إعلان

كوكتيل المانجو بالجرجير

كوكتيل المانجو بالجرجير

أمينة خيري
09:01 م الإثنين 06 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تسأل موظف البنك: على أي أساس تم التعامل مع العميلة المنتقبة التي دخلت لتوها إلى الشباك مباشرة، دون توقيف هنا أو تدقيق هناك؟

فيرد عليك بنبرة قرف وملامح الاشمئزاز على وجهه: عميلة وعارفنها من زمان.

تصر على الحصول على إجابة منطقية، وليست معنوية، فتعاود السؤال: وكيف عرفت أن من قدمت لك بطاقة الهوية هي ذاتها القابعة تحت النقاب؟

يرد بكل صلف: عميلتي "الملتزمة" وعارفها من زمان، ولّا هي علشان ملتزمة نضيق عليها؟!

تتغاضى عن إشارته المتكررة عن "الالتزام"، وتسأل ثالثة: وكيف لا يتم الكشف عن وجهها من باب التأمين حتى؟

يؤفئف، ويتبرم، ويرد: ليس لدينا أفراد أمن نساء!

وفي سياق شبيه وعرف ثقافي صار عتيقًا، يدور سجال المهربين الصغار المتأجج المشتعل بين فريق يرى حتمية تطبيق القانون، سواء كانت الجريمة كبيرة أو صغيرة أو نص نص، وآخر يرى أن الأولاد غلابة وأبطال، لأنهم يسعون لإعالة أسرهم، عبر هذا التهريب الصغير البسيط الذي لا يتسبب في القدر نفسه من الضرر الذي يسببه الحيتان والأشاكيف وعتاولة التهريب الكبار.

وبعيدًا عن أسلوب موظفة العلاقات العامة غير المقبول مع الصبية (وبعضهم رجال بشنبات)، وبغض النظر عن حكاية الـ13 فدانا والمخبز، ينتاب المتابع شعور بأن جانبًا من المجتمع بات ملائكة بأجنحة. فالتهريب مبرر بدافع الغلب والفقر والقهر و"آه يا بلد" و"يا عيني على الولد"، وكأن هذا المجتمع "المتدين بالفطرة" أحب التهريب فجأة، لأن فيه إنقاذًا للأسر الفقيرة وإغاثة للأمهات المسكينات والشقيقات الجائعات، ولا سيما أنه تم الدق على وتر "هو إحنا مش رجالة ولا إيه؟".

وزاد طينَ خلط الأمور ببعضها بلة، حين تدغدغت مشاعر البعض وتفتفتت أحاسيسه بمجرد أن قال زعيم الصبية- الذي تم تصويره باعتباره المدافع عن فقر زملائه في وجه الطغيان- إنه كان يود أن يفاجئ والده ووالدته بتوفير المال اللازم للحج. هنا تصاعدت الآهات وتواترت الأنّات حبًا للفتى التقي وعشقًا للجانب الروحاني من عمله في التهريب.

هذه الخلطبيطة المزرية تذكرنا بحوادث الفساد والرشوة التي عاصرناها في السنوات القليلة الماضية، من رشوة على هيئة حج، ونية مرتشٍ تخصيص جانب من المال "الحرام" الذي تقاضاه من رجل أعمال ليحج وزوجته أو يحج عن والدته، ناهيك من حوادث إلقاء القبض على فاسدين ومرتشين بينما المصاحف الضخمة على المكاتب والآيات القرآنية الذهبية معلقة على الجدران.

وحتى يكتمل المقصود من هذه الكلمات التي حتمًا سيقفز البعض إلى شجبها وإدانتها حيث "ما علاقة المصحف بالمرتشي والآيات بالفساد- أحكي مشهدًا متكررًا في شوارع العاصمة.

فبين الحين والآخر، تفيق إدارة المرور من غيبوبتها، ويتم إيقاف توك توك هنا أو تروسيكل هناك (للعلم هناك 2،5 مليون توك توك خارج القانون بمعنى في حال اقترف أحدهم جرمًا أو دهس شخصًا أو ما شابه فإن المركبة غير موجودة بالنسبة للدولة من الأصل)، تهرع العشرات لفك الاشتباك بين الضابط وصبي التوك توك علشان "حرام عليكم" "ده عيل غلبان" و"ما بتجوش غير على الغلابة" "سيبه يسترزق".

العشرات هذه نفسها هي التي تسب وتلعن تسيب التوك توك وانفلات المنظومة برمتها حيث لا ضابط أو رابط أو حسيب. وهذه العشرات نفسها هي أول من يمسك في خناق "الواد الغلبان" سائق التوك توك، حين يتحرش بابنتهم، أو يدهس قريبهم، أو يجرح سيارة أحدهم.

غاية القول أن "كوكتيل المانجو مع الخوخ" متناغم، كذلك "كوكتيل الجرجير مع البقدونس"، أما أن نضرب المانجو مع الجرجير في خلاط واحد، فهذا تشويه لكل منهما.

أن تطالب بالتأكد من هوية المنتقبة قبل إتمام معاملاتها البنكية ليس تعديًا على "التزامها".

وأن تطالب بمعاقبة المهربين الصغار بمواد قانون الطفل لمن هم أقل من 18 عامًا (وليس على يد موظفة علاقات عامة) لا يعني أنك "ما حساش بالناس".

وأن تتعجب من المرتشي الذي يخصص جانبًا من رشوته ليحج أو يصر على وضع المصحف الأكبر على مكتبه، فهذا حق أصيل، لأن الفصام يستوجب العلاج لا النفي.

وأن تعترض على فيروس التوك توك والتروسيكل غير المرخص والذي حول مصر عشوائية كبيرة لا يعني أنك ضد الغلابة و"ما حساش بالناس"، لكن يعني أن الترخيص والتخطيط والمراقبة مطلوبة لنستيقظ من عفلتنا السحيقة وغيبوبتنا المميتة.

وكفانا إصرارًا على خلط المانجو بالجرجير.

إعلان

إعلان

إعلان