لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الخدمات الحكومية.. مطلب جماهيري مؤجل

الخدمات الحكومية.. مطلب جماهيري مؤجل

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:01 م السبت 15 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يطلق عليها البعض الخدمات الحكومية والبعض الآخر يطلق عليها الخدمات الجماهيرية. وفي بعض دول العالم تسمى الخدمات العامة. وكل المسميات تحتوي على فكرة النفع العام والصالح العام.

وقد وقعت الخدمات الحكومية على مدى ٦٥ عاما ضحية عدم اتفاق السياسيين وصناع القرار على ملكيتها وتبعيتها وتكلفتها. وارتبطت ذهابا وإيابا بطبيعة النظام السياسي الموجود.
وتُعرف الخدمات الحكومية بأنها العمليات والإجراءات التي تقدمها الحكومة من أجل توفير سلعة كالكهرباء أو المياه أو الغاز، أو توفير خدمة كالنقل لكل أفراد المجتمع. كما تعرف بأنها معاملة تتم من أجل النفع العام.

أي أنها تقدم من الحكومة، أي أن الحكومة هي المقدم لهذه الخدمة، ومن ثم المالك لسياساتها وعملياتها وإجراءاتها، ومن ثم الطرف الذي يخضع للمساءلة في حالة التقصير أو الإخفاق في تقديمها من قبل البرلمان أو الجماهير أنفسهم.

كما أنها تقدم بغرض تحقيق النفع العام. والنفع العام هو الرفاهية العامة، مقارنة بالمنفعة الخاصة والرفاهة الخاصة المتحققة للأفراد. والنفع العام هو مطلب عام من الجماهير وللمجتمع مصلحة في تحققه. وتوجِب تلك المصلحة وذلك المطلب اعترافا من الحكومة بذلك، ومن ثم تطوير تلك الخدمات وحمايتها. لذلك، فالأساس هو أن تقدم الخدمات الحكومية مباشرة من قبل الحكومة للأفراد.

وتجدر الإشارة إلى أن ما سبق لا ينفي أمرين:
الأول- إمكانية أن تقدم الحكومة الخدمات من خلال وسيط يمكن أن يكون جمعية أهلية أو مؤسسة ربحية نظير نفقات إضافية يتم تحديدها.
الثاني- تقدم لكل الأشخاص القاطنين في الدولة، كُلُّ حسب احتياجاته. ومن ثم فهي لا تتأثر بأي اعتبارات سياسية، سواء تغيُّر الحكومة أو مرور الدولة بمشكلات اقتصادية، لأنها كما سبق ترتبط بتحقيق رفاهة الأفراد ونفعهم العام.
وبالتالي يمكن أن تقدم الخدمات الحكومية بوسائل متنوعة دون المساس بالإجراءات الرئيسية اللازمة لتقديمها. وهذا أيضا لا يشير إلى أنه لا بد أن تكون إجراءات طويلة ومرهقة ومعقدة، وإنما أن ترتبط الإجراءات بعمليات واضحة وبسيطة وتكون مرآة لتلك العمليات ابتداء وانتهاءً.
ويظل مطلب تطوير الخدمات الحكومية مستمراً منذ عقودٍ في مصر، ويظل عدم الاتفاق بين صانعي ومتخذي القرار حول ماهية الخدمات الحكومية وملكيتها وعملياتها وإجراءاتها قائما. وهذه حقيقة لا يجب إنكارها، إذا ما أردنا أن نضع حدا وحلاً لمعضلة الخدمات الحكومية كمطلب جماهيري مؤجل.
...

ما هي الإشكالية إذن؟ الإشكالية تكمن في السياسات. فسياسات تحديد وتقديم وتطوير الخدمات الحكومية غير واضحة وغير متفق عليها بين سياسيي الحكومة وبين المتخصصين والخبراء. وفي كل مرة نصل فيها كمجتمع مصري لهذه المرحلة، يتم اللجوء مباشرة للقطاع الخاص لحل الإشكالية. وهو أمر وفقا للتعريف السابق للخدمات الحكومية جائز وممكن، ولكن قد تستعصي تكلفته وثمنه على أصحاب الأجور البسيطة؛
كما أن التوافق بين سياسيي الحكومة على تحديد تلك الخدمات وأولويات التطوير غير واضحة لهم أو للمجتمع. وهو ما يُطلق عليه الخبراء سياسة المراحل في التطوير. فليس شرطاً أن نطور كل الخدمات في مرحلة واحدة، إذ يمكن البدء في تطوير الخدمات الأكثر اتصالا بنفع ومصالح الجماهير كالأوراق الثبوتية (خدمات مصلحة الأحوال المدنية) وخدمات المياه والكهرباء التي تعتبر مواد إنتاج وتجديد للنشاط الإنساني، وخدمات النظافة باعتبارها تتصل بجودة حياة وصحة الجماهير. وتحديد الأولويات يحتاج إلى توافر فكر تنموي والتوافق على هذا الاقتراب بين سياسيي الحكومة. وهذا قد لا يكون متوافراً أو معلناً عنه لطمأنة الجماهير بأننا نسير في الاتجاه السليم.
الإشكالية الأخرى تتعلق بمفهوم التطوير ذاته، فكيف نفهم التطوير؟ هل يمكن تطوير خدمات تعاني من إشكاليات في العمليات والإجراءات؟ الإجابة هي النفي. فلابد من إعادة النظر في الخدمة ذاتها: نفعها، جماهيرها، متطلبات وجودها ونضجها. وهنا تكمن الإشكالية، إذ لا يمكن التأسيس على بناء مهدد بالانهيار. فالحكومة- خلال السنوات العشر السابقة- قامت بجهود طيبة لتطوير العديد من الخدمات الحكومية من خلال ميكنتها. وكانت خدمة التنسيق الجامعي من أجرأ السياسات التي تم وضعها بعملياتها وإجراءاتها بحيث أصبح لدينا خدمة مميكنة بشكل كامل. وعلى أهميتها، تظل خدمة واحدة، وتستخدم مرة واحدة في العام ومن ثم يمكن حمايتها وتأمينها.

ولكن ماذا عن بقية الخدمات الحكومية ذات النفع العام؟ نسمع كثيراً أن الحل هو الميكنة لتحقيق عامل السرعة والحد من الفساد والمخالفات وتحقيق الفعالية ورضاء الجماهير. ويتبارى سياسيو الحكومة في أن هناك خدمات مميكنة دون أن نشعر كمواطنين وجماهير بأثرها على سهولة الحصول عليها. والسبب يكمن في أنها خدمات غير ناضجة. وميكنتها غير مكتملة، كما لم تتفق الحكومات السابقة على توزيع أدوار التطوير والميكنة، ولا على إلزامية الميكنة.
فحتى يمكن الحديث عن خدمات مميكنة أو إلكترونية أو ناضجة لا بد من مراجعة ما تم على مستويات أربعة:
١- المعلومات عن الخدمة.. وصف الخدمة ومتطلبات الحصول عليها دون تفاعل إلكتروني. ويعتبر ذلك المستوى هو البنية التحتية للتعرف على الخدمة وتطويرها. وقد تم وضع الإجراءات والأوراق اللازمة للحصول عليها من قبل الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في الثمانينيات وبشكل مفصل لكل خدمة. ولم يتم الاطلاع عليها من قبل المطورين إلا بعد ٢٠١١. وهذه المعلومات لابد أن تكون منشورة ومعلنًا عنها، ولا بد أن يعلم المواطن كيف يصل لها من خلال الإعلان عنها والتوعية بها.
٢- الخدمة التفاعلية من المواطن أو الجمهور المستفيد للجهة الحكومية، بحيث يقوم المواطن بتعبئة نموذج إلكتروني للخدمة وإرساله للجهة، حتى تتمكن الجهة من بناء قاعدة بيانات لمستخدم الخدمة باسمه ومكان تواجده ، وهي عملية مهمة لتتبع معدلات استهلاكه وشكواه أو عمل استطلاعات رأي للتعرف على مستوى جودة الخدمة ومن ثم تطويرها. ولبناء الثقة بين المواطن والدولة وبناء قاعدة بيانات معلوماتية كبيرة Big Data.
٣- الخدمات الإجرائية.. وهي التفاعل في اتجاهين: من المستفيد للجهة الحكومية والعكس. حيث تقوم الجهة الحكومية المقدمة للخدمة بكافة الإجراءات داخل الجهة دون الحاجة لأن يقوم المستفيد بمراجعة مقر تقديم الخدمة. على أن تقوم الجهة بإخطار المستفيد، عبر البريد الإلكتروني، بموعد تسليم الخدمة إذا تطلب نوع الخدمة تواجد المواطن أو المستفيد بذاته.
٤- الخدمات التكاملية.. يكون التفاعل في اتجاهين كالخدمات الإجرائية، ولكن هنا يظهر التطوير الحادث في العمليات ذاتها بين الجهات الحكومية بعضها البعض، أي داخل الجهة الحكومية صاحبة الخدمة وخارج الجهة الحكومية تجاه جهات حكومية أخرى ذات صلة بتقديم نفس الخدمة كالتأمينات والمعاشات. وهو ما يطلق عليه التكامل بين الجهات الحكومية فيما بينها ومع المستفيد أيضا.
...

المتوقع أن يقول المسئولون إننا حققنا المستويات الأربعة. الحقيقة لا توجد المستويات الأربعة في الخدمة الواحدة في كل الجهات المقدمة لنفس الخدمة على المستوى المركزي واللامركزي، كما أن الموجود متناثر ومبعثر بين جهات ومتنافس عليه ولا تتوافر منظومة عمل واحدة وموجهات واحدة. والمواطن حائر بين مدارس التطوير المختلفة وبين الانتظار وبين اضطراره إلى اللجوء للقطاع الخاص بتكلفته الإضافية لينعتق من أغلال الانتظار والتشتت والإرهاق بلا سبب مفهوم.
ولهذه الأسباب مجتمعة، وإذا أردنا التحقق من فهمنا كمجتمع وكمسئولين للخدمات الحكومية وأحقية المواطن والجمهور في الحصول عليها لما تحققه من نفع عام، لا بد من وجود فقه أولويات ومراجعة خطط التطوير ومعاييرها والتحقق من مستويات نضج الخدمات الحكومية لتصبح قابلة لأن تقدم للمستفيد، سواء إن كان التطوير ورقيا أو إلكترونيا، وسواء كان الحصول عليها ورقيا أو إلكترونيا.

إعلان

إعلان

إعلان