إعلان

فرصة هجرة

أمينة خيري

فرصة هجرة

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 18 فبراير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تختلف رؤية من هم في الخارج عمن هم في الداخل؟ وهل ينظر المواطن الذي يعيش في داخل بلده إلى مشكلاته وتفاصيل حياته اليومية بطريقة تختلف عن نظرة من يعيش في الخارج؟ المؤكد أن الإجابة هي "نعم"!

ربما تكون رؤية البعيد أوسع وأعم، بل قد تكون أكثر صوابًا وأعمق من حيث الرؤى والنظريات، لكن يظل من يده في المياه غير من يده في نيران العيشة واللي عايشينها. نقاشات عدة وحوارات لا أول لها ولا آخر تدور بين الأصدقاء والمعارف والأقارب ممن يعيشون في مصر وخارجها حول تفاصيل الحياة في الوطن.

وبحكم مروري بتجربة العيش خارج الوطن سنوات طويلة، فقد أصبحت ملمة بالجانبين:

الجانب التنظيري، والجانب الغارق حتى شوشته في الواقع حلوه ومره. مروري على مجموعة "واتس آب" مخصصة لنقاشات أصدقاء وصديقات من أيام الجامعة موزعين على دبي والكويت والسعودية وبريطانيا وفرنسا وسويسرا وعمان وإسبانيا وأمريكا وغيرها، بالإضافة إلى القاهرة والإسكندرية قبل أيام جعلني ألوم نفسي على كل لحظة تنظيرية صدعت بها رؤوس الأصدقاء والأقارب وقت كنت مقيمة في الخارج.

المقيمون في الخارج يتحولون بعد سنوات- بحكم المعايشة- إلى تطبيق معايير البلد المضيف على البلد الأم. لماذا؟ لأنها منطقية؟ أما لماذا لا يمكن تطبيقها؟ فلأنها نظرية ولا تمت بصلة في الكثير من الأحيان إلى أرض الواقع.

خذ عندك على سبيل المثال لا الحصر هذه المقاطع: يقول المواطن المغترب: "حاجة غريبة جدًا فوضى المرور التي وجدتها في القاهرة. ما تشغلوا إشارات المرور بدل هذه العشوائية". يرد المواطن غير المغترب: "لأن الإشارات لا تعمل". يقول المغترب: "طيب ما تصلحوها". يرد غير المغترب: "هي مش بايظة. دي جديدة". يستأنف المغترب: "طيب ما تشغلوها!" يرد غير المغترب: "ما هما مش عايزين يشغلوها"، يسأل المغترب: "مين اللي مش عايز؟"، يرد غير المغترب: "اللي ركبوها". فيعاود المغترب: "طيب ركبوها ليه؟" يردد غير المغترب: "علشان يصلحوا المرور".

مجرد المرور على مثل هذه النقاشات كفيل بإدخال الجميع في دوامة عميقة مريعة مريبة. فالمغترب قادر على رؤية المشهد من أعلى. يرى المشكلة وقتما يمضي بضعة أيام في الوطن، ويرى أيضًا حلولها التي يعايشها في غربته.

شوارع قذرة.. حلها سن قانون يحوي عقوبة على من يلقي القمامة في الشارع، مع توفير وسائل للتخلص من القمامة.

شوارع مزدحمة بالسيارات الملاكي.. حلها توفير مواصلات عامة تحترم الآدمية، وتضمن السلامة.

مصاعد متهالكة في عمارات سكنية تسقط بالسكان.. حلها إجبار أولي الأمر على الصيانة الدورية.

مأكولات جاهزة تصيب الناس بنزلات معوية.. حلها فرض رقابة صارمة وعقوبات رادعة.

منظومة طلب خدمات من الأبواب الخلفية والتقدم بتظلمات للمعارف ومعارف المعارف في الوزارات.. حلها توفير خدمة "ديوان مظالم" خاضع للرقابة وضامن للعدالة.

مواقع خبرية منفلتة ووسائل إعلام تفتئت على الشائعات.. حلها معايير عمل إعلامي وضوابط أداء صحفي وإعادة النظر في مناهج الإعلام ومن يعمل بالإعلام.

ومن باب العلم بالشيء، فإن سرد هذه الحلول أسهل ما يكون لأنها منطقية ومفعّلة في دول عدة يعيش فيها المغتربون.

لكن السرد ليس كالتنفيذ. وغير المغتربين- رغم كونهم قادرين على رؤية هذه الحلول السهلة- فلا يمكن إلقاء اللوم عليهم لعدم تنفيذها.

أغلبهم غارق في تفاصيل الحياة اليومية المنهكة للأعصاب والمجهود والمهدرة للوقت والفكر.

الفكر القادر على القيام بدور همزة الوصل بين تنظير الخارج وتفعيل الداخل وحده هو الذي سينجح في سد الفجوة الحالية.

وبدلاً من نقاشات الهبد والرزع بين من يمتلك النظرية ومن هو غارق في الواقعية، فلنحول الدفة صوب المساندة من أجل التفعيل، أو المساعدة في العثور على فرصة هجرة.

إعلان

إعلان

إعلان