إعلان

صائدو الأعراض

محمد حسن الألفي

صائدو الأعراض

محمد حسن الألفي
09:02 م الثلاثاء 12 فبراير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عاد الصندوق الأسود يعربد ويهدد. عادة، لا يكون الصندوق سوى قطعة من الصلب مكتومة على تسجيلات للحظات الداهمة عند وقوع كارثة في الجو، أو في البحر. صار اليوم يعمل أيضا على البر. في غرف النوم. هذه التسجيلات في الجو أو في البحر.. فارقة وكاشفة ومفيدة في التعرف على أسباب السقوط، والغرق، وماذا جرى. اليوم لم يعد الصندوق الاسود مقيما في قمرة قائد الطائرة، ولا في قمرة ربان السفينة. اليوم بات الصندوق تحت السرير، أو في صورة كاميرا مدفونة في جدار تطل عليك بلا حياء. أو من فعلها صاحبها السيكوباتي.

لم يتلق المصريون بارتياح، قبل ثلاثة أعوام، صندوق (عبدالرحيم) الأسود، ولو علمتم فهو أسود مما في الصندوق.

واليوم لا يستقبل المصريون بأي ارتياح العودة إلى نهش الأعراض وهتك الأسرار وفضح الناس. منذ أسبوع،والفتاتان مي وشيماء، مشبوحتان للعرض العام في مجالس النميمة، ومسالخ الفيسبوك وتويتر وإنستجرام.الفيديوهات في السوق، ويتبادلها الناس كما يتبادلون التهاني أو العزاءات والإفيهات الجارحة. ناس تفرجت وناس عفت وأعرضت. أغلبية تفرجت واستعاذت بالله، وهي ذاتها الأغلبية التي صبت ولا تزال اللعنات على المخرج خالد. له تاريخ عريق في تصوير المناظر القوية الصادمة في العلاقات غير السوية في أفلامه (راجع حين ميسرة). وفيلمه "هي فوضى" كان سيناريو تفصيليا للفوضى اللاحقة، نفذوها بحذافيرها.

أختلف كل الاختلاف مع هذا المخرج المؤمن بثنائية العنف والجنس في أعماله، منسوجة في غلالة دينية،تشكك، ولا تقنع. (فيلم السيد عمر حرب، المأخوذ عن فيلم كازينو).

ومع ذلك فإن نهش عرضه وعرض الفتاتين واستباحة لحوم الثلاثة في جلسات المؤانسة هو أمر يفتح الباب واسعا أمام سيول من الشبهات والفضائح الحقيقية وغير الحقيقية. وليس ثمة تردد في القول بأن زمرة من المسربين الفاسقين اعتادوا العمل ضد مواثيق الحق والعدالة والشرف التي يأخذ بها الكبار المحترمون في واحدة من أشرف المهن.

أتحدث عن محامين وضعاء على أرصفة العرائض هم جالسون، يتصيدون قضايا الأعراض بحق وبباطل.

هذه الزمرة ممن يصطادون الأعراض هم صائدو الذباب.

وفى وسط الجدل الحار المحتدم حول تعديلات في الدستور، يظهر صيادو الأعراض الفاسقون هؤلاء، قد اختاروا أبشع الأوقات، لأنهم بالطبع عشاق القبح، ولا ينتظر منهم اختيار أجمل الأوقات. بضاعة الأعراض بطبيعتها مقرفة بقدر ما هي حساسة. بل هي لأهالي الأشخاص المعروضة لحومهم ودقائق أدائهم، قاتلة بكل معنى الكلمة. قاتلة للأب وللزوج وللأخ، وللأم، بل قاتلة ومدمرة للأولاد والبنات من أبناء المفضوحين.

هل ينتبه المجتمع إلى أن الاتجار بالفضائح تجارة تمضي في اتجاهين. اليوم أنت تتفرج، وغدا أنت الفرجة.

في بداية حكم الرئيس الراحل أنور السادات، كان أول ما فعل أن أحرق الشرائط المسجلة للفنانين والسياسيين والشخصيات العامة، وليحرر الناس من الابتزاز، ولإفشاء روح الستر، وغض البصر عن الحرام...

لكن حرام الحرام أن يستر الله وأن يفضح المبتز في صورة وضيع صياد ذباب.

هذا الوضع اللزج جعل المخرج يربط بين رفضه تعديلات الدستورزبين المنسوب إليه. وهذا فإن المنسوب إليه والمنسوب إلى النائب الآخر هيثم الحريري هو مما يضر موقف الدولة أخلاقيا، وهي غير ضالعة في هذا اللون الحقير من ألوان الابتزاز.

ليس من شيم الدولة المصرية، فرض رأيها بابتزاز رخيص. هي أعلى وأسمى خلقا؛ وهكذا فإن تسرب، ولن أقول تسريب هذه الرخص والوضاعة، جعل المخرج يصطنع بطولة أخلاقية وهو عار منها (عار وليس عارا للتوضيح).

يسترنا الله.. فنتفاضح ثم نشمئز ونقول: اخص.

والسؤال الآن: من يشيع الفاحشة؟

الفاعل في حجرته، في بيته.. أم ناشر الفيديوهات على الملايين؟!

تبًا

إعلان

إعلان

إعلان