمساءلة عن كفاءة إنفاذ هذه السياسات وقدرتها على تحقيق قيمة اجتماعية مضافة.

وهو ليس مُعفًى من المسؤولية، ولا المساءلة؛ لأنه لم يضمن وضع المحددات السابقة، من حوكمة، وإدارة مخاطر، ورقابة، وامتثال موضع التنفيذ.
فهل من مستمع؟!

إعلان

إعلان

إعلان